لبنان: حلول مقترحة لأزمة المياه

في ضوء الوضع السيئ لخدمات المياه والقصور الواضح في تخطيطها وإدارتها وتنظيمها في لبنان، تأتي توصيات لجنة الأشغال العامة والنقل والمياه النيابية منخفضة الجدوى إلى حد كبير وغير متسقة مع المعالجات الموضوعية والفاعلة له. فاستيراد المياه من خارج لبنان، هو بمثابة تطبيع الفشل في إدارة الخدمات العامة وتطويرها، واستسلام لانخفاض الكفاءة والتشوهات التي تعتري الإدارات الحكومية والعامة. فضلاً عن ذلك، فان أية كميات مياه يتم استيرادها إلى الشبكة سيفقد نصفها تقريباً في الشبكة ولن تصل إلى المستهلك، بينما النصف المتبقي سيهدر في شبكات الصرف الصحي.
أما التوصية بوقف الزراعات الموسمية وتعويض المزارعين عن زراعاتهم، فإنها لا توضح كيف سيتم تعويض هذا الإنتاج. هل سيتم استيراده من الخارج؟ وما تأثير ذلك على أسعار تلك المنتجات الزراعية وتكاليف المعيشة؟ وما هو مصدر التمويل المطلوب لتعويض المزارعين في ضوء الأوضاع المالية الراهنة للدولة التي تجد صعوبة حتى في تأمين رواتب الموظفين وتلبية مطالبهم المحقة؟
إن التوصية الخاصة بمصادرة الآبار تعتبر عملية وفعالة، بخاصة أن هناك آلافاً منها لا تخضع للتنظيم، كما أن غالبيتها العظمى غير مرخصة، أي غير قانونية. كما أن المياه الجوفية في لبنان هي ملك عام، وللدولة وحدها الحق والصلاحية في تنظيمها خدمة للمصلحة العامة. وفي هذا الإطار، فإن توصية اللجنة بتعويض أصحاب تلك الآبار بغض النظر عن وضعها القانوني، يفتقر إلى المبرر الموضوعي، إضافة الى أنها تكافئ مخالفة القوانين والخروج على النظام. كما أن الأوضاع المالية لا تسمح بهذا السخاء حتى لو وجد له مبرر ما.
دعت اللجنة أيضاً إلى ترشيد استهلاك المياه من خلال وضع ضوابط تولج الجهات الأمنية بضمان تطبيقها، فضلاً عن مصالح المياه والبلديات. فإضافة الى الأعباء الكبيرة التي تزيدها على كاهل القوى الأمنية المنهمكة في الدفاع عن الأمن الوطني والاستقرار في هذه المرحلة الخطرة التي يمر فيها لبنان، فإن اقتصار الإجراءات على الجانب الإلزامي ثبت عدم جدواه في غياب البيئة المشجعة للترشيد. كما أن الإجراءات المقترحة غير مدروسة كفاية ومشكوك في فعاليتها ولا حاجة لها في ظل وجود استراتيجية متكاملة لقطاع المياه، معتمدة من الحكومة ومدعومة من الجهات الدولية ومن أصحاب الخبرة والدراية، وتشتمل على الحلول الناجعة والمستدامة لأزمة المياه. فالمطلوب من اللجنة إزالة العقبات التي تقف أمام تنفيذ الإستراتيجية فحسب بدل الاجتهاد بالقفز فوقها.
تضمنت الإستراتيجية تطوير شبكات المياه لخفض معدل الضائع منها، مع تركيب عدادات عند جميع فئات المستهلكين، تقيس الحجم الفعلي للمياه بالأمتار المكعبة بدل العدادات الحالية التي تنظم تدفق المياه فقط، وبالتالي غير ترشيدية بالكامل. كما تضمنت الإستراتيجية مراجعة التعرفة بحيث يدفع المستهلك ثمن استهلاكه الفعلي من المياه لا رسماً سنوياً بغض النظر عن حجم استهلاكه، كما هو الأمر حالياً.
تناولت الإستراتيجية جانباً مهماً آخر هو موضوع انخفاض معدل تخزين المياه الموسمية، وأوصت بإنشاء سدود لتجميع مياه الأمطار. وضروري التوضيح في هذا الإطار، مع توقع انخفاض معدل التساقطات، بخاصة الثلجية منها واحتمال الذوبان السريع للثلوج، ان إنشاء السدود يصبح أمراً حيوياً لتغذية الآبار الجوفية التي تتغذى أساسا من التراكمات الثلجية. ويذكر في هذا السياق أن المملكة العربية السعودية أنشأت عشرات السدود لتجميع الأمطار على امتداد مناطقها الغربية، ولديها خبرة طويلة وقدرات فنية ومادية كفوءة، وأعتقد أنها لن تبخل بها على لبنان اذا طلب منها ذلك. أما قلق بعضهم في شأن تأثر البيئة الطبيعية، فإن حماية البيئة من الأثر السلبي لمثل هذه المشاريع هو أمر متاح ونهج معتمد في كل المشاريع المماثلة حول العالم. إذ ليس ضرورياً أن يأتي تعزيز قدرات تخزين المياه على حساب البيئة الطبيعية، بينما يعتبر تطوير مصادر المياه ضرورياً لحمايتها واستدامتها.
إن البديل الأكفأ والواقعي للتعامل مع استهلاك المياه لري المزروعات الموسمية والحدائق، ليس وقف تلك الزراعات، بل الاستفادة من مياه الصرف المهدورة وتشجيع استخدام تقنيات الري ذات الكفاءة المائية العالية، وهذا ما تضمنته الإستراتيجية الوطنية للمياه. فحماية قطاع الزراعة وتطويره يجب أن يكون في مقدم أولويات السياسة الاقتصادية، دعماً لشريحة كبيرة جداً من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط من المواطنين.
تقدر الكلفة الاقتصادية السنوية لانخفاض كفاءة قطاع المياه، بناء لمصادر البنك الدولي، بنحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع أن تستمر في الارتفاع ما لم يتم تنفيذ الإستراتيجية والبرامج المعتمدة بأقصى سرعة ومن دون مزيد من التأخير. وفي ضوء الوضع الحرج لخدمات المياه في منطقة بيروت الكبرى، فإن استمرار التأخير في تنفيذ مشروع مياه جون يصبح أمراً غير مبرر، ويعكس في حده الأدنى تقاعساً عن تحمل المسؤولية وضعف تقدير لخطورة الوضع المائي ولأهمية دعم الاستقرار الاقتصادي، خصوصاً في هذه الأوقات الحرجة.

(المصدر: الحياة 2014-08-26)