التحدي الكبير أمام اليونان يظل التحديث وليس الديون
أيا كان الشيء الذي دار بخلد المستثمرين الذين تخلصوا من الأسهم والسندات اليونانية الأسبوع الماضي ـ الأمر الذي أعاد إشعال المخاوف بشأن استقرار منطقة اليورو ـ فمن المؤكد تقريبا أنه ليس الإضراب عن الطعام من قبل شخص سجن بتهمة السطو المسلح.
ما هيمن على أخبار التلفزيون في البلاد لم يكن انهيار السوق ولا قضية اليونان الآنية - القلق من أن يتولى اليسار الراديكالي السلطة بفضل القرار المفاجئ لرئيس الوزراء، أنطونيس ساماراس، المتمثل في الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة. بدلا من ذلك، كان أهم خبر هو صفقة تطبخ من قبل سياسيين لإنهاء إضراب نيكوس رومانوس عن الطعام، بالسماح له بحضور المحاضرات الجامعية، وإن كان ذلك مع ارتدائه للسوار الإلكتروني.
وراء الحقيقة المثيرة للفضول، التي تقول إن رومانوس (21 عاما) أدين بسرقة مصرف وإنه يريد دراسة إدارة الأعمال، هناك علاقة أقرب مما تراه العين بين احتجاجه في السجن والجيشان في السوق. الطالب الطامح الذي لا يزال يواجه اتهامات بالانتماء إلى منظمة إرهابية، يقضي مدة في السجن من أجل كثير من اليونانيين باعتباره رمزا لبلدهم الذي يعاني الجوع واليأس بعد نحو خمس سنوات مما يرونه عبودية متزايدة بلا طائل للدائنين الأجانب القساة.
ويتخذ آخرون وجهة نظر أكثر استهجانا تجاه رومانوس. إنهم يعتبرونه راديكاليا محظوظا من الطبقة المتوسطة، وشابا جعلت منه تنشئته المريحة، وآراؤه السياسية المناهضة للمؤسسة، وملامحه الوسيمة، مماثلا بشكل غريب لأليكسيس تسيبراس (40 عاما)، زعيم حزب سيريزا اليساري الذي يعتبر بعبع المستثمرين الأجانب والحكومات الأوروبية.
والانتماء إلى عالم السياسة ربما عليه الانتظار حتى ينهي رومانوس دراسته في الأعمال ومدة السجن. لكن ما يزعج شركاء اليونان في منطقة اليورو هو ما إذا كان تسيبراس سيحل محل ساماراس رئيسا للوزراء - وما إذا كان سيغضبهم بالتصرف مثل ليون تروتسكي، البلشفي الذي أصر على التبرؤ من الديون الخارجية لروسيا القيصرية، أم أنه سيهدئ من روعهم عن طريق محاكاة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي تتخلى حكومته عن شعاراتها الاشتراكية مثلما تتخلى الأشجار عن أوراقها في فصل الخريف.
الانتخابات الرئاسية تعطي تسيبراس فرصة في السلطة. الحكومة الائتلافية لساماراس ستناضل من أجل حشد ثلاثة أخماس الأغلبية البرلمانية المطلوبة لانتخاب مرشح رئيس الوزراء، ستافروس ديماس، مفوض الاتحاد الأوروبي السابق. إذا فشلت المقامرة، ستعقد اليونان انتخابات عامة – ويستحوذ سيريزا على تفوق من أربع إلى سبع نقاط مئوية في استطلاعات الرأي، متقدما على حزب الديمقراطية الجديدة، حزب المحافظين الذي ينتمي إليه ساماراس.
ظاهريا، يبدو هذا السيناريو يعج بالخطر - وهذا هو سبب معاناة سوق الأسهم في أثينا يوم الثلاثاء من أكبر انخفاض في يوم واحد منذ عام 1987. ذلك أن تسيبراس يمثل إعادة جدولة جذرية للديون الخارجية، وهي خطوة متفجرة سياسيا بالنسبة لدائني البلاد الأوروبيين. وقد يفضح هراء التطمينات الرسمية التي أعطيت للناخبين الألمان وغيرهم حول أن اليونان ستسدد في أحد الأيام بشكل كامل القروض التي عليها بمليارات اليورو. التضامن في منطقة اليورو معرض للإجهاد إلى أقصى حد.
لكن في بعض النواحي يدافع تسيبراس فقط عما يدافع عنه عدد من الاقتصاديين الأجانب الذين هم من ذوي التفكير السليم أيضا. إنه لأمر يصعب تماما على التصديق أن أثينا ستسدد جميع ديونها أصلا. على أية حال، فقد مدد دائنوها بالفعل آجال قروضهم إلى المستقبل البعيد وخفضوا بشكل كبير من الفائدة الدائنة. شطب الديون جزئيا قد يساعد على جذب الاستثمار الأجنبي، من خلال تمكين اليونان من الاقتراض بشروط أفضل، وقد يبعث ذلك الحياة في شركات القطاع الخاص.
يمكن القول، إن عنصر الحمق الحقيقي لبرنامج سيريزا هو تصميمه على زيادة الإنفاق العام وتخفيف محاولات الدائنين لجعل الدولة ذات كفاءة لأول مرة منذ 182 سنة من الاستقلال. هذه السياسات تجعل تسيبراس يبدو نوعا ما وكأنه غاضب متطرف - على الرغم من أنه كان شيوعيا في شبابه – أكثر من كونه نسخة القرن الـ 21 لأندرياس باباندريو، رئيس الوزراء الاشتراكي الراحل الذي بنى نظام الرعاية السياسي الذي وضع اليونان على طريق الهلاك.
هناك احتمالات ضئيلة أن سيريزا، حتى حين يتولى السلطة، سيكون قويا بما فيه الكفاية لتنفيذ سياساته بالكامل. في المقام الأول، يبدو برنامج دعمه الانتخابي محدودا للغاية على نحو لا يؤهله للفوز بأغلبية واضحة. وإذا كان عضوا في تحالف، فإنه سيتعين عليه تقديم تنازلات.
لكن العنصر الأهم في الموضوع هو أن مكانة اليونان الدولية تعتبر ضعيفة وأن أية حكومة مقبلة يجب أن تتفاوض مع دائنيها. الولايات المتحدة، على الرغم من انتقادها معالجة ألمانيا للأزمة في منطقة اليورو، لن تصطف إلى جانب أسماك صغيرة مختلة مثل اليونان على حساب برلين، أقوى سلطة في أوروبا. وروسيا، على الرغم من قربها من اليونان في ديانتها الأرثوذكسية، هي الآن في وضع سيئ مع الغرب بسبب تدخلها في أوكرانيا، وسيكون من المجازفة أن تراهن أثينا على موسكو.
الصين متنبهة دوما لفرص الاستثمار في اليونان، لكنها تقدر الحاجة إلى منطقة يورو مستقرة ومتحدة. أما بالنسبة لإيرلندا والبرتغال وغيرهما، اللتين مثل اليونان فاحتاجتا إلى إنقاذ مالي طارئ، لا توجد واحدة منها - حتى قبرص - لديها أية رغبة في أن توضع مع أثينا في خانة واحدة باعتبارها المدين السقيم.
الأمر الذي يجب أن يشغل بال الزعماء والمستثمرين في أوروبا ليس الحسابات البرلمانية في أثينا، أو التخفيضات التي يريدها الدائنون في ميزانية 2015. وإنما هو ما إذا كانت لدى اليونان الرغبة والقدرة على الاستمرار في جهود التحديث المضنية التي بدأت في 2010 – أو ما إذا كانت ستحافظ على الهياكل القديمة من المحسوبية والفساد وحكم القلة تحت واجهة من الطاعة للسادة الأجانب.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-12-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews