«أوبك» والرهان على استقرار السوق
قرر المجلس الوزاري لمنظمة «أوبك» في اجتماعه العادي نصف السنوي الذي عقد الخميس في فيينا، الحفاظ على سقف الإنتاج (30 مليون برميل يومياً) المتفق عليه منذ كانون الأول (ديسمبر) 2011، على رغم انخفاض سعر برميل النفط نحو 30 في المئة منذ حزيران (يونيو). ومعروف أن إنتاج «أوبك» يشكل نحو 40 في المئة من مجمل الإنتاج النفطي العالمي.
وتخللت الاجتماع خلافات كبيرة ومهمة بين الدول الأعضاء، فالبعض أصر على عدم خفض الإنتاج، وطالب بعض آخر بخفض يوازي مليون برميل يومياً، وألح بعض ثالث على خفض مليوني برميل يومياً. وفي النهاية اتفقت الدول على عدم تغيير مستوى الإنتاج الحالي علماً بأن القرارات تؤخذ بالتوافق.
ودعمت السعودية اقتراح الحفاظ على الإنتاج الحالي لأنها لا ترى فائدة في الخفض الآن، فمعظم زيادات الإنتاج هي من خارج «أوبك»، كما لا يتوافر إجماع والتزام من كل الأعضاء في «أوبك» على خفض الإنتاج ما سيعني أن الرياض ستتحمل وحدها عبء الخفض، بينما ستستمر دول أخرى على ما هي عليه. وطرحت السعودية شعار سياسة «الاعتماد على الأسواق» في تحديد أسعار النفط، بدلاً من التشبث بسعر 100 دولار تقريباً للبرميل مهما تغيرت أوضاع السوق.
ما الذي تغير في الأسواق لتبني هذه السياسة؟ إنه تزامن متغيرات اقتصادية ومالية عالمية، هي أولاً، انخفاض الطلب على النفط، فهناك التباطؤ أو الانكماش في أوروبا والصين واليابان، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى، ما جعل استيراد النفط أكثر كلفة بما قلص من حجم الطلب. وبرز ثانياً، ارتفاع حجم الإنتاج العالمي، خصوصاً من خارج «أوبك»، وتأثير المضاربات في أوقات مضطربة كالتي يمر بها العالم، إذ يتوقع الجميع انخفاضاً للأسعار من دون معرفة الحد الأدنى الذي ستستقر عليه في نهاية المطاف.
ومما زاد الطين بلة لـ «أوبك» التوقعات الاقتصادية المتشائمة لعام 2015، فالمؤشرات تدل على إمكانية نمو الاقتصاد العالمي نحو 3.6 في المئة فقط العام المقبل مقارنة بنحو 3.2 في المئة العام الحالي، ما يعني أن زيادة الطلب على النفط ستكون محدودة عام 2015. ورجحت دراسات وبحوث لـ «أوبك»، في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة، زيادة الطلب على النفط نحو 1.1 مليون برميل يومياً عام 2015، ما سيرفع مجمل الإنتاج العالمي إلى نحو 92.3 مليون برميل يومياً.
لكن المنظمة توقعت في الوقت ذاته أن تزيد الدول غير الأعضاء في «أوبك» إنتاجها لتلبي هذه الزيادة البسيطة في الطلب، فالتوقعات تشير إلى أن الدول غير الأعضاء في «أوبك» ستزيد إنتاجها في 2015 نحو 1.4 مليون برميل يومياً ليشكل مجمل الإنتاج من خارج «أوبك» نحو 57.3 مليون برميل يومياً. ومصدر معظم هذه الزيادة هي الإنتاج في كندا والولايات المتحدة، أي بمعنى آخر إنتاج النفط الصخري، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج في البرازيل.
وواضح أن سياسة «الاعتماد على السوق» لتحديد السعر الذي تهدف إليه «أوبك» حالياً ستؤدي إلى انخفاض سعر النفط. ولا يمكن التكهن بحدود السعر الأدنى الممكن تسجيله، إلا أن التقديرات تشير إلى أن كلفة إنتاج النفط الصخري تبلغ 50 - 70 دولاراً للبرميل، أي أن التدهور الذي طرأ على الأسعار أخيراً سيؤثر حتماً في احتمالات توسيع الطاقة الإنتاجية للنفط غير التقليدي، خصوصاً النفط الصخري، وفي حجم الاستثمارات في هذا القطاع التي بلغت أخيراً نحو 200 بليون دولار سنوياً في الولايات المتحدة.
وليس التحدي إيقاف إنتاج النفط الصخري بل الحد من سرعة نموه التي تزيد على مليون برميل يومياً سنوياً في الولايات المتحدة، حيث يبلغ مجمل إنتاجه الآن نحو 3.4 مليون برميل يومياً. وقد يكون الهدف هو إغلاق الحقول ذات الإنتاج الباهظ الكلفة، أو غير الاقتصادية في ظل مستوى الأسعار الجديد.
تدل التجارب السابقة عند انخفاض الأسعار على صعوبة وضع حد للمستويات الدنيا التي يمكن أن تصلها الأسعار إلا بعد مفاوضات شاقة وطويلة. وتدل التجارب أيضاً على ضرورة الدخول في محادثات مع الدول غير الأعضاء في «أوبك» مثل روسيا والمكسيك. لكن هناك فرق كبير في هذه الجولة. فالخلاف الأهم هو ليس مع هاتين الدولتين، على رغم إمكانية إغلاق بعض الحقول الروسية ذات الكلفة العالية، بل المهم الآن التفاوض مع عشرات الشركات المنتجة للنفط الصخري الأميركية، وهذا صعب لأنها شركات صغيرة ومستقلة وغير معروفة على صعيد صناعة البترول العالمية لحداثة تأسيسها، ناهيك عن التفاوض مع الحكومة الأميركية الذي لا تسمح به القوانين الأميركية لاعتبارها «أوبك» منظمة احتكارية.
قد تكون المرحلة الحالية مرحلة حرب أسعار تستهدف تحقيق أهداف بعيدة المدى تحاول إعادة التوازن إلى الأسواق بما لا يتيح فرصة للأسعار العالية لتدعم تطوير النفط غير التقليدي أو الطاقة المستدامة على حساب النفط التقليدي. وتسببت بهذه المرحلة توقعات اقتصادية سلبية للنصف الأول من 2015، بالإضافة إلى ارتفاع الاستثمارات في تطوير النفط غير التقليدي، وعدم محاولة الاستثمار في زيادة استهلاك النفط في الولايات المتحدة، على رغم الزيادات السنوية في الإنتاج، الأمر الذي أنتج تخمة في السوق الأميركية وانخفاضاً للأسعار في أهم سوق عالمية.
ستــعاني الدول الأعضاء في «أوبك» ذات الاقتصـــادات الضعيفة، أو التي لا تملك احتياطات مالـــية وافية، وهي العراق وإيران وليبيا وفنزويلا والجـــزائر ونيجيريا، بسبب انهيار الأسعار لأنها رسمــــت سياساتها المالية السابقة على أسس غير واقعية أهمها ترجيح استمرار الأسعار المرتفعة وتطبيق سياسات اقتصادية غير منتجة، ناهيك عن تكاليف الحروب الداخلية في العديد منها. وعليها وبسرعة أن ترسم موازنات عام 2015 على أسس أكثر رشداً وواقعية. لكن هذا الأمر لن يكون سهلاً نظراً إلى التزام هذه الدول نفقات غير منتجة، ولاعتمادها الكلي تقريباً على الريع النفطي. وستضطر الدول المنتجة الكبرى ذات الاحتياطات المالية الوافية إلى ترشيد موازنات العام المقبل أيضاً حفاظاً على هذه الاحتياطات.
(المصدر: الحياة 2014-11-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews