الوضع المالي القوي للكويت
خطت مؤسسة ستاندرد آند بورز العاملة في مجال التقييم خطوة صحيحة باتجاه إعادة تأكيد التصنيفات الائتمانية الممنوحة للكويت، وخصوصا أي للمدى الطويل، مع نظرة مستقبلية مستقرة. في الواقع، قدمت وكالة التصنيف بعض البيانات المالية الاستثنائية لتبرير حكمها وربما بعضها تم نشرها للمرة الأولى، كما سيتجلى ذلك خلال الفقرات التالية.
على سبيل المثال، تم تسجيل فائض في ميزانية الدولة بنسبة 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل في السنوات العشر الماضية. بل تتوقع مؤسسة ستاندرد آند بورز تسجيل فائض قدره 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2015. كما هو الحال مع قطر، تبدأ السنة المالية في الكويت في أبريل وتنتهي في مارس.
من جملة الأمور، يتميز التقرير بتأكيده على دور عوائد الاستثمارات الكويتية لتعزيز الموقف المالي للبلاد. الفائض المتوقع المشار إليه أعلاه للسنة المالية 2015 يعود بشكل جزئي للدخل من الاستثمار. على وجه التحديد، شكلت العوائد على الاستثمارات نحو 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 وهي نسبة جديرة.
وحسب أحدث الإحصاءات المتوافرة، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت نحو 176 مليار دولار، أي قرابة 11 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. يعد اقتصاد دولة الكويت رابع أكبر اقتصاد من نوعه بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر.
في الواقع، الأدلة على متانة القوة المالية للكويت بارزة ومتنوعة، فقد خصصت السلطات 25 بالمائة من إجمالي إيرادات الخزانة العامة للسنة المالية 2013 لصندوق الأجيال القادمة مقارنة مع 10 بالمائة في الماضي، الأمر الذي يشكل تحولا جوهريا.
مما لا شك فيه، تساهم خطوات من هذا النوع في تعزيز المكانة المالية للدولة، وخصوصا بالنسبة للتعاملات الدولية، لأن ذلك يوفر نوعا من ضمان حول التعامل التجاري مع الكويت.
ويمكن الزعم بأن خطوة تعزيز المساهمة في الحساب الخاص للأجيال تعود بشكل جزئي، على الأقل، لتجنب تلبية مطالب أعضاء البرلمان بتقديم مكافآت مالية جديدة للمواطنين. يشار إلى أن هذه الطلبات مشهورة في الكويت من قبل المشرعين الذين يسعون لحصد مواقف شعبية، بما في ذلك احتمالات إعادة الانتخاب وهي من الحالات المتكررة في البلاد. المعروف بأن الكويت مرت بعدة حالات، من حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة في الآونة الأخيرة بسبب الخلافات بين السلطتين التشريعية والمنتخبة.
الأمر الآخر الذي يعكس القوة المالية للكويت عبارة عن تمتع البلاد بصافٍ نسبي لافت للأصول الأجنبية وتحديدا 2.7 مرة من الناتج المحلي الإجمالي. يعد هذا الأمر استثنائيا في هذا العصر، في ظل مرور العديد من الدول بظروف مالية صعبة، لكن الحديث في الكويت ودول أخرى في مجلس التعاون حول مستوى صافي الأصول.
تدعم الإحصاءات الحديثة الصادرة من معهد الثروة السيادية من حقيقة صلابة القوة المالية للبلاد، حيث تقدر الثروة السيادية للكويت بنحو 410 مليارات دولار. بالتأكيد، للصندوق السيادي دور محوري في العوائد على الاستثمارات، من خلال الأدوات الاستثمارية المتاحة، بما في ذلك الودائع وشراء أسهم وعقارات.
واستنادا لتقرير مؤسسة ستاندرد آند بورز، بلغت قيمة العوائد حوالي 16 مليار دولار في عام 2013. يعد هذا الرقم ضخما، بدليل تشكيله قرابة 9 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت.
وهنا يسجل تميز آخر للكويت وتحديدا الشفافية في نشر الإحصاءات، الأمر الذي يساعد البرلمان والمجتمع المدني ووسائل الإعلام بممارسة الدور الرقابي المنشود.
كما تبدو الآفاق المستقبلية واعدة لأسباب تشمل القدرة على الإنتاج النفطي بصورة ثابتة. بلغ إنتاج النفط 3.2 مليون برميل يوميا في عام 2013، ولكن من المتوقع أن يرتفع إلى 3.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2017 وذلك بفضل الجهود الرامية لزيادة الطاقة الإنتاجية.
تاريخيا، واجهت الحكومة صعوبات لإقناع البرلمان المنتخب بمنطق توسيع إنتاج النفط من الحقول البرية، ولأسباب يمكن تفهمها. حقيقة القول، عدد غير قليل من المشرعين في أكثر من دور انعقاد لم يكونوا يرون الحاجة لتعزيز إنتاج النفط، نظرا للموقف المالي الصلب للمالية العامة، بدليل تسجيل فوائض في الميزانية العامة عاما بعد آخر. كما يتبين وجود إصرار متكرر من قبل المشرعين بتطبيق مادة في الدستور تحرم على الشركات الأجنبية امتلاك حصص في قطاع النفط في البلاد رغبة في تنفيذ القانون.
في الواقع، يشكل متغير أو الاعتماد على النفط أحد المعوقات التي تواجه الاقتصاد الكويتي. يشير التقرير إلى أن قطاع النفط يشكل نحو 60 بالمائة و80 بالمائة و90 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات الحكومية الاسمية للبلاد والصادرات، على التوالي. وهذا يعني أن الاقتصاد الكويتي هو الأقل تنوعا بين دول مجلس التعاون وعلى الخصوص بالنسبة لموضوع الناتج المحلي الإجمالي. يشكل القطاع النفطي نحو 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين أي نحو نصف ما عليه الحال مع الكويت.
وربما وفرت وتوفر القوة المالية القوية للدولة نوعا من عدم وجود حاجة فعلية للتنويع بعيدا عن النفط. ومع ذلك، فإن الفرصة موجودة لاستخدام عائدات النفط بغية تنويع اقتصاد الكويت بعيدا عن النفط، وبالتالي ترسيخ الاقتصاد وإبعاده قدر المستطاع عن الصدمات الخارجية. حاليا، يقع جانب من رفاه الاقتصاد الكويتي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط العالمية. مما لا شك، يعتبر النفط سلعة إستراتيجية يخضع سعره لعوامل معقدة تشمل عوامل سياسية واقتصادية ونفسيات المتعاملين في أسواق التبادل، فضلا عن قوانين العرض والطلب وقوة الدولار الأمريكي.
في المجموع، يمكن الزعم بكل أريحية بأن الوضع المالي للكويت قوي ونوعي ومميز.
( الشرق 2014-08-25 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews