إيبولا.. وحاجة أميركا لتعليق التأشيرات
في وقت تتصاعد فيه المخاوف من انتشار وباء "إيبولا" يخشى العديد من الأميركيين ألا تكون إجراءات فحص المسافرين القادمين من غرب أفريقيا إلى الولايات المتحدة في المطارات كافية لرصد المرض، لا سيما وأنها لن تقدر على كشف الفيروس لدى المرضى الذين لم تظهر لديهم الأعراض بعد، لكن مع ذلك وعلى مدار الأسبوعين الماضيين ملأت إدارة أوباما والخبراء المساندين لها شاشات التلفزيون بالحجج الرافضة لأي قيود على حركة السفر من المناطق المنكوبة في غرب أفريقيا وتشديد إجراءات الحصول على تأشيرات لمواطني الدول المصابة، ومع أنه لا أحد يشكك في كفاءة هؤلاء الخبراء وفهمهم لطرق انتقال فيروس إيبولا، إلا أنه فيما يتعلق بمواجهة حالات الطوارئ في سياق أمن الحدود والمسافرين فإنهم ليسوا على دراية بالأخطار. والحقيقة أن فرض قيود على استصدار تأشيرات لمواطني ليبيريا وغينيا وسيراليون، قد تؤدي إلى تقليص احتمال وصول الفيروس إلى أميركا، دون أن يعني ذلك إعاقة الجهود الرامية لمساعدة تلك البلدان على محاربة المرض. فخلال الفترة التي أمضيتها كوزير للأمن الداخلي أعددنا خططاً مستفيضة للتعامل مع احتمال اندلاع وباء عالمي، وركزنا وقتها على الفيروس المسبب لإنفلونزا الطيور، فلو أن ذلك المرض حقق نقلته النوعية من الإنسان إلى الإنسان لتفشى الوباء حول العالم، ولما كان ممكناً إغلاق الحدود.
لكن "إيبولا" تختلف عن غيرها، فلشهور طويلة ظل المرض محصوراً في البلدان الأفريقية الثلاثة، التي ما زال فيها الفيروس خارج السيطرة بسبب ضعف الإمكانات الصحية والعادات الاجتماعية في دفن الموتى، وكما أظهر ذلك الموطن الليبيري الذي توفي بأحد مستشفيات ولاية تكساس هناك خطر حقيقي من أن ينتقل الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة في أفريقيا إلى الولايات المتحدة، وأيضاً خلافاً للأمراض المعدية الأخرى التي تتفشى بسرعة كبيرة، ولا ينفع معها مراقبة الحدود، أو إغلاقها، يمكن مع إيبولا الحد من انتشاره لو طبقت إجراءات تحد من إصدار تأشيرات لمواطني الدول المنكوبة.
وبعكس ما تحذر منه إدارة أوباما لا يعني هذا التقييد أي تعطيل لسفر الطواقم الطبية الأميركية إلى غرب أفريقيا، أو وقف المساعدات الطبية المتوجهة إلى تلك المنطقة. وإذا كان من المفيد إرسال كوادر طبية مدربة للتعامل مع المرض والحد من انتشاره، إلا أنه يجب إخضاع العائدين لفحوصات وحجزهم حتى يتم التأكد من خلوهم من الفيروس. أما المقولة التي جاءت على لسان "توماس فريدن"، رئيس مركز الوقاية من الأمراض ومراقبتها من أن أي تعليق للتأشيرات الخاصة بمواطني الدول المصابة فقط سيؤدي إلى تشجيع الهجرة السرية ودخول الولايات المتحدة بطرق غير شرعية فيمكن دحضها بسهولة.
المواطن الليبيري الذي يسافر إلى أميركا سيكون في حاجة إلى وثيقة سفر مهما كان الوضع قبل ركوب الطائرة المتجهة إلى الولايات المتحدة، ولا يمكن أيضاً المبالغة في القول إن الراغب في السفر سيلجأ للتسلل لأنه باستطاعتنا من خلال تنسيق الجهود مع كندا والمكسيك الحؤول دون دخول مواطني البلدان الثلاثة إلى أميركا عبر الدول المجاورة، وثانياً لأن المهربين لن يتجرؤوا على تمرير أشخاص يخشى من إصابتهم بالفيروس مخافة تعرضهم هم أنفسهم للإصابة، وحتى المخاوف من لجوء البعض إلى تزوير جوازات السفر، واستخدام وثائق دول أخرى لدخول أميركا يبقى أمراً مستبعداً بالنظر إلى الإجراءات الأمنية المتشددة التي أقرتها أميركا ودول أخرى عقب هجمات 11 سبتمبر وصعوبة التزوير. وبالطبع لا يمكن القطع بأن تعليق استصدار التأشيرات للقادمين من غرب أفريقيا سيضمن عدم وصول إيبولا إلى أميركا، لكن على مسؤولي الصحة العمومية الكف عن القول بعدم جدوى كل الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية فقط، لأنها لا توفر الحماية بنسبة مئة في المئة، ومع أني لا أشكك في صدقية مسؤولي الصحة الذين ما فتئوا يستبعدون اندلاع وباء إيبولا في أميركا، إلا أن الطريقة التي تم التعاطي بها مع الإصابات الجديدة، بما فيها السماح لممرضة مصابة بالسفر جواً، قد يولد ما يشبه أزمة ثقة بين الرأي العام والمسؤولين، ولو توالت الأخطاء سينتهي الأمر بعدد متزايد من الناس إلى إلغاء رحلاتهم وهجر المدارس والبقاء في البيت بدل الذهاب للعمل.
( مايكل شيرتوف 2014-10-28 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews