هبوط الذهب يُضعف مكانته مخزنا للقيمة

إليكم نشاطاً لضعاف القلوب والأنانيين: اقرأوا ما كان يقوله المحللون عن الذهب قبل عام.

في الاستبيان السنوي لجمعية سوق لندن لسبائك الذهب، جميعهم تقريباً اعتقدوا أن المعدن الأصفر سيرتفع في عام 2013. حتى المحللين الأكثر تحفظاً رأوا فقط انخفاضات صغيرة. وقال جوني تيفيز، من بنك يو بي إس، في وجهة نظر يشاركه فيها كثير من المحللين: "لا نزال نتوقع تصاعدا في أسعار الذهب". وأصدر المحللون توقعات بأن يكون متوسط سعر الأونصة 1753 دولاراً.

بدلاً من ذلك، بلغ متوسط سعر الذهب 1411 دولاراً، معانياً بذلك أول انخفاض سنوي منذ 13 عاماً وأسوأ سنة له منذ عام 1981. وبحلول عشية رأس السنة الجديدة انخفض السعر إلى 1202 دولار.

وهذا الانهيار في سعر المعدن النفيس أضر بسمعته مخزناً للقيمة. لكن كثيراً من العوامل التي رأى المحللون أن لها أهمية بالنسبة للسوق تحققت. والدرس المستفاد من ذلك هو أن من الممكن معرفة السياق الصحيح، ومع ذلك تكون مخطئاً تماماً فيما يتعلق بالسعر.

الذهب يعتمد، ربما أكثر من غيره من الأصول، على معنويات السوق. وبالنسبة للسلعة التي يتم اقتناؤها، وليس استهلاكها، فإن للتصورات والمواقف أهمية قصوى. يقول جيفري كريستيان، الشريك المنتدب لمجموعة CPM، وهي شركة لاستشارات السلع: "أسعار الذهب على ما هي عليه بسبب ما يؤمن به المستثمرون".

وبينما يبحث المحللون عن تفسيرات منطقية لتحركات الذهب، يُعتبر المستثمرون القوة الدافعة لهذه التحركات، لأنهم يقومون بشراء وبيع سبائك الذهب، أو قطع العملة الذهبية، أو الصناديق المدرجة في البورصة والمدعومة بالذهب. وليست هذه هي الحال بالنسبة للسلع الأخرى، حيث يتجنب المضاربون عموماً امتلاك الكميات الفعلية. بالتالي، عملية تخمين أسعار الذهب في المستقبل هي إلى حد كبير التكهن بما يؤمن به المستثمرون، بقدر ما تتعلق بقياس تكاليف الإنتاج المستخرج، أو القيود المفروضة على الاستيراد في الهند.

وظن المحللون - أو ظنوا أن المستثمرين سيعتقدون – أن برامج التحفيز النقدي التي أطلقتها البنوك المركزية من شأنها أن تؤدي إلى تآكل قيمة العملات، ما يجعل الأصول الصلبة مثل الذهب أكثر قيمة. وحين شرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أول جولتين له من التسهيل الكمي في عامي 2008 و2010 ارتفع الذهب على قدم وساق. وكان من المنطقي أن تكون الجولة الثالثة حتى أكثر ارتفاعاً بالأسعار.

وفي الاستبيان السنوي لجمعية سوق لندن لسبائك الذهب في كانون الثاني (يناير) الماضي، قال جيمس ستيل، المحلل في بنك HSBC: "ينبغي للذهب أن يستمد الدعم من السياسات النقدية التسهيلية الجارية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى". لكن عندما أطلق البنك الجولة الثالثة من التسهيل الكمي في أيلول (سبتمبر) 2012، كان الذهب أصلاً متقدماً سنة في أعلى ارتفاع له، ثم توجه نحو الهبوط. وبرنامج التحفيز النشط في اليابان، في عهد شينزو آبي، فشل أيضا في إيقاف عملية الهبوط.

وتضررت أسعار الذهب بالفعل قبل أن يضع بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الخطوط العريضة لأفكاره حول كيفية إبطاء الجولة الثالثة من التسهيل الكمي. وعندما وافق مجلس البنك في النهاية على برنامج الانسحاب التدريجي في الشهر الماضي، اقترن إعلانه مع الالتزام باستمرار أسعار الفائدة منخفضة. ومن الناحية النظرية كان يمكن لهذا أن يعزز من أسعار الذهب، لكنه لم يفعل.

ويقول تروي جايِسكي، الشريك في سكاي بريدج كابيتال، وهو صندوق لصناديق التحوط قيمته تسعة مليارات دولار أنهى تعاملاته في الذهب في أواخر عام 2011: "يمكن أن يكون الذهب منفصلاً تماماً عن الواقع".

وكان أكبر عامل يقود أسعار الذهب في العام الماضي هو سلوك المستثمرين. وقد استجاب بعضهم بالتأكيد إلى سياسات وعوامل البنك المركزي، مثل تزايد مبيعات الحُلي في الصين. وبعض آخر كان "تكتيكياً" يطارد القوة الدافعة طالما كانت موجودة. ومن الواضح أن حقيقة أن أسواق الأسهم ارتفعت بمقدار انخفاض أسعار الذهب العام الماضي خيبت أمل بعض ممن هم أقل التزاماً.

ووفقاً لمجموعة CPM، انخفض الطلب الاستثماري على الذهب 25 في المائة العام الماضي. والصناديق المتداولة في البورصة، التي تحافظ على الذهب في خزائنها نيابة عن المستثمرين، تخلصت من 30 مليون أونصة تقريباً، من ذروة بلغت 84.6 مليون أونصة في نهاية عام 2012، حسبما تظهر بيانات بلومبيرج. وبمجرد أن بدأ المستثمرون تفريغ مكنوزهم، أصبح موضوع أسعار الذهب نبوءة تتحقق ذاتياً. ولم تصدر جمعية سوق لندن لسبائك الذهب نتائج استبيان 2014 حتى الآن. لكن بشكل فردي، يبدو أن المحللين حذرون جداً هذه المرة. ويرى بنك باركليز أن متوسط الذهب سيبلغ 1310 دولارات. وقال البنك الشهر الماضي: "نحن ما زلنا نعتقد أن متاعب الذهب من المرجح أنها آخذة في التجمع أكثر. ومن المرجح أن معنويات المستثمرين ستجد مشقة في سعيها من أجل تغيير المسار".

والمؤمنون بالسوق الصاعدة في الذهب ومديرو الصناديق التي تلبي احتياجاتهم، يمكنهم فقط عقد الأمل الوحيد الذي مفاده أن المحللين مخطئون الآن مثلما كانوا مخطئين قبل عام.

ويقول مايكل مكجلون، مدير الأبحاث لمنطقة الولايات المتحدة في ETF للأوراق المالية، التي تعرض صناديق لحيازة الذهب والمعادن الأخرى "عدد قليل جداً جداً من المحللين يتوقعون تصاعد أسعار الذهب، أو هبوط الأسهم. لم يكن هذا بالتأكيد هو الحال في مثل هذا الوقت من العام الماضي. إن الحجة المعاكسة تعتبر قوية جداً الآن بالنسبة للذهب".

( المصدر : فاينانشل تايمز 7/1/2014 )