البرلمان والموازنة العامة
أحال الرئيس عبد الفتاح السياسى مؤخرا مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2016/2017، وكذلك خطة التنمية الاقتصادية عن العام ذاته الى مجلس النواب تمهيدا لدراستهما واقرارهما، وذلك التزاما بالمواعيد المحددة دستوريا، ومن حسن الطالع ان ذلك تزامن مع اعلان رئيس الوزراء برنامج عمل حكومته خلال نفس الفترة.
وهو ما يتيح للأعضاء الفرصة كاملة لمناقشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة خلال المرحلة القادمة وهى مسألة غاية فى الأهمية فى ضوء الأوضاع السائدة بالمجتمع المصرى حاليا، وبعبارة اخرى فان التساؤل الأساسى الذى يجب ان ينشغل به الأعضاء هو الى أى مدى يمكن لهذه الخطط تحقيق الأهداف التنموية المطروحة على الساحة المصرية؟ وهل مشروع الموازنة العامة المقدم للبرلمان يعكس الإمكانيات المالية لتحقيق هذه الأهداف؟
وهذه التساؤلات وغيرها توضح لنا مدى أهمية وخطورة وثيقةالموازنة العامة للدولة فى ضوء الأدوار التى تلعبها على كافة الأصعدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. الأمر الذى يجعلنا نطالب بان تكون محور الاهتمام والتركيز ليس فقط من جانب النواب، ولكن أيضا من كافة قطاعات المجتمع. فمهما تحدثنا عن اهداف او خطط طموح لتحقيق العدالة الاجتماعية او تنمية الصعيد او تحسين الصحة والتعليم فان ذلك كله يظل فى إطار الامنيات الطيبة التى لن تتحقق الا عبر تخصيص الموارد المالية اللازمة لها وهو ما لن يتأتى الا من خلال الموازنة العامة للدولة.
وعلى الجانب الاخر فانه وعلى الرغم من أن ندرة الموارد المالية تعد قيدا على الجهود التنموية للحكومة،إلا أن الخبرة العملية قد أفصحت عن أن أسلوب إدارة الموازنة يلعب هو الآخر دورا لا يقل أهمية فى التأثير على كفاءة وفاعلية الإنفاق العام والإيرادات العامة.
والغرض الأساسى من إعداد الموازنة هو تحقيق نوعين من الرقابة الأولى دستورية والثانية اقتصادية ومالية. ومن حيث الوظيفة الأولى تعد الموازنة وثيقة سياسية وقانونية تخدم أهداف الرقابة الدستورية وتضمن المشاركة الفعالة من جانب كافة فئات المجتمع. أما الوظيفة الاقتصادية فهى ترمى إلى تحقيق الأهداف التنموية للدولة وتفعيل الطلب الكلى. وهذه الأمور تتحقق عند صنع الموازنة وكذلك عند التنفيذ.
لذلك فان مناقشة مشروع الموازنة يجب ان يطرح التساؤلات التالية مدى الاستجابة لاحتياجات المجتمع؟ ومدى العدالة فى الإيرادات والنفقات؟ومدى المساواة فى الأعباء؟وأخيرا مقدار الشفافية التى تتمتع بها؟ويتطلب مناقشة الموازنة المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية وبالتالى الشفافية المطلقة فى عرض بنود الموازنة ليس فقط للأغراض الاقتصادية ولكن وهو الأهم من اجل المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية. إذ تعد الشفافية من العوامل الضرورية التى تمكن مجلس النواب والمواطنين بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ويستلزم تحقيق الشفافية توضيح أهداف الموازنة وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة، بعبارة اخرى فلا يجب ان يقتصر عرض الموازنة وفق التقسيم الاقتصادى فقط ولكن وهو الأهم يجب ان تعرض أيضا بالتقسيم الوظيفى وكذلك التقسيم الإدارى حتى يتمكن الأعضاء من الحكم بواقعية على المشروع وإدخال التعديلات التى تحقق الأهداف التى نصبو اليها جميعا. والتى تتمحور أساسا حول تعزيز النمو الاقتصادي، وتشجيع استخدام الموارد بكفاءة وفعالية والمساهمة فى إحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة فى الاقتصاد وتدعيم القواعد الإنتاجية وإزالة المعوقات التى تحول دون تفعيل عمل الأدوات الاقتصادية مع مراعاة الفئات الاجتماعية الضعيفة. وبالتالى يتمثل التحدى الذى يواجهها فى ضمان مستوى من الإنفاق العام يتسق مع الاستقرار الاقتصادى الكلى ثم تجرى بعد ذلك هيكلة الإنفاق كجزء من الإجراءات التنفيذية للسياسة المالية، لذلك فان هيكل الإنفاق العام لا حجمه هو المهم فى هذا المجال.وبالتالى فالحكم على كفاءة السياسة المالية يتعلق بمدى ما تحقق من هذه الاهداف وكذلك السياسات المزمع تنفيذها ومدى قدرتها على التعامل مع الواقع الاقتصادى المعاش.
كما أن تحديد خطورة العجز من عدمه ترتبط بالأساس بالحالة الاقتصادية للبلاد، سواء فى الأجل القصير والمتوسط أو الطويل، فإذا كانت الدولة فى حالة كساد فان السعى نحو تحقيق التوازن المحاسبى فى الموازنة يعتبر هدفا غير سليم من المنظور المجتمعى إذ يسهم فى المزيد من التباطؤ الاقتصادي. ان هدف الإنماء الاقتصادى يحظى بالأولوية فى السياسة الاقتصادية حتى ولو جاء على حساب التوازن المالي. إذ ان زيادة الإنفاق العام مع ما يترتب عليه من زيادة للقوى الشرائية للمجتمع كوسيلة للانتعاش الاقتصادى تصبح أمرا مطلوبا حتى ولو تم ذلك على حساب المزيد من الاقتراض فى الأجل القصير. وبالتالى يجب أن يكون الحكم على عجز الموازنة العامة فى الأجلين المتوسط والطويل آخذين فى الاعتبار قدرة هذا العجز فى دفع عجلة النمو وزيادة قدرة الاقتصاد على توليد الموارد اللازمة لتقليص هذا العجز على المدى المتوسط.
من هنا فإن مناقشة دور المالية العامة يجب ألا تقتصر على تطورقيمة العجز فى الموازنة، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مدى مساهمتهافى خلق فرص عمل جديدة ، ورفع معدلات الاستثمار وتغيير هيكل الإنتاج القومى. وبمعنى آخر فإن نجاح السياسة المالية يجب أن يقاس بالقدر الذى تسهم فيه النفقات العامة فى زيادة التشغيل وامتصاص فائض العمالة بالمجتمع وفى النهاية بقدرتها على توليد المزيد من الإيرادات العامة فى الأجل المتوسط والطويل.
لهذا فقد اولت الدساتير المصرية جميعا هذه المسألة أهمية قصوى فأدخلت العديد من التعديلات المتعلقة بهذه المسالة، اذ قامت بتعديل طريقة وتوقيت عرض الموازنة العامة للدولة، وذلك عن طريق السماح لمجلس النواب بادخال تعديلات عليها دون موافقة مسبقة من الحكومة (المادة 124)، وذلك على العكس مما كما كان عليه الوضع قبل ذلك ، كما قامت بزيادة مدة المناقشة والنظر فى الموازنة عن طريق الزام الحكومة بتقديم الموازنة قبل ثلاثة اشهر من بدء السنة المالية الجديدة بدلا من شهرين وهو ما يتيح للأعضاء الفرصة فى الدراسة الدقيقة والمتأنية لما جاء به مشروع الموازنة .
ويرتبط بما سبق تقليل الفترة بين نهاية السنة المالية وعرض الحساب الختامى على مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه،وهى قضية هامة وأساسية. عموما وعلى الرغم من التحسن الذى طرا على إعداد الموازنة، إلا إن هناك بعض أوجه القصور التى تحول دون تفعيل الرقابة البرلمانية للموازنة، خاصة عدم وجود قدر كاف من الشفافية فى كافة مراحلها، وخلال مراحل تنفيذها. كذلك نظرا لأن وثيقة الموازنة لا تتضمن أية معلومات عن الأهداف التى تسعى الحكومة إلى تحقيقها، فإن النقاش ينحصر فى حجم الإنفاق والعجز ويبتعد كثيرا عن محاولة تقييم مستواه من حيث نوعية وتكلفة الخدمة المقدمة. ونأمل ان يتم تلافى هذه السلبيات، خاصة بعد السماح لمجلس النواب بتعديل الموازنة وهو ما سيجبر الحكومة على توضيح أهداف الموازنة وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة حتى تتمكن من إقناع نواب الشعب بأهمية وضرورة الإجراءات التى تقترحها فى الموازنة.
(المصدر: الاهرام 2016-04-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews