لماذا الاستغناء عن النفط وليس الفحم؟
لقد منَّ الله سبحانه وتعالى على البشرية بنعمة النفط، الذي أسهم في هذا العصر، إلى حد كبير، في تنمية الاقتصاد العالمي والارتقاء بالحضارة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة عبر التاريخ. فمنذ اكتشاف النفط، قبل أكثر من مائة عام، استخدم كمصدر للطاقة يفوق أي مصدر آخر. والسبب هو سهولة نقله وتعدد خصائصه وكثافة طاقته. وأصبحت تتوالى اكتشافات المزيد من الحقول وتطورت الصناعات النفطية لتشمل مختلف وسائل النقل ومرافق التكرير والتوزيع. ووصل ارتباطه بالحياة البشرية إلى درجة لا نتصور معها أن الاستغناء عنه يكون أمرا سهلا. وكانت الاكتشافات الأولى، بطبيعة الحال، تركز على الحقول ذات المردود الاقتصادي الجيد ويكون إنتاجها متيسِّرا بالطرق التقليدية. ولذلك أطلق على هذا النوع من النفوط "النفط التقليدي"، من أجل تمييزه عن غير التقليدي الذي يتطلب إنتاجه مجهودا إضافيا كعملية التكسير الهيدروليكي أو إضافة مواد أخرى أو تسخينه إلى درجة حرارة عالية لتحويله إلى الحالة السائلة.
وفوجئنا خلال السنوات القليلة الماضية بظهور وانتشار مقولة مفادها "لقد انتهى العصر الحجري قبل أن ينتهي الحجر، وسينتهي عصر النفط قبل أن ينتهي النفط". ولم نسمع عن شرح مفصل لمضمون هذه النظرية، وكيف سيكون ذلك الاكتفاء الذي سوف يحرمنا من أفضل مصادر الطاقة على الإطلاق. وفي بادئ الأمر كنا نظنها مزحة أراد بها قائلها مداعبة مندوبي الإعلام. ومن المؤكد أن المعني بالمقولة آنذاك هو النفط التقليدي الرخيص، من نوع نفوط الشرق الأوسط، لأن وقت التصريح كان قبل البدء بإنتاج النفط غير التقليدي المكلِف. ونحن هنا نتحدث عما يزيد على ستة تريليونات من الاحتياطي النفطي في العالم. فهل يتخيل إنسان أننا سوف نرميها في البحر لعدم الحاجة إليها، وتلك "كناية عن تركها في مكامنها". ونود أن نسأل الذين يؤمنون بهذه النظرية، لماذا نخص النفط، وهو الأهم، ونترك الفحم الحجري وهو الأقل أهمية؟ فمن المعلوم أن المجتمع الدولي كان قد بدأ في استخدام الفحم كمصدر للطاقة قبل النفط بمائة عام، ولا يزال الطلب عليه قائما ويؤدي دورا أساسيا في مجال توليد الطاقة. بل إن استخدام الفحم اليوم، من حيث مستوى كمية الاستهلاك، يفوق معدل الاستخدام في أي وقت مضى. وهل سنستغني عن النفط بذاته، أم عن جميع المصادر الهيدروكربونية، وتشمل الغاز والسوائل النفطية الأخرى والفحم؟ ولم نسمع عن استثناء استخدام المشتقات النفطية في الصناعات البتروكيماوية والاستخدامات الأسفلتية. وعدم وضوح الرؤية ناتج من عدم تحديد مصطلح مصادر الطاقة الجديدة التي سوف تحل محل النفط. ولا بد من أن يكون لديك خيال حتى تستوعب إمكانية الاستغناء عن مادة حيوية كالمواد النفطية التي أسهمت بفاعلية، ولا تزال، في إحداث هذا التقدم الهائل في الحياة البشرية خلال العقود الماضية. يجب ألا يميل البعض إلى التفاؤل المفرط بنتائج البحوث العلمية التي يقولون عنها إنها سوف توجد لنا مصادر تفوق في كمياتها وكفاءتها الخصائص النفطية. ومن باب التذكير، فإن النفط لم يكن وليد بحوث علمية، بل أوجده الله سبحانه وتعالى وأودعه باطن الأرض قبل مئات الملايين من السنين. والبحوث والتجارب العلمية ليست مضمونة النتائج مهما صرفنا عليها من الأموال وطال الزمن. فهناك أبحاث ومجهود كبير في سبيل الوصول إلى علاج الكثير من الأمراض المستعصية، ولم نصل بعد إلى معرفة علاجها وقد لا نعرفه حتى نهاية الحياة على ظهر الأرض.
وهنا أود الاستعانة بإخواني الاقتصاديين، لإبداء رؤيتهم. فهم أدرى بمضمون الاستغناء عن النفط من النواحي المالية والاقتصادية التي سوف يخسرها العالم في حالة تحول استخدام توليد الطاقة من النفط إلى مصادر جديدة. وهو ما يعني الاستغناء عن جميع ما له علاقة بالصناعة النفطية وبنيتها التحتية التي كلفت عشرات التريليونات من الدولارات والعملات الصعبة الأخرى. وسنضطر إلى استبدالها ببنية تحتية جديدة ربما بالتكلفة نفسها. ناهيك عن تسريح مئات الملايين من البشر الذين تنحصر تخصصاتهم ومجال خبرتهم في الصناعة النفطية بأنواعها وأشكالها. فهل المجتمع الدولي على استعداد لمثل هذه التضحية المالية والبشرية، في الوقت الذي نشاهد فيه معظم شعوب الأرض تعاني من جراء الديون والأزمات الاقتصادية الحادة؟ وهل يشجعنا هذا الوضع على الانتقال إلى مصدر جديد، وإن كان هذا في نظرنا من المستحيلات؟
ولكن، يا تُرى، ما المغزى من إثارة هذا الموضوع وفي هذا الوقت بالذات؟ هل القصد منه هو الحث على رفع كميات الإنتاج وانتهاز فرص بيعه بالأسعار الحالية قبل أن تنهار ويصبح النفط، أو ما بقي منه، لا قيمة له؟ وفي غياب الدليل العلمي والمنطقي، ماذا لو لم نجد بديلا مناسبا ومنافسا للمواد الهيدروكربونية، بعد أن نكون قد فرَّطنا في ثروتنا النفطية؟ أليس من الأفضل لنا كمنتجين ألا نلقي بالا لمثل هذه الأفكار غير المدروسة ونحاول قدر المستطاع أن نقتصد في إنتاجنا وفي صرفنا على حياتنا ومشاريعنا ونهتم بتنويع دخلنا قبل أن تختفي فوائضنا المالية؟ وأخيرا، لماذا تسليط الضوء علينا وكأننا المعنيون بهذه المقولة الغريبة؟
(المصدر: الاقتصادية 2014-10-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews