تحديات قطاع الكهرباء.. إصلاح الدعم الحكومي أولا
أشير في مقال اليوم إلى بعض المقالات الصحافية والتحليلات الشخصية التي تشكك في أداء شركة الكهرباء فيما يخص تكرار انقطاع التيار بشكل ملحوظ على مستوى جميع مناطق المملكة ومحافظاتها، ومدنها وقراها، خاصة في فصل الصيف الذي تزامن مع شهر رمضان المبارك. ومن أكثر المقالات إنصافا ما كتبه هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة "عكاظ"، الذي طالب بوقفة حازمة من داخل قطاع الكهرباء لتدارك شكوى الناس المتكررة، حيث استقبلت صحيفته اتصالات على مدار الساعة من مختلف أنحاء المملكة لوصف ما تتعرض له مدنهم وقراهم ومصالحهم من مرارة انقطاع الكهرباء. إلا أني استأذنه في استدراك ما وصفه "بالدعم الهائل والمفتوح الذي تقدمه الدولة لشركة الكهرباء الواحدة" متسائلا عن حال القطاع لو لم تدعمه الدولة بهذا القدر الكبير ومستغربا من "عدم وجود حلول عملية وفعالة ونهائية من قبل قطاع يفترض فيه الارتقاء بمستوى الجودة وحسن الأداء إلى أعلى المستويات" مقال (الكهرباء: أين يذهب الدعم؟ المنشور في صحيفة عكاظ بتاريخ 28 من شهر رمضان 1435هـ). أقول أكثر المقالات إنصافا لأنه طالب بوقفة حازمة من داخل القطاع الذي يشمل عناصر أكثر تأثيرا من شركة الكهرباء نفسها وعلى رأسها الدولة. لا شك أن هناك العديد من الملاحظات الإدارية والفنية على شركة الكهرباء لكن للإنصاف توجيه أصابع الاتهام إلى شركة الكهرباء وحدها لا يخدم قضية إصلاح القطاع. أعلم يقينا ــــ كما أقر رئيس تحرير "عكاظ" ذاته ــــ أن الشركة لديها كفاءات متميزة ومخلصة بل وقادرة على المساهمة في تحسين وضع القطاع إذا ما توافرت لها البيئة المناسبة والموارد اللازمة. إلا أن أغلب الملاحظات الفنية والإدارية على شركة الكهرباء هي نتاج السياسة الاقتصادية التي فرضتها الدولة على قطاع الطاقة وأصبح من الصعب عليها التخلي عن هذه السياسة التي تسببت في استنزاف الموارد النفطية والمالية للدولة.
يفترض أن يكون العلاج من المشكلة ذاتها وليس من مخرجاتها. نعم الدعم كبير لكن أزعم أنه السبب الرئيس والعامل الأهم الذي ساهم في تدهور قطاع الكهرباء، لذا وجب الالتفات إلى إصلاح الدعم الحكومي للقطاع الذي سيعالج بدوره التحديات الأخرى. إصلاح سياسة الدعم الحكومي للطاقة ـــ أو ما يسمى بالدعم المركب ـــ مفردة معقدة إلا أنه ثبت أن المستفيد الأكبر من الدعم هو المستهلك الكبير والمقتدر ماليا قبل المستهلك الصغير. لذا وجب عكس اتجاه المستفيد الأكبر من هذا الدعم الذي يدفع ثمنه الآن المستهلك الصغير وأصبح يعاني انقطاعات متكررة في مختلف المناطق. تركيبة المنظومة الكهربائية معقدة للغاية وتتطلب توفير استثمارات ضخمة في الوقت المناسب والاستثمار في هذا القطاع تحديدا تحسب فيه اللحظة. بمعنى أن أي اضطراب يواجه تنفيذ الخطة الاستثمارية له تداعيات تتجاوز مساحة المقال. ولا يخفى على القارئ أن من أبرز تداعيات تأخير تنفيذ الخطط التوسعية للشركة اختلال التوازن بين مستويي الإمداد والطلب والذي يعد أحد الأسباب التقليدية لتكرار انقطاع التيار خاصة في أوقات الذروة. فالكهرباء لا يمكن تخزينها ـــ بشكل اقتصادي على الأقل ــــ كغيرها من المنتجات الأخرى ما يعني ضرورة توفير إمدادات الكهرباء بشكل لحظي لسد الطلب.
أما طبيعة الدعم الحكومي والمتمثلة في إقراض الشركة السعودية للكهرباء قروضا حسنة وميسرة، فأسقطت عامل أهمية الوقت لتنفيذ خطط شركة الكهرباء ما جعلها في عملية ملاحقة مستمرة منذ أعوام لتوفير احتياجات الماضي بدلا من العمل على توفير احتياجات المستقبل. وهذا لم يؤد إلى تآكل الهامش الاحتياطي من قدرات التوليد وتأجيل استبدال الوحدات المتقادمة من مولدات ومحطات فحسب، بل أدى أيضا إلى ارتفاع تكاليف صيانة تلك الأصول، وربما تعطلت تلك المولدات والمحطات متسببة في انقطاع التيار عن المستهلكين كما هو حاصل الآن في بعض المناطق. ففي الوقت الذي تشهد فيه المملكة طفرة عمرانية وصناعية كبيرة، إضافة إلى طفرة سكانية في المناطق كافة يشير كل ذلك إلى أن الطلب على الكهرباء سيشهد بطبيعة الحال زيادة مطردة. ومع ذلك تواجه شركة الكهرباء تحديات كبيرة لتوفير خدمة مستمرة لعملائها الحاليين وهو أمر فعلا يدعو للقلق إن لم يتم توفير حلول عاجلة ومستدامة لتمويل قطاع الكهرباء من موارده الذاتية.
فحجم المشاريع الضخمة جدا أجبر الشركة بإمكاناتها المحدودة أن تعتمد المشاريع ذات الأولوية القصوى، بينما يتضرر مستهلكون آخرون من تأجيل مشاريع أخرى وهي ليست قليلة على حد علمي. لذا حتى تتمكن الشركة من مواصلة تأدية واجباتها نحو المجتمع والصناعات عموما لا بد أن تتدخل الدولة لتبني حلولا مستدامة تنقذ الشركة السعودية للكهرباء من وضعها الحالي حتى تتوقف شكاوى الناس وأصحاب الأعمال من آثار انقطاع الخدمة. أتصور إن لم تتبن الدولة حلولا عاجلة وترسم رؤية واضحة لقطاع الطاقة فسينعكس ذلك سلبا على أداء الشركة من خلال زيادة ارتفاع مصاريف تشغيل الوحدات المتهالكة وتأجيل اعتماد بعض المشاريع التوسعية ثم الدخول اضطرارا في خطط تقشفية تؤثر سلبا ليس في المجتمع والصناعات القائمة والجديدة فحسب، بل ستؤثر حتما حتى في مستويات الرضا الوظيفي لمنسوبي الشركة الأكفاء ما يعني اختلاق تحديات جديدة للشركة هي في غنى عنها.
( الاقتصادية 2014-09-05 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews