روسيا من خلال مرآة نووية
هل يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضعيفاً وغير فعال أو لا يثق بنفسه؟ يتصور البعض أن الرئيس الروسي رجل مفتول العضلات وذو فحولة زائدة، وأنه الذي هز الغرب بضمه شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
مع ذلك يوجد في موسكو من المتشددين الذين يشعرون بالإحباط، لأنه لم يذهب أبعد من ذلك.
أحد هؤلاء هو فياشيلاف نيكونوف، رئيس لجنة التعليم في مجلس النواب الروسي، وحفيد فياشيلاف مولوتوف الذي خدم لسنوات عديدة كوزير للخارجية في عهد جوزيف ستالين.
يصف نيكونوف سياسات بوتين في أوكرانيا بأنها "حذرة جداً". وعندما سألت نيكونوف وهو جالس في مكتبه في مجلس الدوما في الأسبوع الماضي، عما كان سيفعله جده في تعامله مع أوكرانيا، أجابني وقد احمر وجهه قليلاً: "سيجتاح مولوتوف أوكرانيا ويأخذها في أسبوع".
لو كانت وجهات نظر نيكونوف خارجة عن الاتجاه العام - أو لو كان أحمق عديم القيمة - لكانت ملاحظته لا تساوي شيئاً، ولكن الحقيقة هي أن وطنيته وشكوكه العميقة في الغرب تعتبر الزاد اليومي الذي يقدم للناس في روسيا، في هذه الأيام.
نيكونوف أستاذ جامعة ومؤلف، علم في جامعات أمريكية مرموقة مثل كالتك (معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا).
وعلى الرغم من معرفته الأكيدة بأمريكا، فإن التحدث مع نيكونوف يشبه الدخول من الغرب من خلال مرآة. وعندما زرت عواصم غربية أخيراً - خاصة وارسو وبرلين - وجدت أفكاراً معينة حول أزمة أوكرانيا تعتبر شبيهة بالحقائق الثابتة.
ضم شبه جزيرة القرم يعتبر عملاً غير قانوني واعتداء، هناك تدخل روسي عسكري مباشر في أوكرانيا. وفي الحقيقة تعتقد برلين أن ما بين 500 إلى3 آلاف عسكري روسي نظامي، قتلوا أثناء القتال في شرقي أوكرانيا.
أزمة أوكرانيا في عالم نيكونوف هي من صنع العدوان الأمريكي. هناك بالفعل قوات ومستشارون عسكريون أجانب في أوكرانيا، ولكنهم أمريكيون وليسوا من الروس. هذا هو النمط الشائع في التلفزيون الروسي.
يعتبر الخطاب القومي في وسائل الإعلام الروسية هو السبب في القلق العظيم في دول البلطيق وبولندا. ومع ذلك توجد نقطة واحدة يمكن أن يلتقي عندها كل من التحليل البولندي والروسي للأزمة، المسؤولون والمعلقون في كلا الجانبين الناظرين إلى المرآة، يتفقون بأن هناك خطراً حقيقياً من أن يتحول الصراع الأوكراني إلى حرب أوسع بين روسيا والغرب.
يزعم نيكونوف أن هذه أخطر اللحظات في العلاقات بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية. أما ديميتري ترينين، المحلل الأقل تشدداً الذي يدير مركز كارنيجي في موسكو، فيستذكر أيضاً الوقفة النووية في عام 1962.
ويذكر ترينين تفاصيل حول إمكانية حدوث تصعيد يغضب روسيا بسبب الدعم العسكري الغربي المقدم لأوكرانيا. ورداً على ذلك يمكن أن تجتاح روسيا كامل أوكرانيا وحتى ربما تلجأ إلى السلاح النووي، أو على الأقل استخدام صاروخ قادر على حمل رأس نووي تقليدي.
وعلى الرغم من غرابة ذلك، إلا أن لدي نفس السيناريو الذي أوضحه لي بصورة كاملة، مسؤول بولندي كبير في وارسو قبل أسبوعين. يخشى البولنديون من أن بوتين سيتعرض لإغراء الاستيلاء على جزء أكبر من أوكرانيا - ربما يكون الجزء الجنوبي من البلاد الذي اعتاد الروس على تسميته بـ"نوفوروسيا"، أي روسيا الجديدة.
ويخشى البولنديون من أن يكون الهدف التالي لبوتين هو دول البلطيق، حيث يمكن أن يزعم الروس أنهم يدافعون عن مصالح الأقليات الروسية المضطهدة، كما حدث في أوكرانيا.
يقول أحد المسؤولين البولنديين المتشائمين "فهم بوتين الطبيعة الحقيقية للغرب، وهو يعرف أننا لن نستخدم القوة". ويذهب السيناريو البولندي الأسود إلى أنه ربما يتم إغراء بوتين إلى حد استخدام أسلحة نووية، تتضمن صواريخ يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، ولن تكون هناك حاجة لذكر تفاصيل الأخطار الناتجة عن مثل هذه السياسة.
غير أن تدمير صدقية الضمانات التي قدمها حلف الناتو لدول البلطيق- وبالتالي لدول الحلف نفسه - سيكون الجائزة الكبرى المقدمة لروسيا.
الحديث في برلين، ولحسن الحظ، أكثر هدوءا مما هو في وارسو أو موسكو. هناك خيبة أمل عميقة في الحكومة الألمانية ببوتين الذي يقال إنه كذب عدة مرات على المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.
وهناك أيضاً اعتقاد بأنه توجد طرق لوقف التصعيد في الأزمة.
تقع آمال وقف التصعيد على عاتق اتفاقية وقف النار التي أبرمت في مينسك في الماضي بين بوتين والرئيس الأوكراني، بترو بوروشينكو. الأمل معقود هنا على أن يتجمد الجانبان الصراع - مع قبول الأوكرانيين الضمني بأن شبه جزيرة القرم ذهبت بلا رجعة، وأنهم أيضاً خسروا السيطرة الفعالة على أجزاء من شرق أوكرانيا، مع إقرار الروس بأن المزيد من القتال يحمل في طياته دفع ثمن غال.
ومع ذلك حتى أولئك الذين يعتقدون بأنه توجد فرصة للسلام يعترفون بأن الأزمة يمكن أن تشتد بسهولة. إذ على الرغم من وقف النار، إلا أنه حدث قتال شديد حول مطار دونيتسك في الشهر الماضي، ولكن يقال إنه يوجد الجانب الروسي من المرآة الخطر الأكبر في أن تقرر حكومة أوكرانيا أن تعطي الحرب فرصة أخرى، وبالتالي استئناف القتال. أما في العواصم الغربية فإن الخوف الأكبر هو أن تصبح آراء بوتين السوداء في النهاية مبررة، وأنه عند نقطة معينة، تستولي روسيا على المزيد من الأراضي.
يعتقد المتشائمون الغربيون الحقيقيون أن الرؤية النهائية لبوتين هي إعادة تشكيل الاتحاد السوفياتي.
نيكونوف الجالس في مكتبه في مجلس الدوما يستبعد هدف إعادة بناء الاتحاد السوفياتي. وهو يقول بصراحة: "ذهب كل ذلك، إنه مثل الزجاج، الذي إذا تشظى فلن يكون من الممكن إعادة تجميعه من جديد". ثم تعود أفكاره ثانية إلى جده الذي تُوفي في عام 1986. ويقول: "الحمد لله أن مولوتوف لم يعش ليشهد تفكك الاتحاد السوفياتي".
( فايننشال تايمز 2014-10-11 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews