نموذج دولي في التحول إلى الطاقة المتجددة
مصطلح Energiewende هو مصطلح ألماني يشق طريقه نحو الانضمام إلى اللغة الإنجليزية، وهو يعني "تحول الطاقة"، ويشير إلى خطط ألمانيا التاريخية الرامية إلى التحول إلى الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد فقط على الطاقة المتجددة بمختلف أنواعها. ولا يوجد مثيل لسياسات الطاقة الرائدة التي تطبقها ألمانيا والطموحات العالية المتعلقة بمجال الطاقة لا في الولايات المتحدة ولا في أي مكان آخر.
ومصطلح energiewende يعبر عن "ثورة صناعية" شاملة متكاملة - حسب رأي الاقتصادي والمؤلف جيريمي ريفكين - من شأنها أن تغير أشياء كثيرة عن شكلها الذي نعرفه، مثل: النقل، والزراعة، والتسلسلات الهرمية للسلطة، والإنتاج الصناعي، والهندسة المعمارية في المناطق الحضرية، وعالم الأعمال، وتوزيع الموارد، والعلاقات الخارجية، وغير ذلك الكثير. فالمصطلح يشير إلى مسعى ذي أبعاد هائلة، يماثل برنامج الفضاء الأمريكي أو الوحدة الألمانية، بل إن هذه التشبيهات لا تعطي الأمر حقه. إن ألمانيا لا تسعى بذلك إلى تعزيز ترسانة الطاقة الألمانية بمزيج من مصادر الطاقة المتجددة فحسب كما تفعل جميع الدول تقريبا في هذه الأيام، بل بدأت ألمانيا عملية التخلص من الإرث النووي والتخلي عن الوقود الأحفوري تماما، بينما في الوقت نفسه تسعى لتحقيق أهداف المناخ الطموحة المحددة من قبل الاتحاد الأوروبي.
وتهدف ألمانيا - في العقد القادم – إلى تزويد المنازل والمكاتب والمصانع بمزيج طاقة تأتي نسبة 40 في المائة منه من مصادر الطاقة المتجددة. وبحلول عام 2050 تعتزم ألمانيا تخضير أكثر من 80 في المائة من إمدادات الطاقة في الدولة. وتعتقد الجماعات المدافعة عن البيئة - مثل منظمة السلام الأخضر Greenpeace - أنه عبر توظيف المزيد من الجرأة (في شكل وضع سياسات استباقية) تستطيع ألمانيا العمل بالطاقة النظيفة وحدها بحلول ذلك الوقت. وما يجعل الحالة الألمانية فريدة من نوعها ليس فقط تبنيها لهذه المهمة الملحمية، ولكن كونها إحدى أهم الدول الصناعية الكبرى في العالم: أي أن اقتصادها القوي القائم على التصدير يعتمد على صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صناعة السيارات والآلات والمواد الكيميائية. وفي الحقيقة يعد نجاح ألمانيا في تحقيق هذه الثورة دليلا على استطاعة الصين والولايات المتحدة وبقية العالم تحقيق الأمر نفسه.
وقد التزمت ألمانيا بالانسحاب من الطاقة النووية تدريجيا على مدى عدة عقود. وعلاوة على ذلك سنت تشريعات ملهمة كان أهمها التعرفة الجمركية المرتفعة التي مكنت الطاقة الخضراء في ألمانيا من التوسيع من حفنة من العمال غير المهرة الذين يعملون في المرائب إلى صناعة بمليارات الدولارات تؤمن 380 ألف وظيفة. وتسمح الأسعار التي وضعتها الحكومة لأصحاب المنازل الذين يملكون ألواحا شمسية على أسطح منازلهم أو المجتمعات التي شيدت محطات الغاز الحيوي أن يحصلوا على أسعار أعلى من أسعار السوق عند بيع الطاقة إلى الشبكة الوطنية، وهذه الأسعار تضمن توازن هذه الاستثمارات على الأقل. ويلتزم مشغلوالشبكة الوطنية بقبول الطاقة المغذية للشبكة وإعطائها الأولوية على الطاقة غير المتجددة.
وقد جعلت ألمانيا من الريح محركا أساسيا لعملية تحول الطاقة، وحقق الأمر نجاحا لم يتصوره أي شخص. حيث ارتفع توليد الكهرباء الخضراء في ألمانيا من أقل من 6 في المائة في عام 1998 إلى أكثر من 20 في المائة من إجمالي الإمدادات اليوم، نتيجة للأسعار المضمونة المحددة للطاقة المتجددة، والحوافز السوقية المقدمة لمزارع الرياح وإنتاج الطاقة الشمسية، وإلغاء الاحتكار في سوق الطاقة المغلق في ألمانيا. وعلى سبيل المقارنة نجد أن 13 في المائة من الطاقة المنتجة في الولايات المتحدة تأتي من مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية.
وبالطبع لا يمكن إغفال السؤال المهم الذي يخيم على هذه التجربة ألا وهو: هل ستنجح؟ ويمكن الرد على هذا السؤال خلال 20 سنة أو نحو ذلك. وإذا كانت ألمانيا محقة، فإنها ستكون في الريادة وسابقة بمسافة كبيرة. أما إذا أخفقت عملية تحول الطاقة energiewende، فقد تفقد ألمانيا مكانتها كقوة صناعية كبرى. هل تضع نفسها على المحك؟
الاقتصادية 2015-01-05
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews