لماذا قمة باريس المناخية مهمة لصناعة النفط؟
كثير على المحك بالنسبة لصناعة النفط والغاز في قمة باريس لتغير المناخ، حيث يجتمع أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة للتفاوض على اتفاق لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من ارتفاع حرارة الكوكب بـ 2 درجة مئوية. اعتمادا على صرامة الاتفاق المزمع التوصل إليه ومدى جدية الدول الموقعة عليه في تنفيذه في السنوات المقبلة، قد يؤثر هذا الاتفاق بشكل كبير في نمو الطلب العالمي على النفط في حين يرفع نمو الطلب على الغاز بصورة حادة في العقود المقبلة وقد يلي ذلك القدر نفسه من الانخفاض الحاد. الجزء الأهم من محادثات باريس يأتي بعد عودة قادة الدول إلى أوطانهم ووضع بلدانهم على مسار التمسك بتطبيق هذا الاتفاق.
من غير المرجح أن تحصل شركات النفط على درجة اليقين والتناسق في السياسات المناخية التي كانوا يطلبونها من الحكومات منذ فترة طويلة، ولكن على ما يبدو أن قمة باريس المناخية سوف توفر لهم صورة واضحة عن الاتجاه العام للسياسات. إذا ما كان اتفاق باريس صارما، كما هو مؤمل التوصل إليه، فإنه سوف يسرع من السياسات التي سوف يكون لها تداعيات قوية على صناعة النفط والغاز، بما في ذلك التوسيع عالميا في تسعير الكربون ليشمل معظم الأسواق العالمية وتحسين الكفاءة في استهلاك الوقود.
أي اتفاق قوي سوف يكون حتما ملزما من الناحية القانونية مع وجود آليات رقابة ونظام قوي يمكن البلدان من إعادة النظر وتجديد التزاماتها في المستقبل. من ناحية أخرى، أي اتفاق ضعيف لن يكون لديه قوة القانون ويتضمن القليل أو حتى دون آليات رقابة، ما يترك مسارا غير واضح لتمويل أنشطة المناخ. ومن المخاطر الأخرى هو ارتداد البلدان عن تعهداتها. بموجب أي اتفاق قوي في قمة باريس، تسعير الكربون سوف يكون الأداة الأبرز بيد البلدان لخفض الانبعاثات وتحقيق تعهداتها. ويأمل البعض أيضا في إحياء تجارة الكربون عن طريق الأمم المتحدة، وربما عن طريق تحديث آلية التنمية النظيفة (CDM).
في حالة فرض أسعار عالية على الكربون سوف يواجه الغاز تأثيرا مختلطا على المدى القصير، سوف يكون الغاز بديلا جاهزا عن الفحم، وهناك دلائل على أن التحول من الفحم إلى الغاز قد اكتسب بالفعل قوة دفع. ولكن الغاز ليس مقنعا تماما لدعاة البيئة على أنه الوقود الأخضر، وسوف يحتاج إلى الكفاح من أجل الصمود في ظل تسعير الكربون على المدى الطويل. كلما أصبحت سياسات المناخ أكثر صرامة، أصبحت الصورة أكثر قتامة بالنسبة للغاز. لكن احتجاز وتخزين الكربون (CCS) قد يعتبر بطاقة رابحة للفحم والغاز معا، حيث إن ارتفاع أسعار الكربون يمكن أن يجعل من تقنية احتجاز وتخزين الكربون مجدية اقتصاديا، وتوفر طوق نجاة للفحم في حين تطيل عمر الغاز الطبيعي كوقود "مجسر" بأي حال من الأحوال، يواجه الفحم والغاز منافسة قوية من مصادر الطاقة المتجددة: في العقود القليلة المقبلة من المتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية الضوئية على وجه الخصوص تنافسية من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري. تراجع تكاليف مصادر الطاقة المتجددة قد يقضي على الميزة التنافسية للغاز في الولايات المتحدة، في حين يضع الغاز بموقف أضعف في أوروبا وآسيا.
بعض آليات تسعير الكربون تجنبت أثناء المراحل المبكرة من وضع لوائح (أنظمة) على انبعاثات المركبات، حيث إن إزالة الكربون من قطاع النقل أصعب بكثير من قطاع توليد الطاقة. لكن خفض الانبعاثات من قطاع النقل يعتبر أساسيا لعمل تخفيضات كبيرة في الانبعاثات، على سبيل المثال في بعض أسواق الكربون، مثل اللوائح المعمول بها حاليا في ولاية كاليفورنيا والمبادرة الوطنية الصينية المزمع إعلانها في عام 2017، صممت لتكون على نطاق واسع، حيث إن قطاع النقل مشمول جنبا إلى جنب مع قطاعات الطاقة والصناعة الأخرى.
وبصرف النظر عن تسعير الكربون، كفاءة الوقود هي الأخرى، تعتبر وسيلة، وربما أكثر فعالية، لخفض انبعاثات الكربون من قطاع النقل. من المتوقع أن تعزز تعهدات قمة باريس الجهود التي تبذلها عديد من الدول الكبيرة المستهلكة للنفط مثل الهند على اتخاذ تدابير الاقتصاد في استهلاك الوقود التي تكتسب بالفعل زخما من أجل أمن الطاقة وأسباب اقتصادية.
وقد يؤثر اتفاق قمة باريس أيضا في البلدان التي لديها بالفعل تعهدات كفاءة الوقود، ما قد يعزز من برامجها القائمة. الولايات المتحدة أفضل مثال في هذا الجانب في السيناريو الأساسي الذي يفترض استمرار السياسات القائمة، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يستقر الطلب على النفط في البلاد بعد عام 2025 بعد أن تنقضي مدة تعهدات كفاءة الوقود الحالية، ولكن عديدا من المحللين يراهنون على أن هذا البرنامج سوف يتم تمديده وتعزيزه.
كما أن خفض إعانات الوقود الحيوي، الأنظمة التي تتطلب سيارات خالية من الانبعاثات، والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص للعمل على السيارات البديلة، يمكن أن تؤثر بشكل كبير في الطلب على النفط. في معظم تعهدات الدول لخفض الانبعاثات، تُرك موضوع استمرار اعتماد قطاع النقل على النفط بشكل أساسي غامضا، ولكن في ظل نظام عالمي صارم على انبعاثات الكربون سوف يكون من الصعب التنبؤ بمستقبل الطلب على النفط. على الرغم من أن سيناريو السياسات القائمة لوكالة الطاقة الدولية يتوقع أن يصل الطلب على النفط إلى 110 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2040، ارتفاعا من 91 مليون برميل في اليوم الآن باستثناء الوقود الحيوي، إلا أنه في ظل تعهدات خفض الانبعاثات الحالية من المتوقع أن يستقر الطلب قرب 100 مليون برميل في اليوم بحلول منتصف القرن الحالي.
على الرغم من أن تعهدات خفض الانبعاثات لا تزال تواجه عديدا من التحديات، إلا أن ما هو مؤكد تماما هو أن مؤتمر باريس قد أنجز بالفعل أكثر من أي قمة مناخية سابقة. حيث قدرت وكالة الطاقة الدولية أن تنفيذ الإجراءات التي قدمت حتى الآن من أكثر من 150 بلدا بالكامل كفيل بالحد من ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews