سياسات الطاقة .. محاولة التأقلم مع وفرة النفط والغاز
دخلت صناعة النفط والغاز العالمية عام 2014 في حالة قوية من الازدهار والتعافي، الطفرة في إنتاج النفط والغاز من الموارد غير التقليدية في أمريكا الشمالية وضعت حدا لأي حديث متبق عن "ذروة النفط"، وتحول الاهتمام الآن إلى ما إذا كان بالإمكان تعميم تجربة الولايات المتحدة في إنتاج النفط والغاز من الصخر الزيتي إلى باقي بلدان العالم الغنية بهذه الموارد، لكن الصناعة النفطية ما زالت تحاول معرفة كيفية التوفيق بين هذا العصر الجديد من وفرة الموارد البترولية مع رغبة الحكومات وواضعي سياسات الطاقة والبيئة، الذين يشعرون بالقلق إزاء قضية تغير المناخ وأمن الطاقة، ويعملون نحو مستقبل منخفض الكربون.
قبل بضع سنوات، بدا للجميع كما لو أن أسواق الطاقة ستتكفل بهذا التحول في هذه المرحلة الانتقالية، حيث كانت أسعار النفط العالمية في ارتفاع مستمر، والكثير يتحدث عن شح في الموارد النفطية وقرب وصول الإنتاج العالمي إلى ذروته، ما خلق بيئة اقتصادية قوية وظروفا ملائمة لإيجاد مصادر بديلة للطاقة أكثر استدامة. لكن الآن الأمور تبدو مختلفة تماما. الفترة التي شهدت ارتفاعا مطردا في أسعار النفط بين عامي 2004 و2008 دفعت الكثير من المستهلكين إلى الحديث عن العثور على بدائل للنفط أرخص، في الوقت نفسه دفع الكثير من منتجي النفط والغاز إلى تطوير موارد جديدة، وجلب المزيد من الإمدادات إلى الأسواق، بما في ذلك تطوير موارد كانت في السابق تعتبر غير مجدية من الناحيتين الفنية والاقتصادية.
كانت النتيجة ظهور مجموعة من مصادر الإمدادات الفعلية والمحتملة في أماكن مختلفة من العالم مثل أمريكا الشمالية، إفريقيا، البرازيل وغيرها. كما أن الأزمة المالية والركود الاقتصادي العالمي الذي أعقبها في عامي 2008 و2009 خففا أيضا من نمو الطلب العالمي على النفط، وأديا إلى الاعتدال في أسعار النفط، على الرغم من أن الأسعار لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل عام 2004، إلا أنها استقرت بين 100 و110 دولارات للبرميل، ويبدو من غير المرجح الآن أن تعود الأسعار إلى المستويات السابقة لأي فترة طويلة.
وهكذا ضعفت الحجة الاقتصادية في الانتقال إلى عالم منخفض الكربون بعيدا عن مصادر الوقود الأحفوري، أسعار النفط على ما يبدو لم تعد ترتفع بشكل مطرد وبصورة مشابهة لما حدث في عام 2008، لكنها لا تزال مرتفعة بما يكفي لتشجيع الإنتاج من المصادر غير التقليدية ولقمع المخاوف بشأن ندرة أو شح الموارد الطبيعية. لكن الحجج البيئية لا تزال هي نفسها، إن لم تكن أقوى من السابق، نظرا لتوقع وصول إمدادات إضافية من الوقود الأحفوري إلى الأسواق العالمية.
عدد كبير من المنظمات المعنية بالطاقة والبيئة، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية، تحذر من أن فقط ثلث إلى نصف احتياطيات الوقود الأحفوري المؤكدة حاليا يجب أن تستهلك إذا ما أراد العالم إبقاء الحد الأقصى للاحتباس الحراري العالمي عند درجتين مئويتين. لا يزال أمن إمدادات الطاقة المحرك الآخر، على الرغم من أن في الولايات المتحدة تحقيق الهدف الطويل الأمد المتمثل في الحد من الاعتماد على النفط المستورد يتم بصورة كبيرة من خلال الزيادة الكبيرة الأخيرة وغير المتوقعة في إنتاج النفط المحلي، أيضا من خلال تعزيز كفاءة المركبات ومصادر الطاقة البديلة مثل أنواع الوقود الحيوي.
كل هذا يترك الاستجابة العالمية لقضية تغير المناخ بصورة رئيسة في أيدي الحكومات وصناع القرار، بدلا من آلية السوق. الركود الاقتصادي والآثار المترتبة على كارثة فوكوشيما النووية التي ضربت اليابان في عام 2011 عصفت بقضية تغير المناخ، والحكومات لا تزال تتلمس خطاها لرسم طريقها إلى الأمام. الصين، التي تعتبر في الوقت الحاضر أكبر ملوث للبيئة في العالم، على ما يبدو جادة في معالجة ارتفاع انبعاثات الكربون، وتقوم بتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، الطاقة النووية والغاز الطبيعي للتعويض عن الفحم في مجال توليد الطاقة الكهربائية. في الولايات المتحدة، حيث الانبعاثات تنخفض، تحاول الإدارة الحالية الآن تشجيع إنتاج النفط والغاز المحلي وقبول الغاز كوقود انتقالي، في الوقت نفسه لا تزال تتبع سياسات البيئة.
في قطاع النقل والمواصلات، لا يزال النفط يواجه بعض التجاوزات من قبل بدائل مثل الغاز الطبيعي والوقود الحيوي، السيارات الكهربائية وعلى المدى الطويل من قبل خلايا وقود الهيدروجين، حيث إن سياسات الحكومات تقوم بالترويج لجميع هذه البدائل. لكن التحدي الأكبر على النفط من المتوقع أن يأتي عن طريق تحسين كفاءة السيارات التي يتم الترويج لها في الولايات المتحدة، أوروبا، الصين وغيرها.
في مجال توليد الطاقة الكهربائية، تعتبر عملية إزالة الكربون أسهل في هذا القطاع، حيث إن الغاز الطبيعي الأقل تلوثا يحل محل الفحم في الولايات المتحدة، وهذا الاتجاه يتم تعزيزه بلوائح وقوانين جديدة، لكن في أوروبا ما زال الغاز يكافح ضد الفحم رخيص الثمن القادم من الولايات المتحدة والنمو السريع للطاقة المتجددة المدعومة بقوة من قبل الحكومات، على الرغم من أن هذا الدعم بدأ يشكل عبئا على الاقتصاد الأوروبي.
( الاقتصادية 20/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews