مواسم حرق المخازن.. والموازنة العامة للدولة
زمان ومنذ عقود قليلة كان هناك موسم للحرائق, تشتعل فيه وفي توقيت محدد عشرات الحرائق الكبيرة خلال فترة الجرد السنوي لمخازن الشركات والمصانع, لأن أي نقص في المخزن نتيجة للسرقة أو للإهمال لا يخفيه سوي الحريق, وعندما تسأل عن البضائع الناقصة تكون الاجابة: التهمها الحريق.
أما الآن ومع نهاية كل عام مالي يحدث حريق من نوع آخر, هو حرق الميزانية بمعني أن كل وزارة أو هيئة أو مصلحة حكومية تقوم وقبل انتهاء الميزانية عن العام المالي الحالي بصرف كل مليم لديها لشراء أي نوع من المشتريات, والسبب هو أنه في حالة عدم صرف المبالغ المخصصة لأي بند من البنود وإعادة المتبقي إلي وزارة المالية, أن المبالغ المخصصة لنفس البند في العام المالي التالي ستكون أقل من هذا العام بمقدار الفائض الذي لم يتم صرفه.
فإذا كانت جهة ما لديها اعتماد مالي لشراء أجهزة كمبيوتر أو أثاث أو معدات أو أي صنف من الاستخدامات اللازمة لهذه الجهة, فإنه لابد قبل نهاية العام المالي من صرف كل المبالغ لديها, وهنا نجد سلعا بالملايين مكدسة لدي الجهات الحكومية أو المحافظات ليست في حاجة إليها ولكنها جاءت ضمن الموازنة العامة ويجب صرفها.
وأصبح موسم حرق الميزانية أهم كثيرا الآن لدي كل المحليات والوزارات من موسم حرق المخازن لأن جرد المخازن أصبح يتم بشكل دوري وباستخدام أجهزة الكمبيوتر التي تكشف السلع المستهلكة أولا بأول.
ونتيجة لحرق الميزانية فإن كل الجهات الادارية في مصر أصبح لديها فوائض من خامات ومعدات وأجهزة ليست في حاجة إليها, بينما توجد جهات أخري لديها نقص في مثل تلك الأجهزة والمعدات.
وفي الدول المتقدمة التي تستخدم أسلوب موازنة الاستحقاق فإنها تقوم بحصر كل الأجهزة والأصول لدي كل جهة وبيعها في مزاد علني سنوي للتخلص من تلك الأصول الفائضة لديها وبيعها لمن يحتاجها سواء من الجهات الحكومية الأخري أو حتي القطاع الخاص, وفي نفس الوقت لا يتم صرف أي مستحقات لشراء أصول جديدة إلا بقدر الاحتياج الفعلي لتلك الجهة, وهذا الأسلوب كان يستخدم في الشركات لأنها تستهدف الربح, بينما الدولة لا تستهدف الربح, ولكن الآن اصبح هذا الأسلوب تستخدمه الدول حتي لا تتعرض للإفلاس, وعملية حرق الموازنة هذه تكلف الدولة مليارات الجنيهات تدفعها بدون عائد, وهي تذكرنا أيضا بما تقوم به الحكومات المتعاقبة في مصر علي مدار عدة عقود من حرق المليارات في صورة دعم لا يصل إلي مستحقيه, حتي بلغ إجمالي الدعم للسلع الغذائية والطاقة والمنتجات البترولية نحو211 مليار جنيه وهو مبلغ يقترب من قيمة العجز في الموازنة العامة الذي يصل إلي240 مليار جنيه.
نقول إن الحكومات تحرق الدعم لأن حوالي20% فقط من قيمة هذا الدعم خاصة في الوقود هو الذي يصل إلي من يستحقه بينما نحو80% تذهب إلي ليس فقط الأغنياء أصحاب السيارات الفارهة ولكن أيضا للسفارات والأجانب والسياح الذين يستفيدون من هذا الدعم للوقود والسكك الحديدية ووسائل المواصلات وأحيانا من دعم السلع الغذائية.
السلع الغذائية بما فيها الخبز يتم دعمها بنحو22 مليار جنيه, من الصعب الاقتراب منها حاليا خاصة أن المنظومة الجديدة للخبز المدعوم سوف تؤدي إلي حصر المستهلكين الحقيقيين بعيدا عن الذين كانوا يشترون الخبز لاستخدامه علفا للمواشي أو عليقة للدواجن, ونحن مع استمرار دعم رغيف الخبز لأنه الوجبة الرئيسية لكثير من المصريين الذين يعيش26% منهم تحت خط الفقر ومثلهم عند حد الفقر.
منظومة الدعم يجب أن يعاد النظر إليها بجرأة بحيث تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية وأن توزع موارد الدولة علي من يستحقها بالفعل في شكل خدمات صحية وتعليمية وبنية تحتية ومنشآت رياضية وثقافية لإعداد جيل جديد قادر علي البناء والتنمية.
(المصدر : الاهرام الاقتصادية 2014-04-30 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews