الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لثورة 25 يناير
بعد أسبوع يجدر بالأمة المصرية أن تحتفل بالعيد الرابع لثورة 25 يناير، رغم أنها لم تبلغ غاياتها بعد، ومهما تكن محاولات إفساد الاحتفال من جانب منكوبى ثورة 25 يناير، وبالأخص من جانب منكوبى ثورة 30 يونيو. ولنتذكر أن الأمة المصرية هى صانعة الثورتين، مهما يكن دور المؤامرة الإخوانية فى الأولى ودور القوات المسلحة فى الثانية. وفى مواجهة إنكار منكوبى الثورتين- فى صراعهما العقيم- صفة الثورة عن إحداهما؛ لنتذكر أن نفى صفة الثورة عن 25 يناير ينفى صفة الثورة عن 30 يونيو.
وحين نحتفل بثورة 25 يناير، لنحتفل فى ذات الوقت بثورة 30 يونيو؛ لأن الثانية صححت مسار الأولى، باسقاط مؤامرة التمكين مقابل التفكيك، أى تمكين الفاشية التكفيرية وعلى رأسها جماعة الإخوان من حكم مصر، مقابل تفكيك الأمة المصرية فى سياق مخطط الفوضى الهدامة الأمريكى. ومهما تكن الإحباطات والإخفاقات، فإن يقينى لن يتزعزع بانتصار الثورة المصرية بحلقتيها، لأنه لا بديل عن اقتلاع أسباب تفجرهما وتحقيق تطلعات الشعب، الذى صنعهما؛ فاستحقا صفة الثورة. ولن تتزعزع قناعتى بأن عنوان انتصار الثورة المصرية، الديموقراطية الوطنية، هو بناء نظامٍ جديد، يصفى أسبابها ويحقق أهدافها؛ ببناء دولة المواطنة. أقصد بناء نظامٍ يحترم كل حقوق جميع المصريين الدستورية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية والثقافية، بغير تمييز أو تهميش، نظامٍ قادر على تحقيق التقدم الشامل وتعزيز السيادة الوطنية.
والواقع أن أهم ما فجر ثورة 25 يناير هو إخفاقات النظام الاقتصادى الاجتماعى، نظام الفساد المنظم والجشع المنفلت، الذى كرس التخلف الاقتصادى وعمق أسباب الفقر، ودفع بعشرات الملايين من المصريين للانضمام إلى طلائع الثورة من الشباب. وفى تفسير تكريس هذا النظام استدعيت من قبل ما كتبه المفكر الإقتصادى الأمريكى الكبير جون كينيث جالبريث، فى كتابه تاريخ الفكر الاقتصادى، يقول: إن السؤال الذى يثور، والذى وُجِه فى الحقيقة ألفَ مرة: لو نفذت المطالب وما يصاحبها من إصلاحات.. هل كان يمكن منع الثورة الفرنسية أو استباقها؟ ويرد: إن هذا التساؤل لا قيمة له ولا أساس, لأن الأثرياء وذوى الامتيازات، عندما يكونون أيضاَ فاسدين وعديمى الكفاءة، لا يقبلون الإصلاح الكفيل بإنقاذهم!! كما أن هناك مسألة التفضيل الزمنى والإنكار النفسى, إذ لماذا يستعاض فى الأجل القصير عن المباهج والرفاهة وراحة البال بالتفكير فى الأهوال والكوارث فى الأجل الطويل؟ وفى سياق عدم التعلم من هذا الدرس العميق، للثورة الفرنسية وغيرها من الثورات، منذ الثورة الاجتماعية الأولى فى تاريخ مصر والعالم قبل أكثر من 4200 عام، يمكن فهم أهم الأسباب التى فجرت الثورة المصرية فى 25 يناير، بمقدماتها الاقتصادية الاجتماعية.
فقد أهدر حكم مبارك كل فرص ودعوات الاصلاح، بل رسَّخ جوهر نظامه الاقتصادى الاجتماعى، ولم يتعلم من دروس الأزمة الاقتصادية العالمية، فى ظل سيطرة لوبى التوريث على القرار الاقتصادى السياسى؛ بأيديولوجيته التى كرست هدر كفاءة تخصيص الموارد وهدر عدالة توزيع الدخل. ورغم التغنى بمؤشرات الاقتصاد المصرى، فقد سجلت فى مقالى أداء الاقتصاد المصرى فى عهد مبارك (جريدة الأهرام 8 أكتوبر 2006) ما تضمنه التقرير ربع السنوى الصادر عن وزارة التجارة والصناعة من مؤشرات مقارنة مع اقتصادات اثنتى عشرة دولة؛ اختارها واضعو التقرير وفق معيارى تقارب مستويات الدخل ومنافسة الاقتصاد المصرى، وغطت المقارنة السنوات الخمس الأولى من القرن الواحد والعشرين، أى بعد 25 سنة من حكم مبارك.
وأوجز ما أوردته من التقرير فى مقالى المذكور: شغلت مصر المركز العاشر وفق مؤشر متوسط معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى! وشغلت مصر المركز الثانى عشر وفق مؤشر متوسط معدل نمو الاستثمار المحلى الإجمالى, الذى كان سلبيا! وشغلت مصر المركز الأخير وفق مؤشر متوسط نسبة الاستثمار المحلى الإجمالى!! وعانت مصر من فجوة بين الادخار والاستثمار, ترتب عليها ارتفاع إجمالى الدين العام حتى زاد على الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2004/2005! وشغلت مصر المركز العاشر وفق مؤشر متوسط صافى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وشغلت المركز الأخير وفقا لنسبة هذا التدفق الى الناتج المحلى الإجمالى!!
وقد شغلت مصر المركز الأول فى حجم الاحتياطيات من النقد الأجنبى وتغطيتها لأشهر الواردات, لكنه كما لاحظ التقرير- وبحق- فان المبالغة فى تكوين الاحتياطيات كان هدرا لجانب مهم من موارد الدولة؛ لا يتم حقنه فى النشاط الاقتصادى! واحتلت مصر المرتبة قبل الأخيرة بين دول المقارنة وفق مؤشر درجة التنافسية العالمية لبيئة الأعمال! وكانت للإخفاقات الاقتصادية انعكاسات اجتماعية سلبية، تجلت فى الفقر والبطالة والغلاء. فقد شغلت مصر المركز الحادى عشر وفق مؤشر متوسط دخل الفرد من الناتج المحلى الإجمالى! وزاد معدل البطالة فى مصر الى نحو 10 % وزاد على نظيره فى ثمان من الدول موضع المقارنة، وقفز معدل التضخم فى مصر وبلغ نحو 13% فى عام 2004!
وقد يزعم قائل: إن مؤشرات الاقتصاد المصرى قد تحسنت فى السنوات التالية، السابقة مباشرة للثورة، لكن هذا الزعم تدحضه بيانات وزارة التخطيط والبنك المركزى. فقد ارتفعت معدلات النمو، لكنه نمو ارتبط بالمضاربة العقارية والأرباح الاحتكارية، وأثمر تضخما فى الثروات الفردية مع تدهور الصناعة والزراعة وتفاقم الفقر والبطالة. وأكتفى، مثلا، بالإشارة الى انخفاض معدل النمو الحقيقى السنوى للصناعة التحويلية من 8.0 % فى عام 2007/2008 الى أقل من 4 % فى عام 2008/2009، وانخفاض معدل النمو الحقيقى السنوى للزراعة من نحو 4 % فى عام 2006/2007 الى نحو 3 % فى عام 2008/2009، بينما وصل معدل النمو الحقيقى السنوى لقطاع العقارات الى نحو 16% فى عام 2006/2007، ومعدل النمو الحقيقى السنوى لقطاع الاتصالات الى نحو 15 % فى عام 2008/2009!!
(المصدر: الأهرام 2015-01-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews