الجزائر دولة الرجل العجوز في مفترق الطرق
نشر تقرير حول المفارقات التي تعيشها الجزائر، خاصة في ظل الركود السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده البلاد تحت حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
وقال تقرير لتيري أوبلر، إن الجزائر تسعى لبناء مسجد بالاستعانة بمهندسين من ألمانيا وعمّال من الصين، ذلك أن هذا المسجد سيكون فور الانتهاء من تشييده ثالث أكبر مسجد في العالم بعد كل من مسجدي مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وتعمل الجزائر على تخصيص كلفة ضخمة لتمويل هذا المشروع قدرها أربعة مليارات يورو، وسيضم المسجد حوالي 12 ألف مصلّ بالإضافة إلى أنه سيحتوي على أعلى مئذنة في العالم الإسلامي، ومن المتوقع أن يتم افتتاحه قبل نهاية هذا العام.
وهذا المشروع أثار جدلا واسعا في الجزائر، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد لمساعي بوتفليقة من أجل إعادة تأهيل بلاده بعدما عانت من ويلات الحرب الأهلية الدامية التي دارت منذ سنوات بين القوات المسلحة التابعة للنظام وبين المعارضة الإسلامية، وبين معارض للسياسات المعتمدة، وقد اعتبر البعض أنّ الدولة تقوم باستثمار مبالغ ضخمة على مشاريع مختلفة في حين أنها عاجزة عن حلّ المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وانخفاض أسعار النفط كان له تداعيات سلبية على الجزائر التي تشهد في الآونة الأخيرة أزمة اقتصادية حادة تعدّ الأسوأ منذ عقود. وتتضح معالم هذه الأزمة من خلال: تراجع قيمة الدينار الجزائري، وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والوقود، وارتفاع معدّلات التضخم، بالإضافة إلى نفاد الاحتياطات المالية للدولة.
وفي النتيجة، دخل قانون المالية لسنة 2016 حيز التنفيذ بعد احتدام المناقشات حوله في أروقة البرلمان الجزائري. ووفقا لخبراء الاقتصاد، فإن هذا القانون يؤكّد تخلّي الدولة عن سياسة دعم السلع الأساسية، وذلك بهدف الخروج من هذه الأزمة. والجدير بالذكر أن الجزائر اتخذت مثل هذه الإجراءات خلال سنة 2011 بهدف إخماد المظاهرات التي اندلعت إبان ثورات الربيع العربي.
ويقول المختص في شؤون المغرب العربي، بيير فيرميرون، أن الحكومة ستبذل كل ما في وسعها من أجل منع الزيادة في أسعار المنتجات الأساسية، مثل الطحين والحليب والزيت، ذلك لأن ارتفاع أسعار هذه المنتجات سيعمّق من الأزمة الاقتصادية الحالية. ورأى أن على الدولة تأمين المنتجات الأساسية لحوالي 40 مليون ساكن، إلا أنها عاجزة عن ذلك نظرا لأن الجزائر ليست بلدا منتجا وإنما يعتمد اقتصادها بالأساس على الواردات.
ويقول الكاتب الجزائري، كامل داود، أن الطبقة السياسية في الجزائر عجزت منذ سنوات عن وضع استراتيجيات اقتصادية جديدة والبحث عن بديل، لتنويع اقتصاد الجزائر الذي طالما اعتمد على النفط كمورد أساسي ووحيد لتمويل التنمية في البلاد.
وعبر المعارض الجزائري، محمد بن شيكو، عن غضبه من الخيارات الخاطئة للرئيس بوتفليقة، قائلا إن "بوتفليقة يحاول إفساد المجتمع عن طريق توزيع الأرباح ومنع المبادرات ومساعدة شبكات المافيا على التغلغل في الجزائر حتّى أصبحت اليوم تحكم البلاد. وتكمن مشكلة هذا النظام العاجز في عدم قدرته على القيام بالإصلاحات وإرساء مبادئ الديمقراطية وإقامة نظام حكم جديد".
ويخشى بن شيكو من استنزاف الاحتياطات النقدية للدولة الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى إفلاسها، ما من شأنه أن يخلق حالة من الفوضى في البلاد ويدفع بالجزائريين إلى الفرار إلى أوروبا.
وبين التقرير على لسان بيير فيرميرون، أن الطبقة السياسية في الجزائر منفصلة تماما عن الواقع الذي تعيشه البلاد، وأنه ليس باستطاعة المعارضة القيام بأي خطوة بسبب فقدانها أي سلطة في البلاد نتيجة سياسة التهميش التي لطالما مورست بحقها. كما أن الشعب الجزائري فقد ثقته بسياسييه، ويبدو ذلك جليّا بخاصة خلال الانتخابات التي يتغيّب فيها الشعب عن ممارسة حقه.
وبالتالي، فإن الخطر المحدق بالجزائر عند حدوث مثل هذه الأزمات هو التحلل الاجتماعي والفوضى التي ستجتاح كامل أطياف المجتمع، خاصة أن بوتفليقة يعد آخر مدافع عن شعبه، فهو لم يعد بالشخص المناسب الذي بإمكانه مخاطبة الشعب إذا ما ساءت الأمور.
والرئيس الجزائري فقد قدرته على تسيير شؤون البلاد بعد ست عشرة سنة من تقلده منصب الرئيس، وخاصة بعد تدهور صحته في عديد المناسبات، ما دفعه إلى التنقل عبر كرسي متحرك. كما أن التعتيم التقليدي على السلطة يؤكد أن هناك أطرافا أخرى أصبحت تحكم الجزائر، لعل أبرزها شقيق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره الخاص، سعيد بوتفليقة الذي يعرف برجل الظل.
وفي الختام، فقد بين التقرير، أن تخلص الرئيس الجزائري من منافسيه الذين كان آخرهم الجنرال "توفيق" الذي ترأّس جهاز المخابرات لمدّة عشرين سنة بالإضافة إلى عدم تعيين خليفة له حتّى الساعة، سيجعل بوتفليقة يتفرّد بالسلطة ويحكم بلدا صورته هشّة ومستقبله غير واضح المعالم.
(المصدر: لوفيغارو 2016-02-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews