المحققون الفدراليون لم ينظروا بدور ترامب في هجمات الكونغرس إلا بعد عام

كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير حصري لها عن مقاومة مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) فتح تحقيق بدور الرئيس السابق دونالد ترامب بفتنة 6 كانون الثاني/يناير 2021، ولأكثر من عام. وقالت فيه إن النائب العام ميرك غارلاند اجتمع مع مساعديه بعد ساعات من تعيينه بقاعة مؤتمرات داخل الوزارة لتلقي إحاطة خاصة بشأن التحقيقات في 6 كانون الثاني/يناير.

وقال مايكل شيروين الذي كان مدعيا عاما بالوكالة لمنطقة كولومبيا إنه تم القيام بـ 709 عمليات تفتيش وتوجيه اتهامات لـ 278 من المشاركين في الشغب وتم تحديد حوالي 885 من المشتبه بهم. وكان رد غارلاند وفريقه هو الثناء على الجهود. وقبل ذلك كان شيروين في مركز الأنباء عندما لم يستبعد التحقيق مع ترامب نفسه. وكان مكتب شيروين يتعاون مع أف بي أي لمتابعة كل الجرائم في هجمات الكونغرس. ولكن ما لم يذكره شيروين في عرضه بآذار/مارس هو ترامب أو أي من الذين اتهموا بالتحريض وتنظيم الشغب بدون الحضور إلى الكونغرس، حسب نسخة من الإحاطة التي قدمها لغارلاند في 11 آذار/مارس 2021 وجاءت في 11 صفحة.

وكشف تحقيق لواشنطن بوست عن مضي عام تقريبا قبل أن يبدأ أف بي آي بتحقيق رسمي حول التحركات التي صدرت من البيت الأبيض في محاولة لسرقة نتائج الانتخابات، وحتى ذلك التحقيق لم يوجه مباشرة للتحقيق مع ترامب. وكان من أسباب البطء في التحقيق هو القلق من ظهور المحققين بطريقة متحيزة لطرف والخلافات داخل مكتب فرض القانون حول حجم الأدلة الكافية للتحقيق في أفعال ترامب.

والتزم غارلاند ونائبته ليزا مونيكا بالحذر وركزا على إعادة ثقة الرأي العام بالوزراة، فيما عبر المحققون تحت قيادتهما عن عدم الارتياح وتردد المسؤولين الكبار بالتحقيق في تصرفات ترامب. ولم يتغير الموقف إلا في تشرين الثاني/نوفمبر عندما أعلن ترامب أنه سيترشح للسباق الرئاسي عام 2024 بشكل يجعله المنافس لجو بايدن، وعندها قرر غارلاند تعيين المستشار الخاص جاك سميث للنظر في محاولات ترامب قلب نتائج الانتخابات عام 2020.

وفي 8 حزيران/يونيو توصل تحقيق منفصل سلم إلى سميث إلى توجيه اتهامات لترامب في مسألة إخفاء الوثائق السرية. ووجهت لترامب 31 تهمة بخرق قانون التجسس. وواجهت جهود التحقيق مع الرئيس السابق الكثير من المعوقات منها رفض عملاء أف بي آي مداهمة بيت الرئيس السابق. إلا أن الكشف عن وثائق سرية أدى لتحقيق يتعلق بالأمن القومي وعبد الطريق أمام المحققين، مقارنة مع مهمة بناء حالة جنائية ضد ترامب ومحاولته سرقة نتائج الانتخابات.

وإن كان قرار تورط ترامب بمداهمة الكونغرس كان سيحصل قريبا فهذا أمر غير واضح. وكان التأخير لمعالجة المسألة قد بدأ قبل تأكيد غارلاند بالوزارة. فقد قام شيروين، المسؤول البارز في الوزارة مع بول أبيت، نائب مدير أف بي آي كريستوفر ويري بقتل أي خطة للمحققين بمكتب المدعي العام الأمريكي للتحقيق حول المقربين من ترامب وعلاقتهم بالشغب، واعتبروا المحاولة غير ناضجة. وتبنى غارلاند ومونيكا وويري السياسة، حيث بقوا ملتزمين بها حتى بعد ظهور أدلة عن جهود استمرت أسبوعا من ترامب ومستشاريه قبل 6 كانون الثاني/يناير وممارسة الضغط على وزارة العدل وقادة الولاية ونائب الرئيس مايك بنس لمنع المصادقة في الكونغرس على انتصار بايدن.

فقبل أسابيع من الأحداث تقدم أنصار ترامب بأصوات مزيفة نيابة عنه ولكن الوزارة رفضت التحقيق بها. ولم تتابع الوزارة جهود التحقيق بشكل نشط ولم يفتح إف بي آي تحقيقا إلا في شباط/فبراير 2022 أي بعد 15 شهرا من الشغب. وكان نهج غارلاند نابعا من محاولة طي صفحة الأخطاء في الوزارة النابعة من التحقيق في التدخل الروسي واستخدام هيلاري كلينتون خادما إلكترونيا خاصا وتجنب تهم التحزب. إلا أن الكثيرين اشتكوا من محاولة المدعي العام تجميد أي جهد للتحقيق أبعد الانتباه عن محاولات التحقيق مع الرئيس.

وقال مسؤول سابق “لم تكن تستطيع استخدام كلمة تا” أي ترامب. وقال غارلاند، 70 عاما، إنه سيتبع في التحقيق الحقائق بدءا من الناس على الأرض ثم متابعة الأمر للأعلى. وفي خطاب شارك بكتابته بشكل كبير ألقاه بالذكرى الأولى للهجمات أثنى على جهود الوزارة واعترف بانتقادات الرأي العام. وقال “في ظروف كتلك التي في 6 كانون الثاني/يناير فإن المحاسبة الكاملة لا تحدث فجأة”. وفي رد على سؤال حول ترامب، فقد عبر بنفس ما قاله شيروين من أن القانون سيطال كل من يحاول وبطريقة جنائية التلاعب به ويحاول عرقلة نقل السلطة من إدارة لأخرى.

ولكن البطء في التحقيق له تداعياته، فبعد عدة أشهر على الهجوم لم يحقق المحققون مع أي من مساعدي البيت الأبيض أو شهود العيان الرئيسيين. وقال بيتر زيدنبيرغ المستشار الخاص في البيت الأبيض أثناء فترة جورج دبليو بوش إن على غارلاند ومونيكا التصرف بحذر لأن التحقيق في محاولات رئيس إلغاء نتائج الانتخابات هي قضية جديدة. ولم يكونا يريدان الظهور بمظهر المتحزب. ووجدت وزارة العدل التي كانت في مرحلة انتقالية نفسها مسؤولة عن تحديد آلاف المشاركين في الشغب وبناء قضايا ضدهم. وترك ويليام بار منصبه قبل أسبوعين من الشغب وسط خلافات بينه وبين ترامب، ولم يتول بديله جيفري روزين المنصب إلا لشهر فيما لم يتم التأكيد على غارلاند إلا في 11 آذار/مارس.

أما بديل شيروين الذي اختاره بايدن فلم يتول المنصب إلا بعد 10 أشهر. وظل مدير أف بي آي الذي هدد ترامب أكثر من مرة بعزله بعيدا عن الأضواء بل ولم يزر مكتب واشنطن وتركه الضباط الميدانيين ولمدة 21 شهرا بعد التحقيق. وفي هذه الفترة لم يتلق وير أي إحاطة مفصلة من المدير المساعد المسؤول، ستيفن دانتونا. ونتيجة لهذا فقد تطورت شراكة مهمة بين شيروين ودانتونا في ليلة الهجوم وحددت مسار التحقيق. واتفق الرجلان على اعتقال وملاحقة أكبر قدر من المشتبه بهم لمنع محاولات المصادقة على رئاسة بايدن.

وبعد يومين من الهجمات على الكونغرس بدأ أف بي آي بالإعلان عن اتهامات قصد منها تمرير رسالة، فقد اعتقل المحققون الرجل الذي جلس رافعا رجليه على مكتبة رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي. وفي اليوم التالي اعتقل رجل يرتدي قرونا وعرف باسم “مندوب مبيعات كيو أنون”. وكان الهدف هو تأكيد الثقة بالنظام، حسبما أخبر شيروين مساعديه. ويكشف تحقيق “واشنطن بوست” أن المحققين في شغب 6 كانون الثاني/يناير رفضوا مقترحات لملاحقة علاقة ترامب بمقربين له لأن هذا يعني تغيير مسار التحقيق من أسفل لأعلى والبدء من القمة للقاع.

واشنطن بوست