الشركات الأوروبية الناشئة بحاجة إلى النمو بخطى أسرع
في كل مرة يجتمع فيها صنّاع السياسة والتنفيذيون في مجال التكنولوجا في الولايات المتحدة وأوروبا، كما هي الحال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأخير، ينتهي بهم الأمر إلى مهاجمة النقص الذي تعانيه أوروبا في مجال ريادة الأعمال. ويتغلّب الأمريكيون على الأوروبيين بسبب ضعف ثقافة الشركات الناشئة، فيما ينتقد الأوروبيون أنفسهم بشدة.
لقد فعلوا ذلك في مؤتمر ديجيتال لايف ديزاين في ميونيخ، نقطة الانطلاق لشركات التكنولوجيا في الطريق إلى دافوس. كتب جيف جارفيس، أستاذ الإعلام في الولايات المتحدة، في تغريدة على موقع تويتر، عندما ناقشت مارجريت فيستاجر، مفوضة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، الخصوصية، وكذلك تحقيق مفوضيتها في الشؤون الضريبية لشركتي أبل وأمازون، قالت: "أن تبدأ مناقشة التكنولوجيا بقلق بدلاً من اعتبارها فرصة فهذا يبدو أوروبياً للغاية".
بدأت المفوضية الأوروبية التحرك في هذا الصدد، معلنة في "خطة عمل عام 2020" أن "أصحاب المشاريع المتوقعين في أوروبا سيجدون أنفسهم في بيئة صعبة"، وأن "أوروبا بحاجة إلى تغيير ثقافي شامل" لمُطابقة الحماس الأمريكي لإنشاء الشركات.
هذا الرثاء عفا عليه الزمن وهو مُضلل أيضا. لا يحتاج المرء سوى التجوّل في لندن، أو برلين، أو باريس، أو أمستردام لمراقبة حماس الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً لإطلاق شركة ناشئة، أو العمل في واحدة، بدلاً من الحصول على وظيفة يُمكن التنبؤ بها ويُفترض أن تكون آمنة في إحدى الشركات. تلاشت الفجوة الأطلسية التي كانت بين المواقف تجاه اتخاذ المخاطر والمشاريع.
المشكلة هي العكس: اقتصادات أوروبا تفتقر للشركات الكُبرى وليس الصغيرة. العجز ليس في الشركات الناشئة، وإنما في الشركات التي يمكن أن تتوسع: أي الشركات الصغيرة التي تنمو بسرعة. أوروبا تملك كثيرا من مجموعات الشركات، لكن القليل جداً منها تكبُر بما فيه الكفاية لتكون شركة فيسبوك المُقبلة ـ الشركة التي أسسها مارك زوكربيرج في عام 2004.
هذا، بطريقة ما، يعد بشرى سارة. حل المشكلة لا يتطلب من البلدان الأوروبية إصلاح ثقافاتها، وهو مشروع غامض ويتطلب حذقا ومهارة، وإنما إصلاح ممارساتها المالية والتجارية. ربما الأمريكيون بحسب ميلهم هم أكثر طموحاً من الأوروبيين، لكن معظم الحواجز التي تُعيق أمثال زوكربيرج المحتملين في أوروبا هيكلية، وبالتالي قابلة للحل.
لا يزال الأمر يتطلب تغييرا مؤلما. فوجئت أخيرا، عند الاستماع إلى المناقشات في مؤتمر ديجيتال لايف ديزاين، وإلى أصحاب المشاريع والمموّلين الإيطاليين في اجتماع عُقد في البندقية، بالطريقة العلنية التي أعرب فيها بعضهم عن إعجابهم بلندن. ذلك هو المكان، كما قال عديد منهم، الذي يجب أن تنتقل إليه الشركات الناشئة الأوروبية، إذا أرادت الانتقال من المرحلة A إلى المرحلة B وC وD، من جولات التمويل في وقت مبكر إلى مراحل جمع رأسمال أكبر.
إيطاليا تملك تقليدا عريقا يدعو للفخر في ريادة الأعمال. إلى جانب ألمانيا، قطاع التصنيع فيها مليء بالشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. فهي قادرة على تمويل نفسها، بسبب ارتفاع معدل الادّخار المحلي فيها. في الواقع، معظم هذه الشركات تبقى صغيرة. حيث يضع المُدّخرون الإيطاليون أموالهم في المصارف ومصارف الادّخار، بينما يسعى أصحاب الطموح إلى تحقيق النمو في أماكن أخرى.
المواطن البريطاني العادي الذي يشعر بالغضب بسبب اضطراره لإنقاذ المصارف في أزمة عام 2008 ومراقبة العاملين في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية يتلقّون مكافآت كبيرة مقابل ما يبدو أنه مقامرة، لا يحبّون الحي المالي في لندن. على عكس "الاقتصاد الحقيقي" خارج العاصمة، التمويل والخدمات المهنية المرافقة له، والقانون والاستشارات وما شابه ذلك، يبدو سطحياً في أحسن الأحوال.
الشيء نفسه يمكن قوله عن وادي السليكون، مجموعة من المهارات المالية والتجارية تلتف حول قطاع ريادة الأعمال. الوادي على استعداد للمخاطرة برأس المال المُغامر على نطاق واسع، وليس مجرد وضع البذور وتمويل المراحل الأولى لشركة ناشئة رائعة أسسها أحد الأقارب. إنه يستثمر بحماس - ربما بحماس كبير - مئات الملايين في جولات مراحل نهائية لشركات كبيرة، مثل أوبر.
مثل وادي السليكون، الحي المالي في لندن يوفّر أكثر من مجرد تمويل. إنه موطن التنفيذيين من ذوي الخبرة في مجال الأعمال وتطوير المنتجات الذين يمكن أن يتبنّوا شركة ناشئة واعدة ويساعدونها على النمو. بعضهم من أصحاب المشاريع - أتوميكو، مجموعة رأس المال المغامر التي أسسها نيكلاس زينستروم، المؤسس المشارك لشركة سكايب، عقدت للتو شراكات مع مجموعة من أصحاب المشاريع لتشجيع هذا الأمر.
بالنظر إلى سجل ما بعد الحرب، من الصعب الاعتقاد أن البريطانيين مغامرون أكثر من الألمان أو الإيطاليين. لكن لندن تملك ميزة عن برلين، خصوصا عن ميلانو، من حيث الحجم. فبجسب "شراكة أوروبا للشركات الناشئة"، في الأعوام الخمسة الماضية جمعت 19 شركة تكنولوجيا في المملكة المتحدة رأسمال لا يقل عن 100 مليون دولار، مقارنة بتسعة في ألمانيا ولا شيء في إيطاليا.
النمو إلى حجم معين ومن ثم التباطؤ، بإبقاء سيطرة العائلة على الشركة بدلاً من الخروج من العاصمة للتوسّع بسرعة، كان يُرضي كثيرا من الشركات الإيطالية والألمانية. لكنه ليس كافياً في مجال التكنولوجيا العالمية - حيث يواجه المُتباطئون خطر السيطرة عليهم من قِبل الشركات العملاقة في الولايات المتحدة.
ألمانيا تستجيب لهذا الأمر. روكيت إنترنت، المجموعة الاستثمارية الألمانية، جمعت تمويلا بمقدار 420 مليون دولار - الحجم اللازم لجولات تمويل في المراحل النهائية. برلين تملك مشهدا قويا من الشركات الناشئة وتعمل على تعزيز شركات التجارة الإلكترونية واسعة النطاق، مثل زالاندو وديليفري هيرو، التي كسبت رأسمالا يبلغ 1.4 مليار دولار. المملكة المتحدة أيضاً تحتاج إلى التغيير. هناك نسبة أقل بكثير من شركاتها تنبثق من الشركات الناشئة مما هي الحال في الولايات المتحدة، وكثير منها يعوقها نقص المهارات، كما وجد شيري كوتو، المستثمر في مراحل مبكرة في المملكة المتحدة، في تقرير نُشر في عام 2014. وفقاً لمجموعة أتوميكو، الولايات المتحدة تملك رأسمالا مُتاحا للشركات ذات التقييمات البالغة مليار دولار أكثر 14 ضعفا من أوروبا.
مع ذلك، تُظهر لندن ما هو ممكن مع أسواق رأس المال العميقة والخبرة الواسعة. أوروبا لا يزل لديها الكثير لإصلاحه لكنها بدأت.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-02-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews