اللاجئون السوريون يجلبون حظوظا اقتصادية متباينة للريف اللبناني الفقير
لم تكن الأعمال جيدة أبداً مثلما هي اليوم في بقالة أبو حازم الصغيرة. يعود الفضل في ذلك إلى جموع اللاجئين السوريين الذين يأتون إلى هذه البقالة لاستخدام بطاقات الدين الجديدة الممولة من الأمم المتحدة.
لكن في الجهة الأخرى من زاوية الشارع، بقالة سليمان الشرافي فارغة، ويبدو أن المستقبل بالنسبة إليه أقل إشراقاً. يقول وهو يجلس متهاوياً على كرسيه خلف كاونتر المحل: "ما أجنيه من المحل الآن أقل مما كان عليه الحال قبل العقود التي أبرمها برنامج الغذاء العالمي مع أبو حازم. كل السوريين يذهبون إلى هناك، فقط يأتي اللبنانيون إلى محلي الآن، وجميعهم من الفقراء".
أصبح اللاجئون السوريون والمساعدات التي يجلبونها معهم هي المحرك الرئيس للأعمال على طول الحدود اللبنانية الريفية الفقيرة. ويشكل هؤلاء نحو نصف سكان منطقة عكار عند الحدود الشمالية، حيث يعيش أصحاب البقالتين.
بدأت منظمات المساعدة، مثل برنامج الغذاء العالمي، تتحول إلى أسلوب المساعدة النقدية للاجئين، وهي تأمل بذلك في دعم مجموعة من المجتمعات المحلية أيضاً. لكن تبرز هذه البرامج أثر الأزمات الإنسانية المعقدة على اقتصاد يكافح أصلاً للبقاء على قيد الحياة.
وذكر تقرير نشره البنك الدولي أن الصراع في سورية المجاورة، المستمر منذ ثلاث سنوات، كلف اقتصاد لبنان حتى الآن نحو 7.5 مليار دولار. وقال بشير الخوري، وهو باحث اقتصادي مستقل في بيروت، إن ديون لبنان التي كانت من أكبر ديون العالم قبل الأزمة السورية، ترتفع الآن بواقع خمسة أضعاف معدل نموه الاقتصادي تقريبا. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الدين إلى 148 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذه السنة.
ووضع وجود اللاجئين ضغطاً شديداً على الخدمات العامة، مثل المياه والكهرباء والمستشفيات، التي كانت ضعيفة في الأصل قبل الأزمة. ويشهد على ذلك الآن خزان الماء الفارغ في عكار. وقال الخوري: "قلَّت إيرادات الحكومة كثيراً وفي الوقت نفسه تتصاعد النفقات".
ومع ذلك أصبحت بعض الأعمال مستفيدة من مأساة اللاجئين. فقد أصبح التجار يوفرون الغذاء والدواء لأكثر من مليون زبون سوري جديد، وهو ما يعادل أكثر من ربع سكان لبنان.
وقال سامي نادر، الاقتصادي في جامعة القديس يوسف في بيروت: "إنهم يشكلون قوة استهلاكية ويساعدون اقتصاد أطراف البلاد الأكثر عرضة للخطر الآن، مثل المناطق الحدودية الأشد فقراً".
أما بالنسبة إلى 185 بقالة تعاقدت مع برنامج الغذاء العالمي، فإن الأرباح تكون أحياناً مضاعفة. تقف سيارة لاند روفر سوداء جديدة أمام متجر أبو حازم، ويقوم اللاجئون بتكديس أطباق البيض وأكياس الأرز عليها. قال ابن صاحب المحل، حازم: "اعتدنا تحقيق أرباح شهرية صافية في حدود 20 ألف دولار والآن أصبحنا نحصل على ما بين 60 و70 ألف دولار. وأنا أفكر الآن في توسيع العمل".
وتقدم بطاقات برنامج الغذاء العالمي الزرقاء 30 دولاراً لكل لاجئ، تودع باسمه إلكترونياً كل شهر. وهذا المبلغ يمكن استخدامه للمواد الغذائية فقط في البقالات المتعاقدة. وتراقب منظمات محلية التعاملات بواسطة متسوقين "سريين" حتى تتأكد من عدم وجود استغلال يمكن أن يتمثل في رفع الأسعار.
وأصبح القرار بدفع أموال نقدية للمساعدة موضع خلاف في مجتمع المساعدات، الذي اعتاد في السابق على "المساعدات العينية"، وهي عبارة عن منح ملموسة مثل الغذاء والخيام ومراتب النوم. لكن المؤيدين للمساعدة النقدية يقولون إن اللاجئين أنفسهم في الموقع الأفضل الذي يؤهلهم لإنفاق المساعدة بطريقة فعالة.
وقال لاوري شادراوي، المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي: "إن ذلك يعطيهم إحساساً بالسيطرة والعودة إلى المألوف. بعد هروبهم من حرب مرعبة وفقدانهم كل شيء، يرغبون على الأقل في اتخاذ بعض القرارات حول أشياء أساسية في حياتهم".
وفي أثناء ذلك يقول الشرافي غير المتعاقد مع الأمم المتحدة إن دخل بقالته انخفض إلى النصف منذ أن فقد العمال المحليون عملهم عمال يومية لخدمة اللاجئين. ويضيف: "كثيرون منهم يطلبون شراء الطعام بالدين".
ويعتزم برنامج الغذاء العالمي الآن إصدار بطاقات مساعدة نقدية مماثلة للبنانيين الفقراء.
وبحسب نادر، تسبب الاقتصاد اللبناني المتقلص أساساً، في إغلاق 800 مصنع وشركة، أو مغادرة أصحابها البلاد. لكن الآن أخذت الشركات في البقاء بسبب فائض العمالة السورية الرخيصة.
ولا يجد اللاجئون عزاءً في الفرص التي توفرها هذه الشركات، لأن عددهم الكبير يجعل الأجور مستمرة في الانخفاض. وكثير منهم يقولون إنهم يجدون عملاً فقط لعدة أيام في الشهر، وبأجر عشرة دولارات في اليوم.
وتقول وردة غنوم (36 عاماً) التي تعيش في مرآب مع زوجها وستة من أطفالها: "نحن بحاجة ماسة للمال لدفع أجرة السكن. نمضي كل الفترة الصباحية في البحث عن عمل، وعادة لا ننجح في ذلك".
وهي تسعى إلى إعداد وجبة الغداء من بقايا الطعام، من الخبز والبصل والأرز والبيض، مضيفة: "أنا آكل عادة مرة واحدة في اليوم لكي أضمن إبقاء ما يكفي لأطفالي، وبدون بطاقات برنامج الغذاء العالمي لا أعرف كيف كنا سنتدبر أمورنا".
ويقول السوريون إنهم يشعرون بأن أصحاب البيوت هم الأكثر استغلالاً لهم. ويعيش حول عكار مئات من العائلات السورية، مثل السيدة غنوم، في جاراجات وحوانيت غير مكتملة ويدفعون أجرة تقارب 200 دولار في الشهر.
ويحظر لبنان استخدام المخيمات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية، خوفاً من عدم عودة اللاجئين إلى بلادهم. ولذلك يلجأ السكان المحليون لاستئجار أراض للاجئين لتنصب عليها مخيمات خاصة.
تدفع كل عائلة من مجموع 100 عائلة تقيم على أرض بستان زيتون طينية، مبلغ 33 دولاراً في الشهر أجرة لقطعة أرض لنصب خيامهم عليها.
وهم يستقبلون زوارهم في خيام صنعت من أقمشة الإعلانات المشمعة القديمة المزينة بصور برك السباحة والسلع الفاخرة.
وقال فريد، اللاجئ البالغ من العمر 24 عاماً، الذي فضل عدم ذكر اسمه عائلته: "نشتري الخيمة التي تبلغ أبعاها ثلاثة أمتار في خمسة من شباب في البلدة لقاء 100 دولار".
وأضاف: "إنهم يستغلون وضعنا، حتى في الخيام".
( الاقتصادية 21/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews