وصفة لتحريك دولاب اقتصاد العالم رغم الركود
لماذا تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية بصورة حادة؟ وهل ستبقى على هذا الانخفاض لفترة طويلة؟ إذا كانت كذلك – وهو ما يدل عليه ظاهر الأمر - فالآثار ستكون عميقة: جيدة للمدينيين، وسيئة للدائنين، والأهم من ذلك، مُقلقة بالنسبة لقوة الطلب العالمي.
تشتمل أحدث التوقعات الاقتصادية العالمية من صندوق النقد الدولي على فصل رائع عن أسعار الفائدة الحقيقية العالمية. فيما يلي أهم النتائج التي توصل إليها.
أولاً، العولمة لديها موارد مالية متكاملة. في الماضي كان هناك تباين واسع في أسعار الفائدة الحقيقية بين مختلف البلدان. منذ أن أصبحت أسعار الفائدة في كل مكان تستجيب لتأثيرات مشتركة، لم تعُد هذه هي الحال الآن.
ثانياً، أسعار الفائدة الحقيقية - التي تم تعديلها لاحتساب أثر التضخم - انخفضت شوطاً طويلاً منذ الثمانينيات. أسعار الفائدة لأجل عشرة أعوام قريبة من الصفر، في حين أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل أصبحت سلبية. العائد الحقيقي المتوقع على الأسهم (تم تقديره من عوائد توزيع الأرباح إضافة إلى النمو المتوقع لأرباح الأسهم) لم ينخفض كثيراً بهذا القدر.
كيف يمكن لأحد فهم هذه التطورات؟ العائد الحقيقي على الأصول المالية يعتمد على عدة عوامل عدد الأشخاص الراغبين بالادخار والاستثمار؛ نوع الأصول التي يفضّل المُدّخرون امتلاكها؛ إضافة إلى التغييرات في السياسة النقدية.
هذه ليست مستقلة عن بعضها بعضا. قبل كل شيء، البنوك المركزية المُكلّفة بتحقيق هدف التضخم، يجب أن تستجيب للتحوّلات في الطلب عن طريق تغيير سياساتها النقدية.
افترض صندوق النقد الدولي أنه في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كانت التغييرات في السياسة النقدية التأثير الأكثر قوة على أسعار الفائدة الحقيقية. وفي أواخر التسعينيات، أصبح التشدد في المالية العامة، القوة الرئيسية التي تعمل على تخفيض أسعار الفائدة الحقيقية.
هناك عامل آخر مهم كان انخفاض أسعار السلع الاستثمارية بالنسبة إلى السلع الاستهلاكية. وانخفاض الأسعار النسبية لتكنولوجيا المعلومات، يعني أن هذا لا يزال صحيحاً.
تغيّر الكثير منذ أواخر التسعينيات، فقد ارتفع معدل الادخار في بلدان الأسواق الناشئة، ويعود ذلك بشكل كبير إلى ارتفاع الدخول. وبدأ المستثمرون يفضلون الأصول التي تعتبر آمنة. والأكثر أهمية من ذلك، تسبب الأزمات المالية الأخيرة في انهيار الاستثمار، وارتفاع الادخار الخاص في الاقتصادات المتضررة.
يجادل صندوق النقد الدولي بأن خطر التضخم المنخفض لم يُساهم في انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل، لأن "فجوة تاريخ الاستحقاق" - الفجوة بين أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل - لم تنخفض.
الأكثر أهمية من ذلك كان أثر التغييرات في الادخار والاستثمار على المستوى الوطني. على المستوى العالمي، فإن الادخار يجب أن يساوي الاستثمار.
لذلك فإن التغييرات في معدل الادخار العالمي المنظور، لن تخبرنا شيئاً عما إذا كانت، هناك "وفرة ادخار" متنامية - والتي أعني بها الإفراط في الادخار المرغوب على الاستثمار المرغوب. وحده التحوّل في السعر - سعر الفائدة الحقيقي - سيكشف ذلك.
المثير للاهتمام، أن سعر الفائدة الحقيقي لأجل عشرة أعوام كان 4 في المائة في منتصف التسعينيات، و2 في المائة في العقد الأول من القرن الحالي، قبل الأزمة، وبعد ذلك كان قريباً من الصفر.
على الأقل يكمن اثنان من العوامل وراء هذا الانخفاض السريع. انخفض الاستثمار شوطاً طويلاً في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، لكنه ارتفع في الأسواق الناشئة، خاصة في الصين؛ لكن معدلات الادخار في الأسواق الناشئة ارتفعت أكثر بكثير من معدلات الاستثمار فيها. بالتالي، أصبحت هذه الاقتصادات شبكة كبيرة من البلدان المصدّرة الصافية لرأس المال.
كذلك، فإن الأسواق الناشئة إلى حد كبير عملت على تأميم هذا التدفق الخارج من رأس المال. ثم اتجهت حكوماتها لشراء أصول "آمنة"، ولا سيما لتدعيم احتياطيات العملة الأجنبية فيها. هذا يساعد على تفسير انتقال المحافظ نحو السندات ذات التصنيف العالي.
القصة، باختصار، هي أن التحوّلات في التوازن بين الادّخار الحقيقي المرغوب، والاستثمار أدت إلى انخفاض كبير في أسعار الفائدة الحقيقية. هذه رافقتها تغييرات في تفضيلات المحافظ نحو أصول آمنة وانهيار في فقاعة الأسهم قبل عام 2000. كما أن التحوّل في توزيع الدخل نحو رأس المال، والموظفين الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة في البلدان ذات الدخل المرتفع أديا أيضاً إلى إضعاف الطلب.
بعد ذلك استجابت البنوك المركزية بسياسات نقدية قوية، قامت بدعم الانفجارات في الائتمان الذي يرتبط عموماً بطفرات أسعار المنازل. كلاهما انهار في الأزمة. وكما جادل لورنس سامرز، فإن الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، يبدو أنها غير قادرة بشكل مقلق على إنتاج نمو مناسب في الطلب، دون وجود عدم استقرار حاد في الائتمان.
هذه ليست قصة قصيرة الأجل. إن عبارة "الكساد طويل الأمد" تبدو في محلها.
يوافق صندوق النقد الدولي على أن أسعار الفائدة الحقيقية يمكن أن تبقى منخفضة لفترة طويلة، إذا استمرت الحكومات في تشديد السياسات المالية العامة كما هو مقرر، وهو ما يبدو مؤكداً. وإذا انخفضت معدلات الاستثمار بشكل حاد في الصين، ربما تحتاج أسعار الفائدة العالمية للانخفاض أكثر من ذلك. هذا صعب تحقيقه حين يكون التضخم منخفضاً جداً.
ما الذي قد يعكس ذلك؟ الاحتمال الواضح هو أن ارتفاع الاستثمار في البلدان ذات الدخل المرتفع، يكون مدفوعاً من العوائد المتوقعة على الأسهم المرتفعة نسبياً. العقبات هنا ثلاثية: الأولى هي أن الرؤساء التنفيذيين لا يتم مكافأتهم على الاستثمار على المدى الطويل؛ وأخرى هي أن السلع الاستثمارية تصبح أرخص في كل وقت؛ وعقبة أخرى هي أنه عندما يكون المستقبل غير مؤكد والاقتصاد راكداً، فإن الشركات تفضل بعقلانية، الانتظار قبل أن تبدأ الاستثمار.
هناك احتمال آخر هو انخفاض كبير في الادخار في الأسواق الناشئة. هذا يبدو من غير المحتمل، على الأقل دونما انهيار في أسعار النفط. ينتج عن خيار العجز المالي المستمر في البلدان ذات الدخل المرتفع، من الناحية المثالية، لاستثماره في البنية التحتية. أما طفرات الائتمان المتعلقة بالإسكان فهي خيار أسوأ بكثير، في حين أن إعادة التوزيع لصالح المنفقين، تبدو أمراً غير معقول تماماً.
في حال بقيت أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة لفترة طويلة، بالفعل، سيجد الدائنون أن الحياة صعبة. إدارة الموارد المالية العامة ما بعد الأزمة ينبغي أن تكون أسهل بكثير مما يفترض الهستيريون. هناك سؤال كبير جداً في هذا العالم هو ما إذا كانت أهداف التضخم التقليدية، قد تكون منخفضة جداً، لأنها لا تمنح مجالاً كافياً لأسعار الفائدة الحقيقية بأن تنخفض إلى أقل من صفر بكثير، عند الضرورة.
السؤال المباشر هو ما يلي: كيف نولّد الطلب اللازم لاستيعاب العرض العالمي المحتمل؟ إن الإخفاق في الاستجابة لهذه الحاجة بطريقة معقولة، كان السبب الرئيسي وراء الأزمة. إن استمرار الإخفاق سيؤذي الانتعاش أو سيؤدي إلى نتيجة أسوأ، وهي أن يتسبب في جولة أخرى من الجيشان المالي والاقتصادي. علينا ألا نتصور أن هذه التحديات ستختفي قريباً، فهي تبدو وكأنها في وضع شبه دائم.
( فايننشال تايمز 2/5/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews