المصارف المركزية العالمية تُعيد تقويم تجربة الفوائد والتيسير
سَعت البنوك المركزية الى توجيه العالم من خلال سياسات أسعار الفائدة القريبة من الصفر في المئة، ودعمت ذلك بسياسات التيسير الكمّي أي ضخ الاموال النقدية في الاسواق بهدف السيطرة على الاسواق. لكنّ ذلك خلق تقلبات حادة لجأ معها المستثمرون الى الاحتفاظ بالمال نقداً بما دفع البنوك المركزية الى أسعار الفائدة السلبية.إعتبر خبراء عالميون انّ البنوك المركزية الكبرى في العالم اعتقدت لوهلة انها قادرة على إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال سياسات غير مسبوقة اتّبعَتها في السنوات العشر الماضية، وتحديداً بعد الأزمة المالية التي هزّت العالم في العام 2008.
وقد قامت هذه البنوك بتحركات غير اعتيادية على المستوى النقدي والمالي والاقتصادي:
أولاً: حافظ الاحتياطي الفدرالي الاميركي على اسعار فائدة عند صفر في المئة طوال سبع سنوات متتالية.
ثانياً: عمد كل من الاحتياطي الفدرالي الاميركي والبنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان الى سياسات ضخ الاموال من خلال إعادة شراء السندات الحكومية، دعيت هذه السياسات بالتيسير الائتماني وتجاوزت قيمتها تريليونات الدولارات.
ثالثاً: واخيراً، وبصورة لم تخطر على بال ايّ جهة، لجأ كل من البنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان الى اعتماد اسعار الفائدة السلبية.
وقد اعتمدت هذه السياسات بهدف تعويم الاقتصادات بعد الازمة المالية في 2008 غير انه بدلاً من دعم الاقتصادات كانت نتيجة هذه السياسات الاضرار بدلاً من المعالجة.
وبذلك تكون البنوك المركزية العالمية الكبرى فشلت في المهمة التي كانت تعتقد انها قادرة ان تقوم بها من خلال التدخلات غير المتوقعة في الاسواق، وكان فشلها ذريعاً ومريعاً بحسب البعض.
ويستغرب خبراء كبار لجوء هذه البنوك المركزية الى اعتماد سياسات أسعار الفائدة السلبية بعد عشرين عاماً من سياسات اسعار المنخفضة جداً، وهذا ما يجعل البعض متشائماً إزاء نتيجة هذه السياسات الجديدة.
واذا كان الهدف من سياسات اسعار الفائدة السلبية هو في دفع المودعين بعيداً عن الإيداعات المصرفية التي لن تعود ذات إيرادات معقولة ومشجعة وهذا ما يجعل الاقتراض اقل كلفة ويشجع الاستثمار في الاقتصاد، فإنّ الاعتقاد الجديد لدى الخبراء هو انّ هذه السياسات تخلق الفوضى في الاسواق المالية وهذا ما سوف يُضعف الحركة الاقتصادية. ولذلك فهم ضد أسعار الفائدة السلبية.
يبقى انّ الآمال معلقة على الاحتياطي الفدرالي الذي اذا ما رفع اسعار الفائدة الى 1 % مؤكداً نظرته الايجابية للاقتصاد ومؤكداً ابتعاده عن السياسات السابقة أي الفائدة القريبة من الصفر والتيسير الائتماني. غير انّ ذلك غير مؤكد بل يتخوّف البعض من انّ الاحتياطي الفدرالي الاميركي سوف يعود للسياسات الاخيرة ويلتحق ببنك اليابان المركزي بالنسبة لاعتماد اسعار الفائدة السلبية.
ينطلق هؤلاء من فرضية انّ الاقتصادات لا تنمو كما يجب في ظل حالة من الغموض وعدم وضوح الرؤيا في الاسواق والتردد، وانّ القيام بسياسات غير مسبوقة من شأنها زيادة الحذر والقلق في الاسواق، وبالتالي فرملة الاقتصادات.
إنطلاقاً من هذه المعطيات وفي حالة استمرار الاتجاه الانخفاضي في الاسواق والقلق بشأن المعطيات الاقتصادية والعامة وخصوصاً بشأن الاقتصاد في الصين، فمِن الأرجح ان يلجأ الاحتياطي الفدرالي الى تأجيل أي رفع ثان لأسعار الفائدة خصوصاً في شهر آذار المقبل.
غير انه اذا اتجهت الاسواق للارتفاع مجدداً، فإنّ الاحتياطي الفدرالي سوف يلجأ لرفع الفائدة في نيسان او حزيران المقبل، اذ انّ أي إرجاء لرفع الفائدة سوف يكون اشارة سيئة للاسواق.
الإحتفاظ بالمال نقداً
عندما ترتفع درجة التوتر في الاسواق وفي اوساط المستثمرين، فإنّ الاتجاه الافضل هو الهروب من التوظيفات التي تشهد تقلبات الى الأمان الذي يوفر المال النقدي (الكاش). وهذا هو الحال الآن ومنذ شهر تموز الماضي، حيث سجّلت البنوك نسبة متزايدة من الايداعات النقدية.
ولمحاربة هذا الاتجاه يبدو انّ البنوك المركزية تلجأ حالياً الى اعتماد اسعار الفائدة السلبية على الودائع المصرفية. وقد بدأ ذلك في سويسرا لينتشر في اوروبا ثم انتقل الى اليابان. وقد يتوسّع الى الولايات المتحدة الاميركية، وهذا بدافع من التقلبات الحادة في الاسواق المالية خصوصاً.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2016-02-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews