الأسواق العالمية هدوء ما قبل العاصفة

سوف تبقى الاعصاب مشدودة حتى 16 كانون الاول الجاري موعد أول رفع لأسعار الفائدة الاميركية الذي تأجّل منذ مطلع العام 2015. انه هدوء صعب ومرهق قبيل هبوب العاصفة التي سوف تخضّ الاسواق التي ما زالت حتى اليوم منضبطة بشكل عمومي.تمر الاسواق المالية العالمية حالياً في فترة من الهدوء القلق والصعب قبيل عاصفة رفع اسعار الفائدة الاميركية المتوقعة على نطاق واسع في الاسبوعين المقبلين. ويأتي ذلك مع توقع عودة التقلبات الحادة في الاسعار في مختلف ادوات الاسواق المالية، وتبدي الاسواق عصبية وحساسية مرتفعة ومتوترة ازاء ايّ تقارير اقتصادية جديدة فتتغير اتجاهات البورصات واسعار الذهب والنفط والعملات في اسواق الصرف.

الّا انّ هذه التغييرات بقيت حتى اللحظة ضمن الحدود المقبولة ومع بلوغ اسعار الفائدة مستويات لم تأت بفكر او بال احد، تبدي الاسواق حساسية كبيرة ازاء تحركات كبريات المصارف على هذا الصعيد ولا تستطيع الاسواق الحفاظ على الهدوء الى ما لا نهاية.

ويبقى التساءل والحذر الكبيرين ازاء حجم الاموال الخاصة للبنوك وكفايتها في العديد من الدول من جهة ازاء حجم القروض المشكوك بتحصيلها في بنوك منطقة اليورو.

وسجلت الاسواق الناشئة ادنى مستوى لإصدار السندات منذ الازمة المالية العالمية في العام 2009 وذلك بين شهري حزيران وايلول الماضيين، هذه الفترة التي سيطرت عليها المخاوف بشأن التباطؤ في النمو الاقتصادي في الصين والتي رافقها تراجع كبير في اسعار السلع وفي طليعتها النفط والذهب بالتوازي مع ارتفاع قوي لسعر صرف الدولار ازاء العملات الاخرى.

وبالمقارنة مع اصدارات الدين خلال الفصل الثاني من هذا العام والفصل المقابل من العام الماضي سجّل تراجع عام في الاسواق المالية العالمية بنسبة 80 في المئة. وفي مثال على ذلك سجلت اصدارات الدين في كل من البرازيل وتركيا نمواً سلبياً وقيمته ملياري دولار اميركي و1,6 مليار دولار على التوالي. امّا في الصين فتراجع حجم الاصدارات من عشر مليارات دولار الى 300 مليون دولار فقط.

كما انّ شروط ارتباط وتأثر الاستقرار المالي في الاسواق الناشئة تبقى كبيرة جداً ومرتفعة الحساسية ازاء اي رفع لأسعار الفائدة وذلك نتيجة الحفاظ على قيمة سندات الدين بالدولار الاميركي، والتي كانت تضاعفت بقوة منذ العام 2009 ما زالت مستقرة على ثلاثة تريليونات دولار وقد يضاف الى ذلك ديون خارج المصارف في الاسواق الناشئة والتي قد تزيد هي الاخرى عن 3,8 تريليون دولار اميركي.

كما ان بنوكاً كثيرة في مختلف انحاء العالم تقوم ببيع الديون المصدرة باليورو نظراً لأسعار الفائدة المتدنية قياسياً بحسب سياسات التحفيز الاقتصادي التي يعتمدها البنك المركزي الاوروبي، فقد اصدرت الاسواق الناشئة بين شهري حزيران وايلول نحو 62 في المئة من سنداتها باليورو وساعد ذلك من جهة في تدعيم استخدام اليورو عالمية كعملة للتمويل الى جانب الدولار الاميركي وتزداد الديون باليورو الى المقترضين من خارج منطقة اليورو بالتوازي مع تراجع سعر صرف اليورو في اسواق الصرف العالمية.

ويبدو انّ الاميركيين، وبتأثير من توصيات دولية متعددة يدركون تماماً قوة تأثر الاسواق العالمية برفع اسعار الفائدة وهذا ما دفع رئيسة الاحتياطي الفدرالي الاميركي جانيت يلين للاشارة الى انها سوف تعتمد الرفع التدريجي لأسعار الفائدة الاميركية، فتوقع الكثيرون رفع الفائدة هذا الشهر وتكرار ذلك اربع مرات في العام 2016 المقبل.

وعلى رغم تراجع نسبة البطالة الاميركية الى ادنى مستوى لها في سبع سنوات الى 5% تريد رئيسة الاحتياطي الفدرالي الاميركي متابعة زيادة الاجور بالتوازي مع زيادات في عدد الوظائف، ويدعو الكثيرون الى رفع اسعار الفائدة الامر الذي يعتقدون انه كان يجب ان يبدأ مع مطلع العام الجاري وانّ الفائدة يجب ان تستعيد مستوياتها العادية والطبيعية حتى لا ينعكس عدم رفعها على التوازن الاقتصادي العام.

وفي هذه الاجواء وبعد بيانات الوظائف الاميركية الاقوى، من المتوقع أن يعود الدولار الى استعادة المكاسب مقابل تراجع العملات الرئيسية الاخرى. وعاد اليورو الى 1,0884 دولار علماً انه انحدر سابقاً الى ما دون 1,06 دولار وتراجع الذهب حول مستوى 1085 دولاراً للأونصة بعد تراجع الى 1049 دولاراً، وتتذبذب اسعار النفط في نيويورك حول مستوى الاربعين دولاراً للبرميل.

وفي حين يعتقد الكثيرون انّ الاسهم الاوروبية تعتبر الفرصة الاستثمارية الافضل مع توجهات البنك الاوروبي المركزي، تراجعت مؤخراً الاسهم في الشرق الاوسط مع تمسك منظمة اوبك بحجم الانتاج اليومي الامر الذي يعني ضغوطات اضافية على الاسعار.

في ضوء كل ذلك ومع اقتراب موعد رفع اسعار الفائدة الاميركية الاول خلال عشر سنوات، تتحضر الاسواق والمستثمرين للعاصفة الكبيرة للحد من الخسائر التي قد تنتج عن ذلك، وبناء عليه تبقى الاعصاب مشدودة حتى موعد 16 كانون الاول الجاري.

(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-12-08)