الأسواق عالقة في نطاقات ضيقة تستلزم الحذر
يمكن أن يُعذَر المراقب العابر إذا ظن أن المتداولين شبه نائمين. في الأسبوع الماضي شهد الاقتصاد العالمي ثلاثة من أكثر الأحداث التي ينتظرها المراقبون بلهفة، ومع ذلك بالكاد تأثرت الأسواق.
فقد تبين أن النمو الاقتصادي الأمريكي كان مخيباً للآمال على نحو يفوق كثيراً ما كان متوقعاً، إذ ارتفع بنسبة 0.1 في المائة فقط في الربع الأول؛ واستمر الاحتياطي الفيدرالي في انسحابه التدريجي من مشتريات السندات، حيث قلص مشترياته الشهرية بمقدار عشرة مليارات دولار؛ ثم وجدنا يوم الجمعة أن هناك اندفاعا قوياً في أرقام التوظيف على نحو أظهر أن الاقتصاد بدأ يبتعد عن الأداء الرديء للأشهر الثلاثة الأولى من العام.
في الأوقات الطبيعية سيحاول الصحافيون في السوق قراءة قائمتهم التي تشتمل على بدائل للفكرة المحظورة التي تقول إن "السوق تمر بعاصفة قوية". لكن المؤشر القياسي لسندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، بدل أن يهتز بعنف، لم يكد يتحرك طيلة الأسبوع. فقد ارتفع بواقع ثماني نقاط أساس فقط بعد تقرير الوظائف الذي صدر يوم الجمعة، قبل أن يدور دورة كاملة عائدا إلى الوضع الذي كان عليه.
هذه أعراض التداولات التي تسير ضمن نطاق ضيق، التي قيدت التحركات في كثير من أسعار الأصول منذ عدة أشهر. فالعوائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات كانت تتحرك فقط ضمن نطاق 23 نقطة أساس منذ كانون الثاني (يناير)، وهو أضيق نطاق لأطول فترة منذ 1978. وتبينت قوة النطاق مرة أخرى صباح الجمعة، حين وصلت العوائد إلى الحد الأدنى من النطاق، ثم ارتدت عنه.
وحددت سندات الخزانة الأسعار لكل شيء تقريباً في كل مكان، وبالتالي علق كثير من الأصول الأخرى في نطاقات ضيقة.
خلال السنة الماضية كان النفط يتحرك ضمن نطاق 100 ـ 110 دولارات – ما يعني أنه أضيق نطاق بالنسبة المئوية لأطول فترة منذ 1985. ومنذ شباط (فبراير) كان مؤشر ستاندارد آند بورز 500 ضمن أضيق نطاق لأطول فترة منذ شباط (فبراير) 2007، تماماً قبيل بروز وظهور أزمة القروض العقارية لضعاف الملاءة. واقتصر مؤشر فاينانشيال تايمز 100 على نطاق 6300 ـ 6900 نقطة منذ تموز (يوليو)، وهو أضيق نطاق منذ 2004.
كذلك كان الدولار محصوراً ضمن نطاق ضيق، على الأقل مقابل عملات البلدان المتقدمة الأخرى.
وحلت نطاقات التداول الضيقة في الوقت الذي كاد أن يختفي فيه التقلب. ويجادل بيتر فيشر، وهو مدير أول في معهد بلاك روك للاستثمار ومحاضر أول في كلية تاك للأعمال في دارتموث، بأن الاقتران بين تجدد نشاط الإقراض من المصارف، والاقتصاد الجيد، وغياب العلامات الدالة على رفع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، يعمل على كبح التقلب.
ويقول: "هذا يصيبني بالتوتر. الاحتياطي الفيدرالي بصورة خاصة والبنوك المركزية صورة عامة تبذل جهوداً فوق الحد من أجل إبقاء التقلب عند مستويات صغيرة".
كثير من المستثمرين من أصحاب الرأي المخالف يشاطرون فيشر الرأي، ويخشون أن التقلب المنخفض هو علامة على تهاون الأسواق.
وحتى بنك إنجلترا – الذي كان يسهم في ثقة المستثمرين من خلال إخبار الأسواق بألا تتوقع ارتفاعاً وشيكاً في أسعار الفائدة – أعرب في الأسبوع الماضي عن "دهشته" لغياب التقلب الضمني، الذي يجعل استخدام الخيارات للوقاية من تراجع الأسعار خطوة زهيدة الثمن.
وإذا عدنا بنظرنا إلى التاريخ عرفنا السبب. فقد كان التقلب في أسواق العملات أدنى من ذلك في مناسبتين فقط في العقدين الماضيين؛ في 2007 و1996.
وظل التقلب في أسعار الأسهم منخفضاً منذ 18 شهراً، في حين ظل تقلب السندات، عند قياسه بمؤشر ميريل لينتش للحركات، أدنى لفترة قصيرة في 1998 وعدة مرات أثناء نهاية طفرة الائتمان خلال العقد الأول من القرن الحالي، وكذلك قبل الاضطراب الذي حدث في أيار (مايو) الماضي عند إعلان الاحتياطي الفيدرالي نيته في بدء الانسحاب التدريجي. وباستثناء 1996، كل واحدة من هذه الحالات كانت علامة على اقتراب المتاعب.
ويقول آلان هيجينز، كبير الإداريين الاستثماريين في البنك الخاص Coutts: "في العادة يكون التقلب المتدني علامة واضحة بصورة مطلقة تقول لك "كن حذرا"، تماماً مثل التقلب العالي الذي يقول لك "كن مستعداً للبيع". التقلب المنخفض هو قطعاً علامة تدعوك إلى الشعور بالقلق، لكنه أقل فائدة من حيث دلالته على توقيت السوق".
والمشكلة هي أن التقلب أثبت أنه قادر على البقاء منخفضاً لفترة طويلة، خصوصاً في الأسهم.
وبقي مؤشر فيكس للتقلب الضمني، الذي غالباً ما يطلق عليه مؤشر الخوف في وول ستريت، منخفضاً مثلما هو حاله اليوم، مع اهتزازات بسيطة في الفترة من 1993 إلى 1995، ومن 2005 إلى انهيار القروض لضعاف الملاءة.
يشتمل التقلب المنخفض على بذور دماره، كما يشير ديفيد بلوم، من بنك HSBC. وكلما طالت فترة بقائه منخفضاً، ازدادت مشاعر التهاون عند المستثمرين، وبالتالي ازدادت المخاطر التي يرغبون في اتخاذها، سواء على شكل أصول خطرة بطبيعتها أو المزيد من الاقتراض.
وهناك علامات كثيرة تفيد بأن المستثمرين يزيدون من المخاطر. فقد تكوموا لشراء السندات في البلدان الطرفية في منطقة اليورو "ما دفع بالعوائد على السندات الإسبانية إلى ما دون 3 في المائة يوم الجمعة للمرة الأولى، حسب السجلات التي تعود إلى 1990"، ونظفوا السندات الخطرة، وحتى أنهم يغامرون بالعودة إلى عملات "البلدان الخمسة الهشة"، وهي الأسواق الناشئة التي تعرضت لأقسى الضربات في السنة الماضية.
وكلما طال أمد التقلب، ازداد تكوم المتداولين على التداولات الخطرة البديلة - ما يجعل تفككها النهائي أكثر إيلاماً.
بالمثل، كلما طال الأمد الذي تتداول فيه السوق ضمن نطاق معين، ازدادت مقادير الأموال التي تتم المراهنة بها على بقاء الأسواق ضمن ذلك النطاق، وبالتالي ازداد الألم عند الخروج من النطاق.
ويقول ديفيد سنيدون، رئيس قسم التحليل الفني في كريدي سويس: "كلما طال أمد بقائك في نطاق يتحرك في مجال ضيق، يزداد في العادة الاتجاه العام الناشئ عن ذلك".
ويمكن أن يستمر تداول النطاق المحدود لفترة طويلة، كما فعل أحياناً في الماضي. والأرجح أن العوائد على سندات الخزانة الأمريكية ستنفلت قريباً من نطاقها، إما إلى الأعلى، نتيجة لتحسن المزاج الاقتصادي العام، وإما إلى الأدنى، إذا ظهرت الأمور بصورة سيئة. وفي الحالين سيرتفع التقلب على الأرجح مرة أخرى خلال فترة قريبة.
( فايننشال تايمز 6/5/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews