فلسطين .. الانتفاضة الثالثة
صادقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع قانون "القومية" الذي بموجبه يتم الإعلان رسميا عن إسرائيل دولة قومية لليهود، وبعد تمرير الصيغة الأكثر عنصرية وفاشية لهذا القانون يواصل بنيامين نتنياهو سياساته التي لا تنتمي لعصر حقوق الإنسان وأسس الديمقراطية وذلك من خلال اعتزامه عرض مشروع قانون آخر يقضي بمصادرة حق الإقامة الدائمة والحقوق المدنية لكل شخص يدان بتهم التحريض وممارسة "الإرهاب" ضد دولة اليهود وإقلاق الأمن والسكينة العامة للمجتمع اليهودي، وهذا يعني الترسيخ القانوني لسياسة التمييز والاضطهاد ضد نحو مليون ونصف المليون عربي يعيشون في القدس المحتلة وداخل الخط الأخضر.
لم يعد نتنياهو يسمع لأي صوت عاقل يرتفع، سواء من أقصى اليسار أو اليمين، بل إن بعض الإسرائيليين المؤيدين لثقافة السلم والتعايش يشعر بالخجل من السياسات الرعناء التي تصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلا في القدس وبعض المدن والقرى الفلسطينية، بسبب الكم الهائل من الانتهاكات والقتل والتمييز والاضطهاد التي مارستها حكومات إسرائيل المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني الذي يستميت اليوم وحيدا دفاعا عن أرضه وحقه في الحياة الكريمة، هذه الوحدة والتخاذل العربي والإسلامي جعلت نتنياهو يدعو عرب 48 للهجرة إلى الضفة الغربية وغزة، إن لم تعجبهم سياسته، صلف رأس الحكومة الإسرائيلية يرجع بتقديري إلى النجاحات التي حققها الموساد في كثير من العواصم العربية التي كانت تشكل سندا "معنويا" للقضية الفلسطينية، لكنها أصبحت بفضل سياسة الاحتواء المزدوج عبئا ثقيلا، بل عدو للفلسطينيين ولا يستحي رئيس عربي من أن يقول إنه لن يسمح بأن تكون سيناء مهددا لأمن إسرائيل.
يغرق الساسة الإسرائيليون في سوء تقديراتهم، إذ يعتقدون أنهم كلما أمعنوا في إذلال وتشريد وتهجير أصحاب الحق كلما تحولت الأكاذيب إلى حقائق، لكن على مدى أكثر من ستين سنة لم يصدق فلسطيني واحد أيا من كذبهم وحتى لو كان من أبناء الجيل الرابع ويعيش في أقاصي أمريكا الجنوبية، فإنه يعتقد أن فلسطين المحتلة بلده، هذه الحقيقة الوحيدة تستثير دائما غضب المحتل وحنقه والذي يعبر عنه بتصاعد الانتهاكات في القدس واقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى والاعتقالات شبه اليومية في صفوف أهل الأرض، ولم تتوقف سياسات الغضب والكره والعنصرية عند هذا الحد، بل شرعت مؤسسات حكومية وشركات خاصة وبلديات يهودية داخل الخط الأخضر بإقالة العاملين العرب ووقف تشغيلهم لاعتبارات أمنية، لترتفع نسبة البطالة بين عرب 48 إلى نحو 30 في المائة.
نتنياهو يقول إن القدس معركة إسرائيل الكبرى وأنهم سينتصرون، لكن الكاتب الإسرائيلي رون بن يشاي يرى أن ما يجري في القدس وتداعيات ذلك قد تكون له نتائج عكسية، لأنه يقوم على "الإلهام الديني لأفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم، فهذه الهجمات ليست مبادرات مخططة، وإنما مشاعر متأججة تتم ترجمتها إلى أعمال عنف لا تنفذ طبقاً لأوامر أو تعليمات صادرة عن كيان منظم، وإنما وفقاً لمشاعر المهاجم الذي يختار المكان والوسيلة والطريقة بنفسه". وهذا يعني أن الانتفاضة الثالثة ستقض مضاجع الإسرائيليين، لأنها ستكون هادرة كاسحة ليس لها رأس ولن تسمع لإدانات قيادات السلطة الفلسطينية ولا لاستغاثاتها الخائفة على مستقبل التعايش والسلام، فهذه فتاة فلسطينية نشرت موقفها مسجلا انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستهجن فيه موقف السلطة والرئيس محمود عباس من الفعل المقاوم: "السيد الرئيس، أين كنت قبل شهر؟ أين كنت حينما قتلت الطفلة تورين؟ أين كنت بالأمس حينما شنق يوسف الرموني، بينما كان في العمل؟ هل شاهدت فيديو زوجته عندما كانت تنوح وتبكي؟ أين أنت؟ هل تشاهد الأخبار؟ أين أنت؟ نحن لسنا في حالة حرب، نحن في مذبحة. لقد فقدنا كل الأمل، وهؤلاء هم الذين يرفعون رؤوسنا عالياً، ثم تخرج أنت لتندد". أين هي انتهاكات الأقصى؟ ها هو الأقصى. لم يبق له سوى سنوات قليلة، فهم يهدمونه، إنهم يحفرون تحته. وفي كل يوم تتعرض نساء الأقصى للضرب والتكسير.. لماذا لا تخرج وتندد بهذا؟ إذا كنت لا تريد أن تقف معنا، فتنح جانباً. صدقني، نحن قادرون على المهمة من دونك، بإمكاننا أن ندافع عن بلدنا، لسنا بحاجة إليك".
إذا كان هذا هو منطق الفتاة الفلسطينية من قائد المفروض أن يلتزم الصمت أو أن يكون إلى جوار شعبه، فكيف سيكون رد فعل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني في القدس وداخل إسرائيل عندما يتعرض الأقصى لأي خطر وعندما تنتزع منهم الحقوق المدنية وفق قانون يهودية إسرائيل، كيف سيكون موقف الفلسطينيين في الضفة وغزة، ستكون فعلا انتفاضة جارفة تكشف كل الأقنعة، تعيد الحقوق وتغير الكثير من الحسابات وستدعم بالتأكيد المعركة الدبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية، وتنتزع اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين.
الشرق القطرية 2014-11-25
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews