المخاوف العالمية إزاء اقتصاد الصين تبدو منطقية

أنا لست ذكياً بما فيه الكفاية لفهم سلوك "مستر ماركت" - هوس الاكتئاب الذي حلم به المُعلّم الاستثماري، بنجامين جراهام - ولست غبيا بما فيه الكفاية لأصدّق أنني أفهم. السوق بالتأكيد تمر في مرحلة اكتئاب. وراء هذا يبدو أن هناك مخاوف بشأن الصين. هل مستر ماركت مُحقّ في الشعور بالقلق؟ باختصار، نعم.

لا بد من التمييز بين ما يستحق القلق بشأنه وما ليس كذلك. تراجع البورصة الصينية يأتي في الفئة الثانية. ما يستحق القلق بشأنه هو حجم المهمة التي تواجه السلطات الصينية، في مقابل عجزها الواضح في التعامل بشكل جيد مع مجرد انفجار فقاعة في سوق الأسهم.

كانت البورصات في الواقع تباشر التصحيح، حيث كانت السوق الصينية في الصدارة. بين ذروة السوق في حزيران (يونيو) ويوم الثلاثاء الماضي، انخفض مؤشر شنغهاي بنسبة 43 في المائة.

غير أن البورصة الصينية بقيت 50 في المائة أعلى مما كانت عليه في بداية عام 2014. انهيار الفقاعة الثانية للبورصة الصينية في غضون عشرة أعوام، لا يزال يبدو غير مُكتمل.

السوق الصينية ليست سوقا عادية. أكثر حتى من معظم الأسواق، هذه تُعتبر بمثابة كازينو، حيث كل لاعب يأمل العثور على "الغبي الأكبر" الذي سيقوم بإفراغ الرقائق التي هي فوق قيمتها الحقيقية، قبل فوات الأوان. مثل هذه السوق لا بد أن تكون مُتقلّبة للغاية، لكن تقلّباتها لا تنطق بكثير عن اقتصاد الصين الأوسع. مع ذلك، الأحداث في السوق الصينية هي ذات أهمية أوسع بطريقتين مرتبطتين. الأولى هي أن السلطات الصينية قرّرت المخاطرة بموارد كبيرة، وحتى سلطتها السياسية في محاولتها (غير الناجحة بشكل لا يُثير الدهشة) لوقف انهيار الفقاعة. الطريقة الأخرى هي أنه لا بد أنها كانت مدفوعة للقيام بذلك بسبب المخاوف بشأن الاقتصاد. إذا كانت السلطات قد شعرت بالقلق بما فيه الكافية للمراهنة على مثل هذا الأمل اليائس، فبقية الناس منا ينبغي أن يشعروا بالقلق، أيضاً.

ثم إن هذه ليست الطريقة الوحيدة التي أعطى فيها سلوك السلطات الصينية سبباً للشعور بالقلق. الأخرى كانت القرار الذي اتخذته السلطات لتخفيض قيمة الرينمينبي في الحادي عشر من آب (أغسطس) الجاري. هذا في حد ذاته، أيضاً، حدث غير مهم، مع انخفاض تراكمي لقيمة العملة مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 2.8 في المائة فقط حتى الآن. على أن هذا لديه آثار كبيرة. السلطات الصينية تريد مجالاً لتخفيض أسعار الفائدة، كما حدث يوم الثلاثاء الماضي. مرة أخرى، هذا يؤكد المخاوف بشأن صحة الاقتصاد. هناك أثر محتمل آخر هو أن بكين قد تسعى إلى إحياء النمو المدفوع بالتصدير. أنا أجد من الصعب تصديق هذا، لأن التداعيات العالمية ستكون مُدمّرة.

ويبقى أنه من غير المعقول على الأقل الشعور بالقلق بشأن هذا الاحتمال الذي يُزعزع الاستقرار. وهناك أثر محتمل أخير وهو أن السلطات الصينية تستعد لتحمّل هرب رؤوس الأموال.

إذا كان الأمر كذلك، فإن الولايات المتحدة ستقع في الحفرة التي حفرَتْها لتوقع غيرها فيها. سعت واشنطن إلى تحرير الحساب الرأسمالي من الصين، لكنها قد تضطر إلى تحمّل الأثر قصير الأجل الذي يُزعزع الاستقرار: الرينمينبي الضعيف.

لا بد أن ننظر إلى الأحداث الأخيرة في سياق مصدر قلق أعمق. السؤال هو ما إذا كانت السلطات الصينية ستكون قادرة على تأمين التحوّل من اقتصاد قائم على الاستثمار إلى اقتصاد يُهيمن عليه الاستهلاك، وفي نفس الوقت القدرة على استدامة الطلب الكلي. إذا تمكنت من ذلك، فإن الاقتصاد أيضاً سيُحافظ على نمو يراوح بين 6-7 في المائة. والسؤال هو: ماذا إذا لم تتمكن من ذلك؟ سيظهر تهديد عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

تباطأ اقتصاد الصين بالفعل. الحديث عن "الأمر الطبيعي الجديد" يعترف بهذا الواقع. لكن مؤسسة Consensus Economics جمعت توقعات بديلة للنمو. متوسط هذه التوقعات الجديدة يُظهر أن النمو يبلغ 5.3 في المائة فقط في العام حتى الربع الرابع من عام 2015.

لنفترض أن شيئاً كهذا كان صحيحاً. وفقاً للأرقام الرسمية، فإن الاستثمار الثابت الإجمالي كان بنسبة 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014. أرقام الاستثمار من المرجح أن تكون صحيحة أكثر من أرقام الناتج المحلي الإجمالي.

هل من المنطق الاقتصادي لأي اقتصاد أن يستثمر 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك لا ينمو سوى بنسبة 5 في المائة؟ لا.

هذه البيانات تُشير إلى عوائد هامشية منخفضة للغاية، هذا إن لم تكُن سلبية. إذا كان الأمر كذلك، فيُمكن أن تنخفض الاستثمارات بشكل حاد. وهذا ربما لا يؤدي إلى انخفاض النمو المحتمل، شريطة تخفيض الاستثمارات المُسرفة في المقام الأول، لكنه قد يتسبّب في انخفاض الطلب. كل ما كانت تقوم به السلطات الصينية، يُشير إلى أنها تشعر بالقلق بشأن هذا الأمر، فحسب. هذا القلق بشأن نقص الطلب الكلي ليس بجديد. فقد كان بمثابة مصدر قلق كبير منذ الأزمة المالية في الغرب، التي قامت بتدمير الطلب على الصادرات الصينية. لهذا السبب قامت الصين بعد ذلك بالشروع في الطفرة الاستثمارية التي يُغذّيها الائتمان. بشكل ملحوظ (ومُثير للقلق)، ارتفعت نسبة الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي تماماً مع انخفاض نمو الناتج المحتمل. هذا لم يكُن مزيجاً مُستداماً على المدى الطويل.

هذا الوضع الآن يترك السلطات الصينية مع ثلاث حالات من الصُداع الاقتصادي الضخم. الأول هو تنظيف إرث التجاوزات المالية الماضية، وفي نفس الوقت تجنّب حدوث أزمة مالية. الثاني هو إعادة تشكيل الاقتصاد، بحيث يكون أكثر اعتماداً على الاستهلاك الخاص والعام، وأقل اعتماداً على مستويات الاستثمار العالية للغاية. أما الثالث، فهو تحقيق كل ذلك مع القدرة على استدامة نمو ديناميكي للطلب الكلي.

الأحداث الأخيرة مهمة لأنها تُشير إلى أن السلطات الصينية لم تتوصّل بعد إلى طريقة للتعامل مع هذه التركيبة الثلاثية. الأسوأ من ذلك، الوسائل التي جرّبتها خلال الأعوام السبعة الماضية، جعلت المأزق أسوأ بكثير.

ربما استطاعت السوق إدراك مدى الصعوبة التي سيكون عليها تحقيق هذا الأمر، وبالتالي كيف أن الخيارات التي قد يختارها الصينيون يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار فعلاً.

وهذه تشمل تخفيض قيمة العملة، وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، وحتى برنامج التسهيل الكمي. إذا كانت هذه هي الحال، فإن اضطراب السوق قد لا يكون محض غباء. تخمة المُدخرات العالمية يُمكن أن تُصبح أسوأ. وهذا من شأنه أن يؤثّر في الجميع.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-08-27 )