في انتظار الانتفاضة الثالثة
لم تصل الانتفاضة الثالثة بعد! ما جرى ويجري في القدس ونابلس وعموم الضفة الغربية حتى الآن هو «هبّة» تمهد الطريق إليها.
الأيام التي انقضت من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانت شاهداً على حيوية الشعب الفلسطيني، ورفضه لما تحاول القيادات «الإسرائيلية» أن تفرضه عليه.
كما كان شاهداً على هشاشة الوهم الذي ظل يداعب خيال العدو الصهيوني سنوات طويلة ويعمل جاهداً لتثبيته وتحويله إلى واقع، ساعدته في ذلك قيادة خانعة مستسلمة، ثم لتأتي الأحداث مؤكدة على هشاشته. هذا الوهم هو أن الشعب الفلسطيني سيتنازل عن أرضه وسيسلم للمحتل. لكن، ويا للمفارقة، مثلما ساعدت القيادة الفلسطينية القيادات «الإسرائيلية» على خلق هذا الوهم، ساعدت القيادات «الإسرائيلية» الشباب الفلسطيني في إقناعهم أنه لا فائدة من الانتظار! فالعدو الجشع لا يشبع ولا يتخلى عن أساطيره، ولا بد من المقاومة والتحرك لهدم الوهم وتبديد الحلم العنصري.
آخر ما صدر عن الحكومة المصغرة «الإسرائيلية»، كما أعلن قائد المتطرفين التوسعيين العنصريين الصهاينة، رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأكثر تطرفاً بنيامين نتنياهو، هو استعمال «القبضة الحديدية» وإطلاق يد الجيش «الإسرائيلي» في مواجهة الفلسطينيين، وكأنهم كانوا قبل اليوم يستعملون شيئاً غير ذلك، ناسين دعوة رجل «سلامهم» إسحق رابين في الانتفاضة الثانية «لتكسير عظام» المنتفضين !
القرارات والإجراءات «الردعية» الأخيرة تدل على أنه ليس لدى القيادات «الإسرائيلية» غير العنف والمزيد من العنف لتحقيق أطماعهم العصية على التحقق، وهو ما يشير إلى تفاقم مرض الغباء لدى هذه القيادات وقصر نظرها، وإصرارها على السير إلى هدم معبدها على رؤوس أصحابه!
في افتتاحيتها صبيحة يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت أسرة تحرير (هآرتس)، معلقة على المواجهات الدائرة ومفسرة أسبابها: «الانتفاضة الثالثة على الطريق. فبعد سنوات من انعدام الفعل السياسي، والقتل العابث للفلسطينيين، ومصادرة الأرض وهدم المنازل، وفي ظل انعدام كل أفق من الأمل، فإن الانتفاضة من شأنها أن تندلع»! إذن، هناك من يرى ولو جزءاً من صورة الواقع، وهو يرى في الوقت نفسه عدم جدوى الوسائل والأدوات المستعملة للوصول إلى الحل، حيث جاء في الافتتاحية نفسها قول أسرة تحرير الصحيفة: «الرد الوحيد على هذا الخطر هو نزع فتيله». ليس بناء المزيد من المستوطنات منفلتة العقال، ليس الخروج إلى حملات ثأر، وليس اعتقالات جماعية وتشديد العقاب، وإغلاق محاور السير وخنق عشرات القرى، كما يطالب قادة اليمين. فكل هذا ليس فقط لن يحل شيئاً بل فقط سيفاقم الوضع وتدهور المنطقة إلى جولة جديدة من العنف عديم الغاية»! لكن التشخيص الصائب لوضع ما لا يقدم الحل بالضرورة.
فالقيادة «الإسرائيلية» وائتلافها اليميني المتطرف ليس فقط لا يرى الأمر على النحو الذي تراه الصحيفة «الإسرائيلية»، بل تراه على لسان رئيس الحكومة على أنه «حرب إبادة ضد الإرهاب، يجب إدارتها بحزم ورباطة جأش»! مع ذلك فالمزايدات على نتنياهو، تأتي من اليمين و«اليسار»، من أطراف في الحكومة وفي المعارضة، على حد سواء، ما يجعل التشخيص الصائب فاقداً للمعنى والقيمة! اليمين الأكثر تطرفاً في ائتلاف نتنياهو يهدد ويحذر الفلسطينيين بأنهم «إن كانوا يريدون انتفاضة ثالثة، فسيحصلون على سور واق 2»!!
الديماغوجيا «الإسرائيلية» قديمة ومستمرة، وتزوير الوقائع والأحداث في السياسة، والإعلام الصهيوني قديم ومستمر، ومحاولة الظهور بأن «إسرائيل» تدافع عن نفسها محاولة ساقطة ومبتذلة، ولا عجب أن يدعي نتنياهو وعصابته أن الفلسطينيين مسؤولون عن التصعيد الحالي، وكل تصعيد يحدث، متناسين أن اغتصابهم المستمر للأرض والجرائم التي تقترف ضدهم منذ أكثر من سبعين سنة، وعدم الاعتراف بالحدود الدنيا للحقوق الوطنية والإنسانية للفلسطينيين تكفي دوافع لاتخاذ قرار بالمقاومة ودفع الظلم الواقع عليهم.
المراسل العسكري لصحيفة (معاريف- 4-10-2015)، المرتبط بالأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، يوسي ميلمان يقول: «تواصل حكومة «إسرائيل» التمسك بالوضع الراهن. وفي أقصى حد تقترح حلولاً على نمط كاسات الهوا للميت»! «الوضع الراهن» مفهوم قائم منذ قيام الكيان، ومعروف الغرض منه وهو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين، وبالتالي فإنه وضع لا مضمون له غير استمرار العدوان واستمرار نهب واحتلال الأرض والحقوق الفلسطينية، فإذا ما اعترض الفلسطينيون صاروا هم المعتدين وصار الكيان هو الذي يتعرض للعدوان، وصار على سلطات الاحتلال أن «تدافع عن نفسها ومواطنيها»!
منطق استعماري عنصري توسعي أعوج لن ينفع معه إلا المقاومة لتصحيحه. هذا «الوضع الراهن» هو ما يجب أن يسقط، وسيسقط.
ويقول ميلمان في مقاله: «واضح أن الوضع الراهن سيلفظ أنفاسه بهذا الشكل أو ذاك، سواء بانفجار فلسطيني هائل أو باستقالة أبو مازن، أو إعلان السلطة حل نفسها أو انصرافها عن اتفاقات أوسلو، أو كل هذه الأمور معاً وبالتوازي»!
عربدة المستوطنين وجرائمهم بحماية الجيش والشرطة، و«القبضة الحديدية» للجيش «الإسرائيلي»، لن تمنعا أبناء الشعب الفلسطيني من الثورة على الظلم الواقع عليهم.
والغياب العربي، والتواطؤ الدولي، سيظهران لهم بجلاء أن سبيلهم إلى تحقيق أهدافهم والتخلص مما يعانون ليس إلا الاعتماد على أنفسهم وسواعدهم، مهما كلفهم ذلك ومهما احتاج منهم من تضحيات.
ومما يحيي الأمل وبقوة أن من يشعل الأرض تحت أقدام المحتلين الصهاينة هذه الأيام، هم شباب من مواليد بين الانتفاضتين.
ويبقى على الفصائل الفلسطينية المسلحة أن تفكر في مواقفها وما يجب أن تفعل!
(المصدر: الخليج 2015-10-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews