ميركل لن تخلّص بريطانيا من عفاريت الاتحاد الأوروبي
كانت مارجريت تاتشر على حق. فخلال حملتها لإبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، أعلنت الزعيمة السابقة للمحافظين أن أوروبا فتحت نوافذ على العالم الذي كان خلافاً لذلك سيُغلق مع نهاية الإمبراطورية. ولحماية وتعزيز مصالحها حول العالم، تحتاج بريطانيا إلى سند من السلطة والنفوذ في قارتها هي بالذات. كان هذا قبل 40 عاماً. والآن يقع على عاتق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تقدم الحجة لصالح انخراط بريطانيا.
حجة تاتشر التي عرضتها في مجلس العموم قبل استفتاء عام 1975 حول عضوية الاتحاد الأوروبي، لا تُسمع بما فيه الكفاية من قبل حزب المحافظين اليوم. مناهضو التكامل الأوروبي المتشددون، الذين انتزعوا السيطرة على السياسة الاقتصادية من حكومة ديفيد كاميرون، يهزون قبضتهم في وجه الحقائق الجيوسياسية، متخيلين أن أمتهم الجسورة التي تعيش في جزيرة حين تتحرر من قيود الاتحاد الأوروبي، فإنها ستستعيد دورها الذي تستحقه بوصفها قوة عالمية.
لكن أخذنا منذ الآن نشعر بأثر الأوهام التي من هذا القبيل. كانت هناك لمحة يسيرة من ذلك حين تجمع المحتجون في أوكرانيا في ميدان الاستقلال في كييف لقلب حكومة فيكتور يانوكوفيتش.
قبل عقدين، وهو أمر يُحمَد كثيراً لحكومة جون ميجور، كانت بريطانيا من أقوى أصحاب الجهود التي تبذل لتوسيع ونشر الأمن والديمقراطية على الجانب الشرقي. لكن الجهود التي بُذِلت للتوسط في أوكرانيا وقعت على عاتق ألمانيا وفرنسا وبولندا. أما بريطانيا فكانت على الهامش. إلى هذه الدرجة يضيق التركيز الاستراتيجي غير العادي، حتى أن كاميرون مهتم الآن بعدم السماح بدخول العمال المهاجرين من بلدان الكتلة الشيوعية سابقاً، أكثر من اهتمامه بمساندة أوكرانيا في أن يكون لها مستقبل في أوروبا.
وهذا الأسبوع تم تكريم ميركل بحفل غداء في مقر الحكومة البريطانية، وتناول الشاي مع الملكة في قصر باكنجهام، وفي الأثناء جرى لقاء نادر مع مجلسي البرلمان. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يكون هناك إبراز لزيارة ميركل في مقابل الاستقبال الفاتر الذي لقيه الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، حين زار بريطانيا قبل أسابيع.
دعيت المستشارة الألمانية لعرض حجة بريطانيا التي جعلتها تذوي دون أن تدافع عنها. ويعلم كاميرون جيداً أن ميركل حليف لا غنى عنه، ولم يكن وعده بإعادة التفاوض على أساسيات شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي موثوقاً إلى حد كبير، ومن دون بعض المساندة البلاغية من أقوى زعيم أوروبي ستكون حجته واهية تماماً.
هذه الصورة لم تغب عن ميركل. وقد سُمِع أحد كبار المسؤولين الألمان وهو يقول – بطريقة غير لطيفة – إن لدى ميركل مهمتين أوروبيتين: الأولى إنقاذ اليورو، والأخرى إنقاذ كاميرون من سوء حساباته السياسية. والسؤال المفتوح هو ما إذا كانت لديه الشجاعة لمساعدة نفسه. والعلامات على ذلك غير مشجعة. فقد وسع رئيس الوزراء القناة الفاصلة بين بريطانيا وأوروبا بأن قلب 40 عاماً من السياسة البريطانية تجاه أوروبا. وحتى الآن، حتى حين كانت الحكومات تقف بعيداً عن هذا المشروع أو ذاك في الاتحاد الأوروبي، كانت تصر على أن يكون لبريطانيا دور، لكن كاميرون يترك المقعد خاليا الآن.
وكان يرجو – بشيء من السذاجة – أن يؤدي الوعد بإجراء استفتاء ثان إلى تحويل اتجاه مد المخاوف التي تنتاب المحافظين بشأن أوروبا. لكن العكس كان هو الصحيح، إذ يطالب كثير من المتشككين بتغيير شروط العلاقة التي يعلمون أنه يمكن تحقيقها فقط من خلال المغادرة. وتسمعهم يقولون إن الخطيئة الأصلية هي نقل السيادة في معاهدة روما.
واستعداد ميركل لعرض حجة مضادة بليغة لم يكن موقفاً يقوم تماماً على الإيثار. فبالنسبة لألمانيا، أهم علاقة في أوروبا ستظل دائماً مع فرنسا. ومن دون المحور الفرنسي الألماني، سيتعثر المشروع.
لكن برلين لا تريد اتفاقيات شاملة، وهي تسعى أيضاً إلى حلفاء في الشمال الأوروبي المتحرر من القيود، لذلك بريطانيا هي الخيار الواضح. وتشعر برلين بالقلق أيضاً حيال موقف أوروبا في العالم. ويعرض الوزراء المقربون من ميركل حجة لها دلالتها: ماذا سيكون مصير الهيبة الأوروبية إذا خسر الاتحاد الأوروبي أهم أعضائه، حتى وإن كانوا مزعجين؟
بالتالي تريد ميركل أن تقدم المساعدة. بين السطور، تستطيع أن تقرأ في خطابها أنها ستدعم الإصلاحات التي تعزز القدرة التنافسية للاتحاد وتجعله أكثر توجهاً للخارج. وبعض القواعد حول السياسة الاجتماعية يمكن إعادة بحثها ووضع المكابح على تدخلات الاتحاد الأوروبي في مسائل يفضل أن تُترَك لحكومات البلدان. ويمكن توفير الحماية إلى البلدان التي تظل خارج منطقة اليورو. لكن هناك حدود لذلك. لن تقبل ميركل تغيير المعاهدات، أو إعطاء إعفاءات إلى بريطانيا من شأنها أن تهدد النسيج الأساسي للاتحاد. ومن جانبه، لا يجرؤ كاميرون على تقديم مطالبه دون أي دقة، خوفاً من أن ذلك سيدفع بالمتشككين في حزبه إلى رفضها باعتبار أنها غير مناسبة. لذلك حتى في الوقت الذي تطلب فيه ميركل من بريطانيا أن تبقى في الاتحاد، على نحو يكرر حجج تاتشر حول النفوذ في العالم الأوسع، تعد المستشارة خططاً ضد إمكانية أن تغادر بريطانيا. وكانت المسيرات في كييف علامة على ما سيحدث فيما بعد: بدأت بولندا تبدو البديل الطبيعي لبريطانيا بوصفها الحليف الشمالي لألمانيا.
وهناك أسباب كثيرة تفسر كيف شعرت بريطانيا بعدم الارتياح في الاتحاد الأوروبي – وعلى حد تعبير اللورد باتين، الوزير السابق في حكومة المحافظين والمفوض الأوروبي، السبب في أن بريطانيا من حيث الواقع لم تكن أبداً "عضواً في أوروبا"، إذ لعبت الثقافة السياسية، والجغرافيا، والتاريخ الاستعماري، دورا في ذلك.
لكن أكثر ما يثير غضب الذين يجرجرون بريطانيا نحو الخروج هو فكرة العضوية في ناد لا تقوده بريطانيا. وقبل عدة سنوات أصاب إدوارد ستيتينيوس، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، كبد الحقيقة حين كتب إلى الرئيس فرانكلين روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية، إياك أن تقلل من الصعوبة التي يواجهها رجل إنجليزي من حيث التكيف مع دور ثانوي بعد أن اعتبر لفترة طويلة أن القيادة هي من الحقوق الوطنية. وكما يقولون في أوروبا، كلما تغيرت الأمور، بقيت على حالها.
( فايننشال تايمز 1/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews