القطاع الخاص .. وبرنامج التحول الاقتصادي
تظل الغرف التجارية الصناعية مخفقة إداريا وقانونيا إذا لم تتجه إلى تجديد نفسها وتطوير أنظمتها الإدارية التي أكل الزمان عليها وشرب وتأخذ بأحدث ما توصلت إليه العلوم الإدارية من نظريات ومداخل.
ونؤكد أن الغرف لا تستطيع أن تواكب التطورات الاقتصادية والإدارية التي سوف يأخذ بها مشروع التحول الاقتصادي إلا إذا قامت بتطوير وتجديد نفسها بما يتلاءم مع التطورات التي سيحدثها برنامج التحول الاقتصادي.
مثلا لا تستطيع الغرف أن تتعامل مع مستحقات التحول الاقتصادي طالما ظل الحرس القديم في الغرف التجارية يهيمن على مقدرات مجالس إدارات الغرف التجارية.
يجب أن يدرك القطاع الخاص أن الحكومة ستخوض اعتبارا من الغد كما أعلن ذلك الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز معركة تجديد نفسها من أجل تنفيذ مستحقات مشاريع التحول الاقتصادي الهادف إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول كمصدر وحيد، وهو المنهج العتيق الذي ظللنا نعتمد عليه لما ينوف على أكثر من نصف قرن.
لذلك يعد مشروع التحول الاقتصادي بمنزلة تطوير وتغيير شامل في وظائف المؤسسات الحكومية وسيطول بالضرورة مؤسسات القطاع الخاص، بل سيكون للقطاع الخاص دور جد مهم وكبير لتنفيذ برامج التحول الاقتصادي.
وأحسب أن الجميع يدرك أن القطاع الخاص هو جزء لا يتجزأ من منظومة الدولة، وواجبه أن يقوم بتطوير وتجديد نفسه حتى يواكب المستجدات، إذ من غير الممكن أن تتجه الحكومة إلى تجديد نفسها، بينما يظل القطاع الخاص محكوما بأغلال الحرس القديم، والمقصود بالحرس القديم هم مجالس الإدارات التي ظلت متمسكة بالكراسي منذ سنوات طويلة.
لذلك فإن المطلوب من القطاع الخاص أن يتجه إلى تغيير نفسه أسوة بما تفعله الحكومة للدخول في مرحلة جديدة من مراحل تطوير الاقتصاد الوطني، أي يجب على الغرف التجارية أن تفتح المجال أمام الأجيال الشابة الجديدة كي تدخل التشكيلات الجديدة لمجالس الإدارات.
في الأسبوع الماضي أعلنت الغرفة التجارية الصناعية في جدة انتخابات جديدة لانتخاب مجلس إدارة جديد للغرفة، ومع الإعلان تعالت أصوات المجلس القائم باتخاذ جميع الترتيبات لكسب جولة إعادة انتخاب المجلس لفترة ربما ثالثة أو رابعة، وكأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
ونعرف جميعا أن مجالس إدارات الغرف القائمة تستغل مواقعها في السلطة وتستخدم الإمكانات المتاحة لها من أجل إعادة انتخابها، بينما الكفاءات الراغبة في الترشح من خارج السلطة فإنها تفتقد كثيرا من المعلومات والإمكانات التي تساعدها على كسب مزيد من الأصوات.
ومع الأسف الشديد فإن ظاهرة حرص مجالس الإدارات في كل مؤسسات القطاع الخاص على استغلال مواقعها واستخدام كل الوسائل المساعدة لإعادة انتخابها باتت ظاهرة منتشرة في كل مؤسسات المال والأعمال، ولذلك فإن السماح لدخول عناصر جديدة أو دماء جديدة إلى مجالس الإدارات القائمة أصبح أمرا بالغ الصعوبة.
وطبعا إذا استطاع مجلس الإدارة أن يستحوذ على الاختصاصات، فإنه سيؤسس لبقائه لكل الفترات المقبلة، وما يقال عن انتخابات مجلس إدارة جديد يعد ضربا من العبث، لأن مجلس الإدارة الذي يمتلك سلطة أعماله هو المجلس الذي يمتلك سلطة استمراره!
أما ما يقال إن الجمعية العمومية تقوم ـــ وفقا لمبادئ الحوكمة ـــ بوظيفة المراقبة والمحاسبة والتوجيه لمجلس الإدارة، فهذه الوظائف المحترمة تتاح لمن يمارس اختصاصاته وتتوافر أمامه فرص تجديد دماء أعضاء مجلس الإدارة بصورة شفافة ونزيهة، أما الاستفراد بكراسي المجلس لفئة بعينها ولمدد طويلة لا محدودة، فإن وظائف الشفافية والمساءلة والنزاهة والإفصاح ستغيب إلى الأبد!
إن علوم الإدارة الحديثة تدعو الشركات والمؤسسات إلى تطبيق سلسلة من المشاريع الإصلاحية لعلاج مثل هذه الأوضاع، ومن أهم المداخل المتداولة في الإصلاح الإداري مشاريع إعادة الهيكلة، والمشاريع الناجحة في إعادة الهيكلة هي المشاريع التي تبدأ بالتغيير من القمة حتى القاعدة، بمعنى إذا أردنا أن نجري إصلاحا إداريا، فإنه يتعين علينا تغيير الإدارة في مستوياتها الرئيسة والفرعية وتهيئة المؤسسة لمناخ جديد من الإبداع والابتكار والحلول غير التقليدية التي تجدد روحها وتحقق لها مزيدا من فرص العطاء والأداء الجيد.
وبنظرة فاحصة لنظام الشركات ونظام الغرف التجارية، فإن مجلس الإدارة هو سلطة تنفيذية متغيرة وليست قائمة ودائمة، أي أن مجلس الإدارة مفوض من قبل المساهمين لإدارة الشركة لفترة معينة قابلة للتجديد والتغيير وليس تفويضا أبديا، ومن حق أي مساهم أن يسأل ما شاء من أسئلة تتعلق بإدارة الشركة ومستقبلها، وواجب مجلس الإدارة أن يجيب بأعلى درجات الصدق والشفافية عن كل الأسئلة دون ضجر أو ململة، بل من حق كل مساهم أن يطلع على كل سجلات الشركة ولا توجد أسرار على العضو المساهم، فالشركة ملك كل المساهمين، ومن حق المساهمين أن يعرفوا كل صغيرة وكبيرة عن الشركة التي يملكونها.
الخلاصة إن الدولة وهي تخوض مرحلة تجديد دمائها والبحث عن سبل تنويع مصادر دخلها عبر مشروع التحول الاقتصادي في أمس الحاجة إلى قطاع خاص قوي وليس قطاعا يعاني ضعفا.
لذلك على كاهل القطاع الخاص أدوار غاية في الأهمية، فمؤسسات الدولة وحدها لا تستطيع أن تحقق التحول الاقتصادي، وإنما جزء كبير من مشاريع التحول الاقتصادي يقع على كاهل القطاع الخاص.
أقول باختصار إن نجاح مشاريع وبرامج التحول الاقتصادي مرهون بنجاح القطاع الخاص في أداء المهام الموكلة إليه، لاسيما أن برامج الخصخصة هي أحد البرامج المهمة في مشاريع التحول الاقتصادي.
(المصدر: الاقتصادية 2016-04-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews