الإصلاح الاقتصادي المرتقب بعد التغيير الحكومي في الهند
يعتبر الاقتصاد الهندي العاشر في العالم لجهة الحجم إذ قارب الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 نحو 1.9 تريليون دولار. وتحتل الهند أيضاً المركز العاشر في قيمة المستوردات من الخارج، والمركز الـ 19 في قيمة الصادرات إلى الخارج. وبلغ معدل النمو الاقتصادي عام 2013 نحو خمسة في المئة ويقدَّر أن يصل إلى 5.5 في المئة هذا العام. وتراجع معدل النمو بمقدار النصف تقريباً ليبلغ عام 2010 نحو 9.3 في المئة. ولا شك في أن التباطؤ الاقتصادي وانخفاض معدل النمو وتراجع سعر صرف الروبية أمور ساهمت في فقدان «حزب المؤتمر» غالبيته البرلمانية بعد الانتخابات الأخيرة إذ كانت حكومته السابقة تبنّت قرارات للحد من خروج رؤوس الأموال.
وتبنّت حكومات الحزب عموماً سياسات تؤدي إلى تقييد حرية العمل الاقتصادي ومحبذة لدور مهمين للدولة. ومنذ استقلال الهند في 1947 اعتمدت الإدارة الاقتصادية على فلسفة الاقتصاد المختلط، بمعنى قيام القطاعين العام والخاص بأدوار مهمة في مختلف القطاعات وربما المشاركة في نشاطات حيوية مثل الصناعات أو المرافق أو الخدمات. كذلك عمدت السياسات إلى تقييد الاستثمار الأجنبي المباشر مثل تحديد ملكية المستثمرين الأجانب في الشركات، في قطاعات محددة.
معلوم أن الهند بلد شاسع متعدد الإثنيات والديانات ويعاني تدنياً لمستوى المعيشة لعدد كبير من مواطنيه. ويبلغ عدد سكان الهند نحو 1.3 بليون شخص. ويعتبر التوزيع العمري للهنود معتدلاً، إذ يشكل صغار السن حتى 14 سنة 29 في المئة من السكان، ويمثل من هم في عمر العمل أي بين 15 و64 سنة 66 في المئة، ويبلغ كبار السن ممن هم بسن 65 سنة أو أكثر خمسة في المئة. ويبلغ العمر المتوسط في الهند 27 سنة، أي أن نصف السكان هم من دون 27 سنة. هذه البيانات الديموغرافية تشير إلى إمكانيات مهمة لتطوير الاقتصاد، نظراً إلى أن المجتمع يتشكل أساساً من فئات عمرية قادرة على العمل والاستهلاك وزيادة الطلب على السلع والخدمات.
ويقدَّر عدد أفراد الطبقة المتوسطة في الهند بنحو 325 مليون شخص يشكلون قوة شرائية متنامية، يتمتع أفرادها بمستويات تعليمية جيدة تمكنهم من المساهمة الفاعلة في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية. ويرى اقتصاديون أن حجم الطبقة المتوسطة في الهند لا يزال صغيراً نسبياً مقارنة بالصين، مثلاً، حيث تمثل الطبقة المتوسطة 63 في المئة من السكان. لكن إمكانيات توسيع قاعدة الطبقة المتوسطة في الهند لا تزال متاحة إذا اعتمدَت سياسات تهدف إلى تسريع التنمية ورفع معدلات النمو.
بيد أن تحديات رفع مستوى المعيشة لا تزال مهمة فنحو 30 في المئة من سكان الهند يعانون الفقر، ويصنَّفون بأنهم تحت خط الفقر المعتمد من قبل الأمم المتحدة. ويعمل 49 في المئة من قوة العمل في الزراعة حيث تتدنى مستويات الأجور. ولا يزال قطاع الزراعة في الهند يساهم بنسبة مهمة في الناتج المحلي الإجمالي تساوي 17 في المئة وتعادل مساهمة الصناعات التحويلية التي تساوي 17 في المئة أيضاً وتوظف 20 في المئة من العاملين في البلاد.
في السنوات الأخيرة نما قطاع الخدمات في شكل متسارع وأخذ يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد الهندي وتسارع تأسيس الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات في مجال الاتصالات الهاتفية وخدمات الكمبيوتر وتصميم البرامج، وتعاقد كثير من هذه الشركات مع شركات عالمية رئيسة لتقديم الخدمات إليها من مواقعها في الهند وبتكاليف أقل بكثير مما يمكن تقديرها في البلدان الأساسية لتلك الشركات. لذلك أصبحت الهند قاعدة مهمة لتقديم الخدمات المتطورة في قطاعات اقتصادية أساسية في بلدان عديدة.
أما قطاع الصناعة التحويلية في الهند فظل يركز على صناعات النسيج والبتروكيماويات والأحجار الكريمة والمعدات الزراعية والصناعية والإسمنت. وتعتمد الهند لتحصيل إيراداتها السيادية على الصادرات التي بلغت في 2013 نحو 313 بليون دولار وتشمل البرمجيات والبتروكيماويات والأدوية والعقاقير الطبية والأحجار الكريمة والمنسوجات والمعدات والسيارات. ويُعتبر الخليج من أهم المناطق التي تتجه إليها الصادرات الهندية لكن الهند لا تزال تستورد كميات مهمة من المواد والسلع أهمها النفط الخام ومواد خام أخرى والمعدات والأسمدة والفحم والحديد والمواد الكيماوية. وبلغت قيمة الواردات عام 2013 نحو 468 بليون دولار ما يعني أن العجز في الميزان التجاري كان 155 بليون دولار، ما يضغط على ميزان المدفوعات ويرفع المديونية الخارجية.
وأعلنت الحكومة الجديدة أخيراً موازنة السنة المالية 2014 - 2015 وأكدت أهمية رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 6 - 7 في المئة سنوياً. وتهدف الموازنة إلى خفض عجزها إلى 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية وإلى 3.6 في المئة في السنة المالية المقبلة. وتهدف الموازنة إلى رفع نسبة الضرائب من الناتج المحلي الإجمالي لزيادة إيرادات الخزينة العامة. وقدِّر حجم الإنفاق في الموازنة الجديدة بنحو 18 تريليون روبية (306 بلايين دولار).
غني عن البيان أن السياسات الضريبية يتعين أن تكون أكثر موائمة لتعزيز دور القطاع الخاص وحفزه على الاستثمار في القطاعات الحيوية القادرة على خلق الوظائف. وثمة قناعة بأن الحكومة الجديدة عازمة على توجيه السياسات الاقتصادية نحو مزيد من الانفتاح ودعم إمكانيات تدفق الاستثمارات الأجنبية في البلاد وإفساح المجال أمام مجتمع الأعمال الهندي ليعزز دوره في العملية التنموية. وتظل ثمة تحديات جدية لا يمكن التغافل عنها وأهمها تحسين مستويات المعيشة لمئات الملايين من الهنود.
(المصدر: الحياة 2014-07-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews