الحرية الاقتصادية في العالم العربي
تقرير الحرية الاقتصادية في العالم العربي 2014 والذي تم إطلاقه مؤخرا من العاصمة الأردنية عمان سخي وكريم تجاه دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، لكن بعض الدول الخليجية بشكل خاص. التقرير نتاج جهد مشترك بين مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية من ألمانيا، ومؤسسة البحوث الدولية في سلطنة عمان ومعهد فريزر من كندا، وربما يشتهر التقرير باسم المعهد الكندي فريزر.
هناك الكثير من الأمور المثيرة في التقرير وعلى الخصوص تصنيف بعض الدول العربية، على سبيل المثال، يصنف التقرير كلا من الأردن والإمارات في المرتبة الأولى بالتساوي.
بل يعد منح الأردن المرتبة الأولى مناصفة مع الإمارات محل جدال في صفوف بعض الاقتصاديين من الأردن واعتبار ذلك أمرا غير واقعي من الناحية العملية. صحيح تنطبق كثير من معايير الحرية الاقتصادية على الأردن، مثل محدودية الدعم الحكومي للسلع وحرية ممارسة التجارة الدولية، لكن لا يعرف عن البلد قدرته على لعب دور الوسيط في إعادة التصدير كما هو الحال مع دبي على سبيل المثال.
يتناول التقرير أداء 20 دولة عربية من أصل 22 دولة في الجامعة العربية، وتحديدا فلسطين والصومال، ربما بسبب مشكلة نقص المعلومات في ظل تحدي الاحتلال بالنسبة لفلسطين والظروف الاستثنائية فيما يخص الصومال.
عموما، يلاحظ حصول الدول الخليجية على المراتب المتقدمة، حيث تأتي البحرين في المرتبة الثالثة وتليها الكويت وعمان وقطر ومن ثم لبنان وبعد ذلك السعودية في المرتبة الثامنة. التقرير غير منصف بالنسبة لترتيب بعض الدول العربية مثل قطر والحال كذلك للسعودية.
مهما يكن من أمر، يعتمد المؤشر على عدد كبير من المتغيرات وتحديدا 42 في المجموع مقسمة إلى خمسة مجالات واسعة من الحرية الاقتصادية، وهي: 1) حجم الحكومة مثل الاستهلاك والتحويلات المالية والدعم المقدم للسلع والاستثمارات المحلية 2) القانون التجاري والاقتصادي وحماية حقوق الملكية، بما في ذلك حيادية القضاء وتطبيق القوانين على الجميع دون مفاضلة. 3) السياسة النقدية، مثل سرعة نمو الأموال المتداولة والضغوط التضخمية. 4) حرية ممارسة التجارة الدولية، بما في ذلك الرسوم وانتقال الأموال. 5) الإطار التنظيمي لكل من الائتمان والعمالة والنشاط التجاري والحد الأدنى من الأجور والبيروقراطية.
من جملة المآخذ على التقرير الاعتماد على عدد من المصادر الثانوية بدل عمل أبحاث ميدانية تتعلق بالتقرير لكل هذا الكم من المتغيرات أو العوامل، لا شك، ترتبط المصادر الثانوية بإحصاءات تم إعدادها لدراسات أخرى. كما أن بعض الإحصاءات الرسمية من دول عربية تشتهر بالمبالغة لتحقيق أغراض سياسية، الأمر الذي يتطلب إجراء دراسات لغرض البحث.
يعتبر التقرير تواجد الحكومة في النشاط الاقتصادي أمرا سلبيا، لأن من شأن ذلك التسبب في بعثرة الموارد. وليس من المستغرب حصول المؤسسات العامة على امتيازات في حال المنافسة مع شركات القطاع الخاص للحصول على موارد من قبل التسهيلات المصرفية. وربما لا تدفع مؤسسات القطاع العام الرسوم والضرائب المطلوبة كما هو الحال مع الشركات، الأمر الذي ينال من مبدأ التنافسية.
وعلى هذا الأساس، يتبنى تقرير الحرية الاقتصادية مبادئ الاقتصاد الحر، أي ترك الأمور في الأسواق لعوامل العرض والطلب والحد من حجم الحكومة، بل يؤمن المعهد بأفكار الاقتصادي الرأسمالي الشهير من مدرسة شيكاغو ميلتون فريدمان صاحب نظرية السوق، امتدادا لفكر الأب الروحي لهذه المدرسة آدم سميث.
لا شك، يعد القطاع العام ضخما في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تشكل نفقات الحكومات ثلث الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، بل تشكل المصروفات العامة قرابة 40 بالمائة من الناتج المجلي الإجمالي في الكويت وهي الأعلى بين مجلس التعاون ويعكس أمورا مثل توجه المستثمرين المحليين للاستثمار في الأسواق الدولية وهي من الصفات المشهورة لدى المستثمر الكويتي.
مؤكدا، أسهم بقاء أسعار النفط ثابتة للفترة من عام 2011 وحتى النصف الأول عام 2014 في تعزيز الإنفاق العام في الدول الست. من بين أمور أخرى، استفادت الحكومات الخليجية بضخ أموال إضافية على البنية التحتية، بما في ذلك شبكة الطرق وتنفيذ مشاريع قادرة على خلق فرص عمل للمواطنين، أينما كان ممكنا.
بيد أنه لم تسبب ظاهرة ارتفاع مستوى الإنفاق في الإتيان بمشكلة التضخم، حيث تتراوح المعدلات في حدود 3 بالمائة وهي من النسب الطبيعية. غياب التضخم يتناسب مع إحدى الركائز الاقتصادية للتقرير عن طريق ربط المنافسة بالنوعية وليس الأسعار، يعود فضل غياب تهديد التضخم للدول المصدرة للمنتجات وهو واقع مفيد في كل الأحوال.
من جهة أخرى، تقوض عملية ربط عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأمريكي من مبدأ الحرية الاقتصادية، نظرا لبقاء قيمة التبادل ثابتة مقابل العملة الأمريكية. كما من شأن الربط إلزام دول مجلس التعاون باستيراد معدلات الفائدة في الأسواق الأمريكية والتي هي انعكاس لواقع الاقتصاد الأمريكي وليس الخليجي ومن تلك المعايير الميزان التجاري للولايات المتحدة وسياسات البيت الأبيض والكونجرس.
في المجموع، نرى صواب إشادة التقرير بانفتاح اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على التجارة العالمية رغم تمتعها بثروات نفطية ربما تسمح لها بفرض نوع من حماية تجارية. مما لا شك فيه، من شأن وضع قيود على الوردات إلحاق الضرر بمصالح المستهلكين من قبيل الخيارات والأسعار.
ختاما، رغم بعض النواقص يقدم التقرير فرصا لمعالجة بعض التحديات الموجودة في الاقتصادات الخليجية فيما يخص إدارة الاقتصادات المحلية بصورة حسنة تخدم مصالح جميع الأطراف. ربما يكمن الصواب بتقصير دور الجانب الرسمي في ترتيب المسائل التجارية وليس الحد من الصادرات وبالتالي اتخاذ قرارات للمستهلكين.
(المصدر: الشرق 2014-11-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews