ضعف الاقتصاد العالمي ناتج عن تعثر الصين
الأسواق الصينية تهز العالم. كما كان في الماضي، هذا الأمر يتعلق بالأعصاب المتوترة في بقية دول العالم أكثر مما يتعلق بالصين، حيث أجبرت أسواق الأسهم مرتين على الإغلاق مبكرا.
هذا الأسبوع كان هناك أيضا أكبر هبوط للعام الجديد على الإطلاق للأسهم الأمريكية. أوضح نذير له كان في شباط (فبراير) 2007، عندما أعقب هبوطا بنسبة 9 في المائة في أسهم شنجهاي في نيويورك في فترة ما بعد الظهر، سقوط آخر بمقدار 250 نقطة لمؤشر داو جونز الصناعي خلال بضع ثوان.
تلك الحادثة، التي أُطلِق عليها اسم مفاجأة شنجهاي، ثبت أنه ليس لها أهمية بالنسبة للصين. لقد بقي اقتصادها متناميا، والفقاعة في سوق الأسهم تضخمت أكثر بكثير قبل أن تنفجر في وقت متأخر من ذلك العام.
الحادث يعتبر منسيا الآن. ومع ذلك تسبب في نهاية فترة طويلة من "الاعتدال العظيم" عندما بقيت تقلبات السوق منخفضة. مع تضخم المخاوف بشأن القروض العقارية لضعاف الملاءة، زاد التقلب -ولكن احتاج الأمر إلى صدمة صينية لهز الأسواق الغربية من رباطة جأشها اللاعقلانية. لم يجب أن يكون للتحركات في العملات وأسواق الأسهم في الصين مثل هذا التأثير؟ نعم، اقتصاد البلاد ضخم، ولكن هل تغير أحداث هذا الأسبوع بشكل فعلي أي شيء؟ لنأخذ سوق الأسهم. إنها إلى حد كبير حديقة مسورة. ليس هناك -ولو من بعيد- من المال الأجنبي ما هو على المحك ليتكبد خسائر تكون لها آثار كبيرة على نحو يؤدي للعدوى في أماكن أخرى.
هذه السوق مدفوعة من قبل المضاربين، وليس لها أي ارتباط مع الاقتصاد الصيني. وتحركاتها الهبوطية المخيفة كانت تعود إلى عوامل فنية -مثل التطبيق الأخرق "للقواطع" لوقف التداول- أكثر مما تعود من أي شيء آخر. بشكل مطرد، ستتمكن الأجهزة المنظمة من إيجاد السبل بخصوص كيفية إدارة السوق على نحو أفضل.
ملكية الأسهم آخذة في الانتشار، وكانت السلطات تأمل في أن سوق الأسهم المزدهرة من شأنها أن تجعل التعامل أسهل مع عبء ديون الصين. ومع ذلك، فإن انهيار السوق له تأثير أقل بكثير مما قد يكون في الولايات المتحدة أو أوروبا. وحتى بعد الأسبوع الماضي، أسهم الصين لا تزال حيث كانت قبل عام، وفوق أدنى مستوى لها لعام 2015.
الآن، لنأخذ موضوع العملة. من الواضح أن معدلات التبادل التجاري لقوة اقتصادية مثل الصين تعتبر مهمة، لكن التحركات ضئيلة، مقارنة بالتقلبات في العملات المدارة بشكل أقل، وكانت مدفوعة إلى حد كبير بقوة الدولار.
تحاول الصين فطم نفسها عن اعتمادها على الصادرات. وحين تعمل بشكل مصطنع على تخفيض أسعار عملتها، فإن هذا هو بالضبط الشيء الخطأ الذي تفعله لتحقيق ذلك. "حروب العملات"، أو التخفيض التنافسي لقيمة العملة، لها تأثير تصدير الانكماش، الأمر الذي يربك بالفعل العالم المتقدم، ولكن حتى هذا يمكن أن يكون مبالغا فيه.
تمثل الواردات الصينية نحو 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي (وأقل بالنسبة لفرنسا وألمانيا). حتى لو حدث تخفيض بقيمة العملة بنسبة 20 في المائة -أكبر بكثير من أي شيء رأيناه حتى الآن- فإن هذا سوف يحذف فقط نحو نصف نقطة مئوية من التضخم في الولايات المتحدة.
كيف تترجم الأحداث الصينية إلى أسوأ خسائر سوق أسهم أمريكية لبدء العام؟ التفسير هو انعدام الثقة بين المستثمرين الغربيين. جزء من هذا هو عدم الثقة في الصين، الناشئ عن الغموض فيها وعدم وجود معلومات.
أكبر ثاني موضوع يدور في الأحاديث في وول ستريت والحي المالي في لندن هذا الأسبوع كان الرسالة المفتوحة التي كتبها مارتن تايلور، مؤسس صندوق تحوط الأسواق الناشئة التي تسمى رأس المال نيفسكي، الذي يوضح لماذا كان يقوم بإغلاق الصندوق. شكواه، التي يتفق معها كثيرون، هي أنه لا يمكن أن يثق في المعلومات التي تشتد الحاجة إليها لاتخاذ قرارات استثمارية جيدة، خاصة من الصين. وقال تايلور إن "حصة متزايدة من أهم البيانات التي تصدر عنهم هي ببساطة ليست ذات مصداقية".
عدم الثقة في البيانات الصينية الرسمية هو من الضخامة حيث إن هناك صناعة مزدهرة في تجميع تقديرات بديلة من البيانات الثابتة المتوافرة، مثل استهلاك الكهرباء. على سبيل المثال، قدرت شركة فاثوم للاستشارات في لندن هذا الأسبوع نمو الناتج المحلي الإجمالي عند 2.4 في المائة. الرقم الرسمي هو 7.1 في المائة.
في مثل هذه البيئة، البيانات الصلبة مثل أسعار صرف العملات الأجنبية وأسعار الأسهم تتخذ أهمية أكثر. وقد تم تناولها على نطاق واسع للإشارة إلى أن السلطات الصينية، يمكن أن تعتقد أنها تواجه "تراجعا سريعا" حقيقيا في الاقتصاد. المستثمرون ليسوا في وضع مناسب لهذا الأمر. إن تأثير الركود الصيني سيكون عميقا. فإذا اقترن انعدام الثقة في البيانات بالخوف من حدث متطرف، ينتج عن ذلك عمليات بيع مكثفة في سوق الأسهم.
وقعت تصرفات الصين أيضا في بيئة أكبر خوف سائد في الغرب: الانكماش، تحاول البنوك المركزية بيأس الهروب من هذا، حيث إن أي شيء يهدد بتكثيف المشكلة يعتبر أمرا خطير جدا. يُعتبَر موضوع الركود الياباني على مدى العقدين الماضيين على أنه نموذج لما يحدث عندما تنخفض الأسعار، ما يشجع المستهلكين على توفير المال بدلا من إنفاقه أو الاستثمار. يقلص الانكماش أيضا من قدرة الشركات على رفع الأسعار، وبالتالي الأرباح. هذا هو آخر شيء يريد مستثمرو الأسهم رؤيته بعد سنة انخفضت فيها أرباح الشركات على جانبي المحيط الأطلنطي.
كما هي الحال مع مفاجأة شنجهاي الأولى، رد الفعل الصارخ على الأحداث الصينية هذا الأسبوع يكشف عن عدم ثقة عميقة في صحة قطاع الشركات الغربية. حتى لو كان الوضع يستقر الآن -كما حدث لعدة أشهر في عام 2007- رسالة القلق، في كل من الشرق والغرب، تعتبر واضحة.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-01-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews