كفاءة الطاقة ضرورة حتمية لديمومة التنمية
مستقبل الطاقة مرهون إلى حد كبير بتحسين الكفاءة وترشيد الاستهلاك. هذا يشمل الكفاءة في جميع القطاعات؛ النقل والمواصلات، المباني، الصناعة وكذلك الكفاءة في القطاعات التجارية والسكنية. لو تم ترشيد الاستهلاك في جميع هذه القطاعات، فإن احتمال خفض نمو الطلب على الطاقة خلال العقود المقبلة سيكون كبيرا جدا. حجم الاستثمارات الأخيرة في مجال تحسين كفاءة استخدام الطاقة في جميع أنحاء العالم جعلها مساهما كبيرا في تلبية نمو الطلب على الطاقة حالها حال الاستثمارات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة أو الوقود الأحفوري. الدول الصناعية الكبرى تستهلك بالفعل حاليا نفطا أقل، حيث إن استهلاك النفط في دول منظمة التعاون والتنمية في تراجع مستمر بفضل المكاسب التي تحققت في مجال الكفاءة في استخدام المركبات.
بين عامي 2005 و2010، تشير حسابات وكالة الطاقة الدولية إلى أن تدابير تحسين كفاءة استخدام الطاقة في 11 دولة من الدول الأعضاء فيها قد وفر ما يقرب من 420 مليار دولار من قيمة النفط. حتى مع زيادة الاستهلاك في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية، انخفضت حصة النفط في مزيج الوقود العالمي، جزئيا بفضل تحسين الكفاءة في قطاع النقل والمواصلات وإلى التوسع الكبير في استخدام الغاز الطبيعي في مجال توليد الطاقة الكهربائية.
لكن استمرار ارتفاع أسعار الطاقة لفترة طويلة، على سبيل المثال كان متوسط أسعار النفط نحو 110 دولارات للبرميل منذ عام 2011، أعطى الدول المستهلكة والصناعة حافزا إضافيا لتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمضي قدما في مجال الابتكارات التقنية. هذا المستوى من أسعار النفط عزز أيضا الاهتمام بإيجاد بدائل للنفط في مجال النقل، على سبيل المثال استخدام الغاز الطبيعي والكهرباء في مجال النقل البري. كما أن المزيد من تحسين الكفاءة في استخدام الطاقة يوفر إمكانات هائلة لخفض انبعاثاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، التي يعتقد البعض أنها المسؤول الأول عن ظاهرة تغير المناخ.
كما أن النمو الاقتصادي السريع المتوقع في البلدان النامية على المدى البعيد، يعطي دافعا إضافيا قويا لموضوع كفاءة استخدام الطاقة. حيث من المتوقع حدوث نمو كبير في استهلاك الطاقة العالمي. إن الدول الناشئة والبلدان الصناعية التقليدية على حد سواء تدرك تماما أن زيادة التركيز على كفاءة استخدام الطاقة شرط أساسي ومهم لاستيعاب الحجم الكبير المتوقع من النمو الاقتصادي والنمو في استهلاك الطاقة.
في الوقت نفسه الوفورات المالية من جراء خفض استخدام الطاقة يمكن أن تكون ضخمة أيضا، قد تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات على المستوى العالمي، على سبيل المثال في عام 2012، نحو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أنفق على تكاليف الطاقة.
الارتفاع الكبير في الطلب العالمي على الطاقة، على خلفية ارتفاع استهلاك الطبقة المتوسطة والنمو السكاني في جميع أنحاء العالم، سيجبر حكومات العالم إلى إيجاد سبل لخفض تكاليف الطاقة هذه. تلك المكاسب يمكن أن تأتي من خلال تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وخاصة في المباني، حيث تعد مسؤولة عن نحو 40 في المائة من إجمالي الطاقة المستهلكة عالميا، وعن ثلث انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في العالم.
بإمكان المباني السكنية والتجارية استخدام كميات من الطاقة أقل بكثير من المعتاد في مجال التدفئة، التبريد والتهوية. في بعض الدول توجد منشآت مدنية منخفضة أو عديمة الانبعاثات للكربون وفي بعض الأحيان تزود الشبكة المركزية بالطاقة، بنيت باستخدام مواد عازلة أكثر كفاءة ومزودة بأسقف من ألواح شمسية، تؤدي إلى تقليل الاعتماد على الشبكة المركزية.
بإمكان المدن الكبيرة خفض أحمال الطاقة من خلال تصميم حضري أفضل وعن طريق استخدام الحرارة الناتجة من محطات توليد الطاقة في تسخين المباني أو توفير مياه ساخنة لها. بإمكان العديد من عمليات الطاقة الصناعية خفض الطلب على الطاقة بشكل كبير من خلال التحول إلى استخدام مواد جديدة موفرة للطاقة في البضائع المصنعة.
كهربة المركبات والتقدم التقني في محركات الاحتراق الداخلي يمكن أن تخفض من استهلاك الوقود في قطاع النقل، الذي يشكل نحو خمس الاستخدام العالمي النهائي للطاقة، وسيمثل تقريبا كل التوسع المستقبلي في استخدام النفط، خاصة للمركبات. إن تصنيع سيارات أكثر كفاءة من الممكن أن يوفر نحو عشرة ملايين برميل في اليوم من النفط بحلول عام 2035، وفقا لسيناريو العالم الأكثر كفاءة لوكالة الطاقة الدولية. في مجال النقل البحري، هناك على الأقل حاليا نحو 500 تقنية يمكن تطبيقها على السفن من شأنها أن تخفض تكاليف الوقود للقطاع البحري بنحو 70 مليار دولار سنويا، وفقا لمصادر صناعة السفن.
في قطاع توليد الطاقة الكهربائية، التقنيات الحديثة وهياكل التوزيع ستكون أكثر كفاءة مما كان متوقعا. التطوير في مجال الشبكات الناقلة وخاصة الشبكات الذكية، التي يمكنها أن تجمع بين العرض، الطلب، والتخزين، ما يتيح إدارة متطورة للغاية للأحمال في مختلف المناطق، سيعزز أيضا من كفاءة وفاعلية إمدادات الكهرباء على وجه الخصوص من مصادر التوليد التي تتأثر بالظروف الجوية مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حتى من المواقع النائية.
في الدول الناشئة، التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة على المدى القصير لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة أو استبدال المحطات القديمة، مثل الصين، الهند والبرازيل وغيرها من الاقتصادات الناشئة، من الممكن أن توفر لها مصادر الطاقة المتجددة خارج الشبكة Off-grid أو ضمن شبكات صغيرة mini-grid حلولا فاعلة من حيث التكلفة لتلبية الطلب المتزايد. هذا ينطبق أيضا على الدول التي تفتقر كليا إلى الطاقة، خصوصا الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
الدرس المستنبط من التاريخ هو أنه لولا التقدم التقني الذي شهده العالم على مدى السنوات الأربعين الماضية في مجال تحسين كفاءة الطاقة، لكان الاستخدام العالمي للطاقة أعلى بنحو 60 في المائة مما هو عليه اليوم.
( الاقتصادية 5/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews