البنك المركزي الأوروبي يفقد براعته في إدارة التضخم
"أفضل مما كان متوقعا". كم مرة سمعنا هذه الكلمات الأربع بعد اتخاذ البنك المركزي الأوروبي أي قرار بشأن السياسة؟ نصيحتي هي التوقف عن القراءة على الفور كلما رأيناها. في النهاية، ما تتوقع الأسواق حدوثه هو تماما تحت سيطرة البنك المركزي الأوروبي. الشيء الوحيد المهم هو القرار السياسي نفسه وإلى أي مدى يمكن أن يساعد في تحقيق الهدف - في هذه الحالة القرار هو معدل التضخم البالغ أقل من 2 في المائة بقليل ـــ ربما هو أفضل مما كان متوقعا ـــ لكن هل كان كافيا؟
عناصر القرار الذي تم الإعلان عنه يوم الخميس من قبل ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، كانت: تخفيضات في ثلاثة أسعار رسمية للفائدة، وزيادة في حجم عمليات شراء الأصول، وشروط أكثر سخاء لعمليات إعادة التمويل طويلة الأجل المستهدفة ـ توفير السيولة للمصارف ـ تكون مربوطة بكمية القروض على ميزانياتها العمومية.
سعر الفائدة على الودائع، حيث تضع المصارف احتياطياتها لدى البنك المركزي، انخفض من سالب 0.3 في المائة إلى سالب 0.4 في المائة. وألمح دراجي إلى أننا لا ينبغي أن نتوقع المزيد من التخفيضات على سعر الفائدة ذلك. وتلك الجملة كانت الخبر الكبير فعلا لذلك اليوم. فهو لم يخفض أسعار الفائدة وإنما في الواقع أنهى خفض أسعار الفائدة. لهذا السبب انخفض اليورو في البداية - ثم ارتفع عندما أدرك المستثمرون أن تخفيض سعر الفائدة هذا لم يكن كما يبدو.
لا يوجد ما هو خطأ بشكل جوهري في أي من القرارات باستثناء أن البنك المركزي الأوروبي فقد براعته. كان بإمكانه توسيع الهامش بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل وطويلة الأجل - أو، باللغة المالية، كان بإمكانه جعل منحنى العوائد أكثر انحدارا. إحدى الطرق قد تكون إجراء تخفيض أكبر في أسعار الفائدة على الودائع وزيادة أصغر في حجم عمليات شراء الأصول. وبما أن عمليات شراء الأصول تؤدي إلى تخفيض أسعار الفائدة طويلة الأجل، فإن أي زيادة صغيرة في عمليات الشراء من شأنها تخفيضها بدرجة أقل.
هناك مشاكل كبيرة مع منحنى عوائد مسطح. إنه بمنزلة كابوس بالنسبة للمصارف لأن أعمالها تتكون من تحويل الادخار قصير الأمد إلى قروض طويلة الأمد. عندما تكون أسعار الفائدة طويلة الأمد مماثلة لأسعار الفائدة قصيرة الأمد، تجد المصارف صعوبة في كسب المال. ويصبح عليها أن تجد طرقا أخرى لتوليد الدخل. لنفكر أيضا في المعنى الأعمق لمنحنى عوائد مسطح مع أسعار الفائدة جميعها قريبة من صفر في المائة.
لنفترض أننا نثق بالتزام دراجي بتحقيق هدف التضخم. هل ستشتري، كمستثمر في القطاع الخاص، سندات الشركات لأجل عشرة أعوام التي تحقق عوائد بنسبة 0.5 في المائة؟ إذا كان معدل التضخم سيصل فعلا إلى 2 في المائة في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، بالتأكيد ستخسر. السبب الوحيد الذي سيدفعك للقيام باستثمار على المدى الطويل بأسعار الفائدة هذه هو أنك لا تؤمن بالهدف. أسعار الفائدة طويلة الأمد أقل، لأن الناس يعتقدون أن البنك المركزي الأوروبي فقد براعته فيما يتعلق بالتضخم. أنا، أيضا، اعتقد ذلك.
يرد دراجي وزملاؤه بحسم أن سياستهم النقدية ناجحة. إنهم محقون. لكنها ليست ناجحة بقدر ما ينبغي أن تكون. السياسات النقدية، مثل برنامج التسهيل الكمي للبنك المركزي الأوروبي، تتغلغل داخل الاقتصاد الحقيقي من خلال قنوات مختلفة. أحدها هو أسعار صرف العملات. في العامين الماضيين انخفض سعر الصرف المرجح تجاريا لليورو بنسبة 13 في المائة. وهذا حسن من القدرة التنافسية في منطقة اليورو. لكن المكاسب حدثت قبل أكثر من عام. في العام الماضي ارتفع سعر الصرف في الواقع بنسبة 2 في المائة.
القناة الثانية التي نجح البرنامج من خلالها كانت عبر الإقراض المصرفي الأعلى. برنامج التسهيل الكمي أنهى أزمة الائتمان في إيطاليا العام الماضي. لكن الفوائد الهامشية لهذه السياسات كانت تتلاشى. لذلك مراكمة المزيد من عمليات الشراء لن تحدث فرقا كبيرا.
ماذا عن عمليات إعادة التمويل طويلة الأجل المستهدفة؟ سعر الفائدة الاسمي المفروض على المصارف التي تستخدم هذه سيكون صفرا، لكنها ستحصل على خصم حجمه يعتمد على مقدار ما تقترضه. وللمرة الأولى، سيكون من الممكن بالنسبة لها ضمان أموال البنك المركزي الأوروبي بأسعار فائدة سلبية - بنسبة تصل إلى سالب 0.4 في المائة. لذلك عندما تقترض ألف يورو اليوم، ستسدد 996 يورو في غضون عام.
هل سيؤدي ذلك إلى تعويض الآثار السلبية لمنحنى عوائد مسطح وتأثير أسعار الفائدة السلبية في الودائع على الأرباح؟ يمكنه ذلك إذا كان هناك طلب كبير على القروض. لكن لا يبدو أن هناك أي دليل على ذلك. دراسة الإقراض المصرفي التي أجراها البنك المركزي الأوروبي عن الربع الرابع من عام 2015 ذكرت انخفاضا حادا في مشاركة المصارف في المزادات الأخيرة لعمليات إعادة التمويل طويلة الأجل المستهدفة TLTRO. لنتذكر أن أداة السياسة هذه كانت فيما مضى تدعى البازوكا.
الأمر الذي أجده مشجعا بشكل معتدل كان انفتاح دراجي نحو توزيع الأموال على المواطنين بإسقاطها من المروحيات - بمعنى طباعة الأموال وتوزيعها مباشرة على الناس. كما كانت هناك أيضا أخبار جيدة فيما يتعلق بالإنتاج الصناعي في بعض بلدان منطقة اليورو، ولا سيما إيطاليا وألمانيا.
التشاؤم ربما كان مبالغا فيه، فالانتعاش أقوى مما يعتقد الكثيرون وسيكون أداء منطقة اليورو "أفضل مما كان متوقعا". لكن، بما أن هذا لم يحدث منذ فترة طويلة، سيكون من الحكمة عدم بناء السياسة على ذلك الأمل.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-03-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews