أزمة الاقتصاد العالمي
تبدو قائمة الكوارث الاقتصادية العالمية اليوم أضخم وأشد من أسباب الأمل فى التعافي. فالكثير من الأسواق تصارع ديونًا مفرطة ونموًا بطيئًا وعملات متدهورة وتضخمًا متصاعدًا، بل إن الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم شهدت انكماشًا نسبيًا ويثار القلق حول احتمالات مماثلة فى أسواق صاعدة أخرى. وإن لم تعد منطقة اليورو ذات كوارث فإن وضعها الذى يصعب التأكد من تقديره ليس مصدرًا للابتهاج. وكان الأمل الكبير فى النجاح يرسو عادة على الاقتصاد الأمريكي، وظلت بعض المؤشرات هناك قوية نسبيًا وإن أظهرت سوق الإسكان بعض علامات الضعف. ولكن على الرغم من ذلك فإن مؤشرات انكماش وشيك تتراكم الآن، وبدا النمو الاقتصادى ضئيلاً فى الربع الأخير من 2015، وتتناقص الأرباح كما يتناقص النشاط الاقتصادى للشهر الرابع على التوالى فى يناير. ووصلت الإيرادات فى 2015 إلى 15% أدنى مما كانت عليه فى 2014 و29% أقل من قمة 2012. وجاء عنوان غلاف مجلة الإيكونوميست الأخير «الاقتصاد العالمى خالى الوفاض من الذخيرة المالية» مؤشرًا على ضآلة الطلب. وينبغى التمييز بين الأزمة العامة التى تعنى تدهورًا فى العلاقات الاقتصادية والسياسية، وبين الأزمات الجزئية ودورات البيزنس التى هى وسائل النظام للتعافي.
وتنشر مجلة نيوستيتسمان أواخر فبراير 2016 على غلافها عنوان «عاصفة على وشك أن تهب على اقتصاد العالم. هل يستطيع أحد وقف انهيار قادم؟»، فالتوترات فى الاقتصاد العالمى قريبة من نقطة الانهيار. وقدرت وكالات الأنباء خسائر أسعار الأسهم حول العالم منذ بداية يناير 2016 فيما يصل إلى 6 تريليونات دولار. ويبدو أن الهلع أصاب الأسواق العالمية أمام تراجع الاقتصاد العالمى وانخفاض أسعار النفط. وتعانى الاقتصادات العالمية وخصوصًا الاقتصادات الرئيسية: الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو واليابان وبريطانيا من أعراض خلل مزمن فى الطلب.
ويسيطر ركود الاقتصاد على عناوين الأخبار، فهناك مذبحة تشهدها البورصات العالمية حول العالم؛ انهارت السوق المالية الصينية وحصلت انهيارات فى الأسواق المالية الأمريكية والهندية والأوروبية تباعًا. فالصين والقارة الأوروبية تواصل الشكوى والأنين، وهناك أزمة اليونان المالية الحادة وقروضها الضخمة بلا حل للجدولة، وأصاب الركود ومؤشراته البرازيل المؤثرة فى الاقتصاد العالمي. وعمومًا كانت التوقعات بشأن الاقتصاد العالمى خلال عام 2016 أفضل قليلاً بالمقارنة بالعام الماضي. ولكن هناك اضطرابًا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية.
هل ننظر إلى موجة جديدة لأزمات الأسواق الصاعدة مثل التى حدثت فى تسعينات القرن الماضى والسنوات الأولى للقرن الحالى التى اجتاحت شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا وروسيا؟ يوافق كثير من خبراء الاقتصاد على أن الاقتصادات الصاعدة أصلحت سياساتها الاقتصادية إصلاحًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة وأصبحت قادرة على الصمود أمام العواصف المالية العالمية اليوم، فلن تسقط الرأسمالية من تلقاء ذاتها فجأة، وإن ظلت الأزمة خانقة.
وتاريخ السنوات العشرين بعد ركود التسعينيات هو تاريخ عالم قد انزلق إلى عدم الاستقرار والأزمة. وحتى الثمانينيات لم تكن عولمة طبيعة الأزمة واضحة إلا بعد سقوط ما سمى بالمنظومة الاشتراكية، ثم توالت موجات الركود. وتلوح الكارثة التى ستضرب حتما أضخم اقتصاد فى أمريكا اللاتينية اقتصاديًا وسياسيًا، وقد فقد الائتلاف الحاكم فى البرازيل اعتباره بسبب فضيحة رشوة هائلة فى شركة نفط تديرها الدولة، كما اتهمت الرئيسة ديلما روسيف بإخفاء حجم عجز الميزانية. وكان من المفروض أن تكون البرازيل فى طليعة الاقتصادات سريعة النمو، ولكنها بدلاً من ذلك تواجه الخلل الوظيفى وربما عودة إلى تضخم مفرط. ومعاناة البرازيل مثل معاناة الاقتصادات البازغة الأخرى تصدر جزئيًا عن هبوط فى أسعار السلع المعولمة، كما أن رئيسة البرازيل وحزبها اليسارى حولوا موقفًا سيئًا إلى أسوأ، فقد أنفقت أثناء فترة حكمها الأولى بدون حكمة كما يزعم نقادها اليمينيون. ويخطئ هؤلاء النقاد فى التسوية بين سبب الأزمة الاقتصادية الماثل هيكليًا فى بنية الاقتصاد الرأسمالى والأخطاء الجزئية للحكم فى الإنفاق غير المنضبط.
ومن الواضح الآن أن ما بدا اضطرابًا ضخمًا فى الائتمان عام 2007 قد تطور إلى انكماش أوسع مدى وأشد فتكًا؛ وحاولت الحكومات تفادى الانهيار فانهارت هى فى هذه المحاولة. وإجراءات الإنقاذ المتبناة أثناء الطور المبكر من الأزمة بين 2007 و2009 شهدت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا ومنطقة اليورو زيادة المديونية العامة بمقدار 20-40% من الناتج المحلى الكلى وعجزًا ضخمًا فى الحساب الجارى وتحويل الدين من خاص إلى عام، وكانت تلك الإجراءات باسم تفادى فشل النظام، ولكنها فاقمت مشكلة الدين لأن سقوط بنك مهما يكن سييء الأثر فهو أقل سوءًا من سقوط دولة. وقبل زمن طويل تطلبت أسواق السندات خططًا لتخفيض أنواع العجز بواسطة خنق الإنفاق العام وتقليص الحماية الاجتماعية. واقتنع يسار الوسط ويمين الوسط بأن دولة الرخاء شديدة التكلفة. فالليبرالية الجديدة تسود العالم بكل مساوئها، وفى المقابل يتزايد أثر الأزمة على العاملين وتتزايد الحركات الاحتجاحية الراديكالية، لكن تلك الحركات لا تكفى بعد من حيث وعيها وتنظيمها وجماهيريتها لهزيمة الرأسمالية وبناء نظام جديد.
(المصدر: الأهرام 2016-03-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews