أوري أليتسور في معاريف : الحل الأمثل دولة ثنائية القومية من النهر إلى البحر
جي بي سي - : في هذا المقال لاوري اليتسور في معاريف ، يرى الكاتب انه يجب الشروع بالتفكير بشكل إبداعي في مسألة كيف تستوعب إسرائيل مليون ونصف المليون فلسطيني آخر، بحيث تبقى دولة الشعب اليهودي دولة ديمقراطية. هذا ممكن. هذا النهج، الذي لا يتجاهل سكان "يهودا" و"السامرة" العرب، ( يقصد طبعا الضفة الغربية ) لا يعكس اليوم الروح في أوساط معظم الجمهور الإسرائيلي، ولكنه مثير للاهتمام، نعم، ومثير لنقاش جوهري.
وبنهج اليتسور توجد ثلاثة طرق لحل النزاع. الأول هو دولة فلسطينية مسلحة ومعادية في حدود 67، مع كاتيوشا تهدد بيتح تكفا. والثاني هو إبقاء الوضع القائم على حاله، في الطريق إلى الابرتهايد. والطريق الثالث هو ضم "يهودا" و"السامرة"، دون الوصول إلى دولة ثنائية القومية. وحسب اليتسور، فان هذا هو الطريق "الأقل استحالة". ولماذا دولة الضم أفضل من الأخرى؟ حسب نهج اليتسور، "إذا كنا أقوياء بما فيه الكفاية للتصدي لدولة فلسطينية ومصائبها، فنحن بالتأكيد أقوياء بما فيه الكفاية للتصدي لعشرين نائبا عربيا فلسطينيا، بل ثلاثين".
اوري اليتسور يقول إن إسرائيل لم تحقق السلام لا مع السكان المصريين ولا مع السكان الأردنيين. "السكان العرب الوحيدون الذين صنعنا معهم السلام الحقيقي هم سكان "عرب إسرائيل". السبيل الوحيد لصنع السلام الحقيقي مع السكان الفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة" هو جعلهم هم أيضا "عرب إسرائيل".
وفيما يلي تقرير المقال:
شرفٌ لي أن أدير من على هذه الصفحات نزالاً سياسيا أيديولوجيا مع بن – درور يميني، الرجل المستقيم والحاد والمحب للخير لإسرائيل. ولعله بذلك يكون أيضا ردا جزئيا لعشرات القراء والمعقبين الذين علقوا على اقتراحي للضم، عبر البريد العادي والالكتروني، بالمقالات وبالتعليقات، في هذه الصحيفة وفي صحف أخرى، ولم يكن بوسعي أن أرد عليهم جميعا. ولكن في البداية لا بد من مقدمة صغيرة.
قبل نحو ثلاثين سنة زار عاموس عوز عوفرا، وأدار مع المستوطنين حوارا، أو إن شئتم نزالا، كان مشوقا ومثيراً للاهتمام في حينه. كأساس للنقاش طلب الضيف أن نتفق معه على الأقل في شيء واحد: أنه ليس أقل صهيونية منا. نهضت وعرضت عليه صفقة متبادلة. هيا نتفق على أنني لست أكثر صهيونية منك، وأنت لست سوي العقل أكثر مني. فكر عوز لثانيتين وقال إنه لا يوافق. لا توجد صفقة. سنوات عديدة مرت منذئذ وملايين الكلمات سكبت. وتطور "غير السوي" إلى "غريب الأطوار" و"هاذٍ"، أما "اللا صهيوني" فتطور إلى "اللا يهودي" و"الخائن"، وأصبح الجدال أكثر فأكثر صخبا وأقل فأقل إثارة للاهتمام. وأنا لا أزال اقترح الصفقة الأساسية ذاتها التي دونها لا يوجد نقاش حقيقي: لست أكثر صهيونية منك، وأنت لست أكثر سواءً للعقل مني. أنا لست أكثر يهودية منك، وأنت لست أكثر ديمقراطية مني. عندي ما يمكن أن أتعلمه منك، وعندك ما يمكن أن تتعلمه مني. الوضع على ما يكفي من التعقيد كي نعترف بان أحدا منا ليس لديه حل سحري.
لم أرغب، وأنا لا أعتزم أيضا، الانجرار إلى حرب الأعداد. فالجدال حول الأعداد يجري بصراخ عال منذ بضع سنوات، وفي أساسه حقيقة لا ينبغي التنكر لها في أنه بين المنشورات الرسمية للفلسطينيين أنفسهم توجد تناقضات جوهرية، وعلى أي حال يوجد سؤال كم من الثقة يمكن منحها لمنشورات مكتب الإحصاء الفلسطيني. وعليه، فمن غير العادل جداً القول إني آخذ لنفسي "إعفاء من الحقائق" بسبب وجود وثيقة فلسطينية واحدة تتناقض وأقوالي.
النظرية مقابل الواقع
التقرير الدوري للجنة الانتخابات الفلسطينية، مثل موت محمد الدرة، ليس حقيقة بل في أقصى الأحوال ادعاء. لن أدخل هنا في كل ما فيه من إشكالية، وسأقول فقط انه في السلطة الفلسطينية لا توجد انتخابات بشكل منتظم، وفي هذه اللحظة لا تلوح حملة انتخابات في الأفق، وعليه فمن الأدق الاستناد إلى معطيات الانتخابات التي جرت عمليا والى عدد الأصوات التي أحصيت بالفعل. الانتخابات العامة الأخيرة جرت في 2005 (لرئاسة السلطة) وفي 2006 (للمجلس التشريعي). في 2005 صوت ما مجموعه في "يهودا"، "السامرة"، القدس، وقطاع غزة 802 ألف ناخب، وعدد أصحاب حق الاقتراع كان 1.14 مليون. النسبة بين "يهودا" و"السامرة" وغزة في كل الروايات هي تقريبا 40:60، بمعنى أن في "يهودا" و"السامرة" دون غزة صوّت ما مجموع 481 ألف نسمة، وعدد أصحاب حق الاقتراع بلغ نحو 684 ألف نسمة. العدد الأخير يضم القدس وعشرات آلاف الفلسطينيين الذين هاجروا من هنا الى كل أرجاء العالم منذ 1967.
عن انتخابات 2006 لم أعثر على معطيات رسمية، ولكن موقع "عدالة" بلغ 1.2 مليون صاحب حق اقتراع (بما في ذلك غزة)، وهو عدد يستوي مع معطيات السنة السابقة (وها هي إحدى المشاكل في التقرير الدوري للعام 2013، الذي يدعي 2.267 مليون صاحب حق اقتراع. فهل يحتمل وجود قفزة من 1.2 إلى 2.26 في غضون ست سنوات؟).
آخر المعطيات حول الانتخابات عمليا هي من انتخابات المجالس المحلية في تشرين الأول 2012. في قسم من البلدات الفلسطينية جرت انتخابات حقيقية، وفي قسم آخر انتخب مرشحون متفق عليهم بالتزكية دون انتخابات. عدد أصحاب حق الاقتراع في النوع الأول كان 505 آلاف، وفي النوع الثاني كان 315 ألفا. ومعاً يشكلون 820 ألفا. هذه هي الأعداد التي استندت اليها وعفوا على تأخيركم. فأنا لا أزال أقدر بان الضم التدريجي لسكان "يهودا" و"السامرة" لإسرائيل سيجلب بعد 30 سنة وضعا يكون فيه في الكنيست نحو 20 نائبا عربيا. ليس نهاية العالم وليس نهاية دولة اليهود.
بين أغلبية وأقلية
ولكن الجدال على الأعداد ليس لب الأمر. حتى لو كانت الأعداد أكبر، لا يزال لا مفر أمامنا من البدء بالتفكير دون خوف ودون فزع عن خيار الدولة الواحدة بين النهر والبحر، تكون دولة الشعب اليهودي وفي الوقت ذاته دولة ديمقراطية ومتساوية، فيها أغلبية يهودية متماسكة إلى جانب أقلية عربية كبيرة جدا.
يمكن التفكير بكل أنواع الأفكار الإبداعية التي تخفف الانتقال، مثل المجلسين، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، او حكم ذاتي معين لعرب "يهودا" و"السامرة" إضافة الى الجنسية الإسرائيلية، ونوع من المبنى الفيدرالي الذي يخلق ربطا وقدرا من الفصل بين الشعبين المتواجدين في إسرائيل، على أن يكون الجميع مواطنين لدولة واحدة ديمقراطية وحرة.
ولا يدور الحديث عن خطوة تتم صباح غد، بل عن ميل بالمدى البعيد. اقترح البدء بغور الأردن، حيث لا يوجد سوى بضع عشرات آلاف من السكان العرب. نفتالي بينيت يقترح البدء بكل مناطق ج. هذه تفاصيل وليست مبادئ.
المبادئ ثلاثة: الأول، خيار الدولة الفلسطينية سيئ جدا لإسرائيل (وللفلسطينيين أيضا )، أسوأ بكثير لإسرائيل من الخيار المعقد والباعث على التحدي للدولة الواحدة. الدولة الفلسطينية ستكون مسلحة ومعادية، تطلق الغراد على تل أبيب والكاتيوشا على بيتح تكفا، ستجلب معها سفك دماء لا يتوقف، وتقاتل بكل قوتها ضد إسرائيل في الساحة الدولية. وبعد قيامها، وفي ظل حربها التي لا تتوقف معها، سنكون مكروهين جدا ومنددا بنا في العالم، بحيث نشتاق إلى غولدستون. صحيح أن العالم دفع ضريبة كلامية على مدى سنين مطالبا إسرائيل بـ "إنهاء الاحتلال"، ولكن الحقيقة هي أنه كلما اتخذنا خطوات جزئية "لإنهاء الاحتلال"، هكذا تردت مكانتنا الدولية إلى درك أسفل فأسفل. في الأيام ما قبل "أوسلو"، عندما كان "الاحتلال" في ذروته، لم يتحدث ولم يحلم احد بمقاطعة جامعات إسرائيلية أو بتقديم ضباط الجيش الإسرائيلي إلى المحكمة الدولية. المحاضرون الإسرائيليون كانوا ضيوفا مطلوبين في كل حرم جامعي في العالم. كما أن أحدا لم يتخيل باصات تتفجر في مدن إسرائيل ووابلا من الصواريخ على مدن وبلدات إسرائيل. لا يمكن أن نتجاهل الحقائق فقط لأنها تتصرف عكس التوقعات. يجب أن نفهم بان ليست الحقائق هي المغلوطة بل التوقعات.
جزء لا يتجزأ من المشهد
المبدأ الثاني هو أن لإسرائيل مصلحة واضحة في الفصل بين قطاع غزة وبين "يهودا" و"السامرة". للفكرة الوطنية الفلسطينية بالطبع مصلحة معاكسة، ولكننا لا يفترض بنا أن نخدم الفكرة الفلسطينية، وليس ضروريا الافتراض بأنه في حالة تعارض المصالح ستنتصر بالذات مصلحتهم. حتى الآن، في العشرين سنة الأخيرة، في كل الصدام، انتصرت بالذات مصلحتنا. في قطاع غزة توجد دولة فلسطينية مستقلة بحكم الأمر الواقع منقطعة ماديا وسياسيا عن "يهودا" و"السامرة"، ومنذ اليوم تعتمد بقدر كبير على جيرتها مع مصر. حتى أبو مازن بات قريبا من اليأس من ربط الكيانين. وبدلا من الضغط على المصريين لإغلاق معابر رفح، يتعين علينا أن نتطلع لان يفتحوه على مصراعيه ويخلقوا تواصلا من غزة وحتى العريش. هذا ليس مستحيلا.
والمبدأ الثالث هو الأهم والأصعب للهضم الإسرائيلي. لعلهم في فقاعة تل أبيب لا يشعرون بذلك، ولكن العرب هم جزء لا يتجزأ من مشهد بلاد إسرائيل. من يكرههم يكره بلاد إسرائيل؛ من يخافهم يخاف بلاد إسرائيل؛ ومن يهرب منهم سيطاردونه.
نحن جد نحب التباهي بالسلام مع مصر ومع الأردن، ولكن الحقيقة هي أن هذه اتفاقات سياسية وليست سلاما. لم نحقق السلام لا مع السكان المصريين ولا مع السكان الأردنيين. السكان العرب الوحيدون الذين صنعنا معهم السلام الحقيقي هم سكان "عرب إسرائيل". السبيل الوحيد لصنع السلام الحقيقي مع السكان الفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة" هو جعلهم هم أيضا "عرب إسرائيل". هذا هو التحدي. وهو صعب جدا ويوقظ كل شياطين المخاوف والكراهيات، ولكنه يقف في بواباتنا ونحن ملزمون بالشروع في التفكير فيه. ( أوري أليتسور - معاريف ) .
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews