انفراج العلاقة الأمريكية - الإيرانية يمكن أن يغير قواعد اللعبة
لا تزال نتائج الصفقة الأمريكية الروسية "التي جاءت من باب الصدفة تقريباً" حول أسلحة سورية الكيماوية - التي أصبحت ممكنة نتيجة لاستخدام نظام الأسد الغازات ضد شعبه أمام أنظار العالم - غير معروفة نهائياً. ولا تزال واشنطن وموسكو منقسمتين حول ما سيحدث إذا لم يسلم بشار الأسد كل ترسانته من الغازات السامة، حتى في الوقت الذي يعطي فيه شروطا يومية للالتزام بأمر لم يصدر بصورة تتسم بالمصداقية.
وعلى الرغم من ذلك تم تسويق هذه الاتفاقية المبهمة على أنها نقطة انطلاق للحصول على صفقة ناجحة مع حليفة سورية، إيران، لاحتواء طموحاتها النووية. وسورية هي الجبهة الأمامية لمعركة سُنية شيعية في العالم الإسلامي. وعلى هذه الأرض تدور رحى معركة تشنها إيران الفارسية ذات الغالبية الشيعية ضد السنة من العرب وتركيا. وما يحدث مع إيران سيؤثر في ميزان القوة في الشرق الأوسط.
وتبادل باراك أوباما رسائل مغرية مع حسن روحاني، الرئيس الإيراني المنتخب الذي وصف كلمات الرئيس الأمريكي بأنها خطوات دقيقة وصغيرة باتجاه مستقبل مهم جداً للعلاقات بين البلدين. والنبرة الناعمة لروحاني التي يبدو أنها حصلت على دعم علي خامنئي، القائد الأعلى المتصلب لإيران، أحدثت بعض التحركات المتواضعة، مثل إطلاق سجناء سياسيين وتعيين مساعدين موثوق بهم. مثلا، كان محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، سفيرا لإيران لدى الأمم المتحدة، وعلي شامكاني، رئيس الأمن القومي، وزيرا للدفاع تحت قيادة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي قدم في عام 2003 للولايات المتحدة "صفقة عظمى" لتسوية جميع الخلافات، بدءا من الموقف من البرنامج النووي إلى الإرهاب.
لكن العرض قوبل بازدراء من جانب الرئيس جورج بوش، المنتفخ بإطاحة صدام حسين، الذي كانت نتيجته زيادة كبيرة في نفوذ إيران في العراق، وهو بلد تسكنه أغلبية شيعية ويقع في منطقة غالبيتها من السنة. فهل سيكون مصير هذه المداعبة أفضل من سابقتها؟ سيحتاج التقدم في العلاقات بين أمريكا وإيران إلى إزالة أكوام ضخمة من الشحناء تفصل بينهما. فقد ترك التاريخ على نفسية هاتين الأمتين الفخورتين بنفسيهما والمختلفتين عن بعضهما ندوباً لا تندمل من الغضب.
ففي عام 1953 ساعدت الولايات المتحدة "معها المملكة المتحدة" على إسقاط حكومة منتخبة للحفاظ على هيمنتها على نفط إيران، ثم صمتت عندما أقدم العراق على استخدام الغاز ضد مئات الآلاف من الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت خلال الفترة 1980 - 1988.
ومن جانبها، أذلت إيران الولايات المتحدة عندما استولت على سفارتها في طهران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، واستخدمت وكلاء لها لنسف السفارة الأمريكية في لبنان وتفجير مقر البحرية الأمريكية هناك عام 1983، ما دفع الولايات المتحدة إلى الخروج، وكذلك توريط الولايات المتحدة في تعقيدات قضية إيران - كونترا الفاشلة. وقد وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين ذلك بقوله إن أوباما يريد أن يقول "دعونا نعتبر أن النتيجة متعادلة".
أما بالنسبة لخامنئي فقد أخبر جهابذة حكومته الدينية، وهم حراس الثورة، أن الوقت قد حان لإظهار "مرونة بطولية" في المعركة الدبلوماسية المقبلة التي ستبدأ في نيويورك اليوم بخطابات يلقيها كل من أوباما وروحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحيث يمكن أن تجري ترتيبات للقائهما. وإذا حدث ذلك، كما أخبر روحاني محطة إن بي سي في الأسبوع الماضي "فلن تكون المشكلة من جانبنا. لدينا مساحة سياسية كافية نستطيع من خلالها حل هذه المشكلة". وربما كان مصيباً في رأيه.
لكن لن تصبح سورية فجأة عرضاً هامشياً. ومن غير المرجح أن يسلم نظام الأسد كل أسلحته الكيماوية، وهو العالق بمعركة بقاء لن يستطيع كسبها في نهاية الأمر. وربما يكون على إيران وروسيا أن تتخليا عن الأسد، لأن البديل عن ذلك هو الارتباط بنظام قريب من ممارسة الإبادة الجماعية. وأكثر من ذلك تستنزف سورية إيران التي تعاني من عقوبات اقتصادية تكلفها نحو تسعة مليارات دولار سنوياً، حسب أحد قادة الأمن العرب. كذلك وحشية نظام الأسد تطمس رواية إيران القائلة إن إيران وحلفاءها، مثل حزب الله اللبناني شبه العسكري، هم وحدهم القادرون على حماية الأقليات، سواء كانوا مسيحيين أو شيعة، من الجهاديين المُلهمين بمذاهب متشددة جاءت من جهات أخرى.
وسيكون على أوباما أن يُقنع إسرائيل وأطرافا أخرى من بينها حليفته في الناتو، تركيا، بأن عليهم البحث في السلام مع إيران، وهي الدولة والنظام اللذين تعتبرهما هذه الجهات منافساً لها.
وتنظر إسرائيل، القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، إلى إيران التي تمتلك قدرة تكنولوجية على صنع قنبلة نووية، على أنها تحدٍ لسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط. وألمح بنيامين نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون في الحكومة إلى أن تردد أوباما في استخدام القوة ضد سورية بعد هجمات الشهر الماضي بالأسلحة الكيماوية قرب دمشق يعني أنه سيضعف أمام إيران. وفي ضوء ذلك، فإن سورية التي هي أبعد ما يكون عن كونها مجرد نقطة انطلاق لاتفاقيات أوسع، قد تكون سبباً يدفع إسرائيل لمهاجمة إيران.
وحتى تنجح عملية الانفراج مع إيران، هناك ثلاث أفكار يجب الأخذ بها. أولها، الإيرانيون من أكثر الناس غريزياً تأييداً لأمريكا في الشرق الأوسط "حتى أكثر من الإسرائيليين". ثانياً، يمكن أن يطرأ تحسن في كثير من أسوأ مشكلات الشرق الأوسط، على الأقل إذا توقفت إيران عن التدخل، في سورية طبعاً، ولكن كذلك في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان. ثالثاً، ستزيد الحرب، إن نشبت، كل هذه الصراعات سوءاً على نحو لا رجاء فيه، وستعرض المنطقة لهزة قاتلة، وهي منطقة قريبة أصلاً من حدود الفوضى والاضطراب.
وفي النهاية، يعتمد الحل على ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها سيسمحون لإيران بتخصيب اليورانيوم تحت رقابة دولية صارمة -وماذا سيفعلون إذا رفضت إسرائيل. لكن لا يوجد لدى أي طرف منهم شك في أن إيران هي لاعب حقيقي في المنطقة.
( المصدر : فاينانشال تايمز 25/9/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews