توقعات مقلقة لأسواق النفط
لسنوات طويلة كانت عناوين الصحف حول التوترات الجيوسياسية كافية لإحداث طفرة كبيرة في أسعار النفط. وفي نهاية المطاف، كان مجرد احتمال حدوث اضطرابات مدنية أو عسكرية في منطقة الشرق الأوسط أو إفريقيا يهدد تعطل الإمدادات، كانت تتحول إلى علاوة إلى حد ما دائمة على أسعار النفط تراوح بين 10 و 20 دولارا للبرميل. هذا لم يحدث في هذه المرة، حيث إن ارتفاع المخزون النفطي، التجاري والاستراتيجي، وفر تحوطا كافيا لأسواق النفط ضد أي تعطل محتمل في الإمدادات. لكن كل شيء قد يتغير إذا، على سبيل المثال، حدث اضطراب كبير جدا هز منطقة الشرق الأوسط ككل.
على مدى الأشهر الماضية، أدى خفض النفقات الرأسمالية إلى قيام شركات النفط العالمية بإلغاء أو إيقاف مشاريع تبلغ قيمتها نحو 250 مليار دولار. وأثار تسريح العمال والتقاعد المبكر مخاوف من هجرة الأيدي العاملة المدربة إلى قطاعات أخرى. حيث إن النقص في المهندسين ذوي الخبرة والعمال المهرة قد يضر الصناعة النفطية ويعرقل بصورة كبيرة محاولات زيادة الإنتاج إذا لزم الأمر بعد ذلك. ما هو أكثر من ذلك هو أن إلغاء المشاريع وتأجيلها يهدد الآن جيلا كاملا من مشروعات التنقيب الجديدة، ما يتيح فرصة لحدوث فجوة كبيرة في إمدادات النفط خلال خمس سنوات أو نحو ذلك يمكن أن تؤدي إلى جولة أخرى من ندرة الإمدادات وارتفاع الأسعار.
في هذه الأثناء سوف يحاول المضاربون البحث عن أرضية وسقف لأسعار النفط. يرى البعض منهم أن أسعار النفط قد وصلت فعلا إلى القاع أو قريبة منه، في حين يتطلع المتفائلون في الوقت الحاضر إلى سقف قرب 50 دولارا للبرميل أو نحو ذلك. في الواقع أساسيات العرض والطلب الحالية هي ضد أي شيء أعلى من ذلك بكثير. وفقا لعديد من المحللين من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2015 بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم، في حين أن إمدادات النفط العالمية (من داخل وخارج أوبك) من المتوقع أن ترتفع بأكثر من 2.5 مليون برميل في اليوم. وهذا يعني أن فائض العرض في عام 2015 سوف يتجاوز مليون برميل في اليوم. في عام 2016، يعلق الكثير من المتفائلين الآمال على نمو أفضل في الطلب مدعوما بتحسن الاقتصاد العالمي وتراجع الإنتاج العالمي بسبب انخفاض الأسعار وتراجع الإنفاق الذي سوف يضرب المنتجين ومموليهم بقوة.
في الواقع، عديد من منتجي النفط تأثروا في عام 2015 – وخصوصا منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. غير أنه، حقيقة أيضا أنه على الرغم من الانخفاضات الحادة في منصات الحفر العاملة، التي تسببت في خفض نمو إنتاج الصخر الزيتي في الولايات المتحدة إلى النصف من 1.1 مليون برميل في اليوم في عام 2014 إلى نحو 570 ألف برميل في اليوم في عام 2015، إلا أن إنتاج النفط الصخري لا يزال ينمو بحدود 530 ألف برميل في اليوم على أساس سنوي.
على الرغم من أن الكثير قد قيل عن مرونة قطاع النفط الأمريكي وخصوصا الصخر الزيتي، إلا أنه ليس هناك شك في أن صناعة النفط العالمية ككل تواجه تحديات جمة. يعتقد بعض المحللين أنه بسبب رضوخ القطاع تحت وطأة الديون العالية الفائدة التي تقدر بنحو 200 مليار دولار، استمرار انخفاض الأسعار سوف يؤدي إلى إفلاس بعض الشركات خلال الأشهر الـ 18 المقبلة أو نحو ذلك. لكن على الرغم من الخسائر التي تلحق بالشركات، إلا أنها تستمر في تحقيق مستويات عالية من الإنتاج لحاجتها الماسة إلى سيولة نقدية لخدمة ديونها – ولكن هذا الوضع غير مستدام. بالنسبة لعام 2016، يتوقع الكثيرون استمرار فائض المعروض بما لا يقل عن 750 ألف برميل في اليوم. هذا الرقم يشمل ارتفاع صادرات النفط الإيرانية، قبل رفع العقوبات، بنحو 500 ألف برميل في اليوم.
هذا الفائض في المعروض سوف يترجم إلى نمو أكثر فأكثر في المخزون، في وقت وصلت فيه بالفعل مرافق التخزين في معظم مناطق العالم قرب طاقاتها القصوى. والبديل هو أن تنقل هذه الكميات إلى الناقلات وتخزن قبالة السواحل أملا في تحسن الظروف. وهذا يتطلب تعميق حالة التأجيل Contango، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية. في الوقت الحاضر، الخصم بين سعر العقود الآجلة لخام برنت للشهر الفوري وسعر الستة أشهر المقبلة هو في حدود 4.3 دولار للبرميل.
لكن تقديرات مصادر الملاحة تشير إلى الحاجة إلى تعميق حالة التأجيل Contango إلى نحو 8 دولارات للبرميل لتغطية تكاليف الخزانات العائمة لتلك الفترة (الأشهر الستة) حتى عندما يصبح هذا السيناريو مجديا من الناحية الاقتصادية، فإنه سوف يؤخر فقط موعد السداد عاجلا أو آجلا وبعض تلك الشحنات سوف تصبح متعثرة، ما قد يضغط على الأسعار الفورية أكثر فأكثر. في الوقت نفسه آليات التحوط سوف تعمق من تقلبات الأسعار وتربك أسواق العقود الآجلة والخيارات.
لقد مرت أسواق النفط العالمية من قبل بفترة مشابهة إلى حد ما. ففي عام 1985 خسرت أوبك حصتها السوقية بسرعة نتيجة ارتفاع الإنتاج من خارج المنظمة وكذلك من زيادة استخدام الفحم، الطاقة النووية والغاز الطبيعي. في شهر أب (أغسطس) من عام 1986 قررت أوبك إعادة العمل بنظام الحصص. في حينها قدمت المكسيك والنرويج والاتحاد السوفيتي على مضض بعض الدعم الذي تحول في نهاية المطاف إلى أن يكون رمزيا أكثر منه فعليا. لكن في اجتماع المنظمة الأخير، لم يقدم أحد من خارج "أوبك" أي شكل من أشكال الدعم للمنظمة.
على الرغم من أن عكس مستويات الاتجاه الحالي للأسعار سوف يتوقف على نوع من الاتفاق على خفض الإنتاج بين دول المنظمة وبعض المنتجين من خارج "أوبك"، إلا أن المؤشرات على هذا التوجه في الوقت الحاضر غير مشجعة تماما. على سبيل المثال، للتحوط لفترة طويلة من انخفاض الأسعار، عمدت روسيا إلى خفض عملتها الوطنية بصورة فعالة للتقليل من تأثير انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الوطني بشكل كبير. فلا عجب إذن من أن التوقعات الحالية تشير إلى استمرار انخفاض الأسعار لفترة أطول.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews