تصوّر اقتصاد بريطانيا أكثر ازدهارا .. مجرد وهم

جورج أوزبورن، وزير المالية في المملكة المتحدة، لديه نزعة مغرورة. عند تقديمه مراجعة الإنفاق، كرر هدفه الرامي إلى تحويل بريطانيا إلى "الاقتصاد الكبير الأكثر ازدهاراً".

ما فرص تحقيق هذا؟ معدومة. مع ذلك، مكتب مسؤولية الميزانية يتوقّع فترة سعيدة في المستقبل، بعد الخسائر المرتبطة بالكساد العظيم. السؤال هو ما إذا كان هذا المُستقبل المُرتقب سيتحقّق. نحن لا نعرف، لكن التوقّعات تفترض بالفعل أن كثيرا من الأشياء ستجري الآن بشكل صحيح.

لنأخذ الاقتصادات الرائدة ذات الدخل المرتفع لمجموعة السبعة، إضافة إلى أستراليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية. وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن حصة الفرد من القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة احتلت المرتبة السادسة في عام 2014، بنسبة 73 في المائة من المستوى الأمريكي.

قبل المملكة المتحدة كانت هناك أستراليا "بنسبة 86 في المائة من المستوى الأمريكي"، وألمانيا "بنسبة 85 في المائة"، وكندا "بنسبة 83 في المائة" وفرنسا "بنسبة 74 في المائة". كانت المملكة المتحدة قبل اليابان "بنسبة 69 في المائة"، وكوريا الجنوبية وإيطاليا "بنسبة 65 في المائة"، وإسبانيا "بنسبة 62 في المائة".

منذ عام 1980، انتقلت المملكة المتحدة بمرتبة واحدة فقط إلى الأعلى. حصة الفرد من القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي البريطاني كانت في ذلك الحين 68 في المائة من المستوى الأمريكي، مقارنة بإيطاليا بنسبة 84 في المائة. الفرصة بأن الدخل الحقيقي للفرد في المملكة المتحدة سيتفوّق على ذلك الذي في الولايات المتحدة معدومة. مع ذلك، يتوقّع صندوق النقد الدولي بالفعل أن المملكة المتحدة ستتفوّق على فرنسا بحلول عام 2020، لتُصبح في المرتبة الخامسة. حيث انخفض الدخل الحقيقي للفرد في فرنسا عن 86 في المائة من المستوى الأمريكي في عام 1980.

مع ذلك، آفاق المملكة المتحدة تعتمد على ما سيحدث للإنتاجية. وفقاً لمكتب مسؤولية الميزانية، فإن الناتج في الساعة سيرتفع بنسبة 3.3 في المائة فقط بين عام 2008 وعام 2015.

غير أن المنظمة تُعرب عن أملها أن الناتج في الساعة سيرتفع بنسبة أخرى تبلغ 10 في المائة بحلول عام 2020. مع الطاقة الفائضة التي كان يُعتقد أنها 0.6 في المائة من الناتج المحتمل في الربع الثالث من هذا العام، فإن ارتفاع الإنتاجية هو شرط ضروري للنمو السريع، حيث يتوقع مكتب مسؤولية الميزاينة الآن، أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيزيد بنسبة 12.5 في المائة بين عامي 2015 و2020.

الناتج البريطاني في الوقت الحاضر هو أقل بكثير من اتجاهات ما قبل الأزمة. بالتالي فإن توقعات مكتب مسؤولية الميزانية للناتج المحلي الإجمالي المُحتمل في عام 2015 هي 12 في المائة، أقل من توقعات وزارة الخزانة ما قبل الأزمة.

تتوقع الهيئة أنه سيكون بنسبة 13 في المائة أقل من اتجاه ما قبل الأزمة بحلول عام 2020. بعبارة أخرى، من المتوقع الآن أن ينمو الناتج المُحتمل بمعدل قريب، لكن أقل قليلاً من، اتجاه ما قبل الأزمة، على الرغم من أن الخسائر في المستويات ستكون دائمة.

السؤال هو إذاً إلى أي مدى الانتعاش الضروري في الإنتاجية يُعتبر معقولاً؟ الخبر السار هو أن الناتج في الساعة ارتفع بنسبة 0.9 في المائة بين الربع الأول والربع الثاني.

لا ينبغي أن نفترض أن هناك شيئا صحيحا لمجرد رؤية جزء من دليل على ذلك. من المناسب أن نأمل، لكن انتعاش الإنتاجية يبقى أمرا غير مؤكد.

إذن، على جانب العرض، كل شيء يعتمد على قوة انتعاش الإنتاجية. هناك مُساهم مهم قد يكون الاستثمار القوي من الشركات. يتوقّع مكتب مسؤولية الميزانية أن نسبة الاستثمار الحقيقي من الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي، سترتفع إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل الثمانينيات، من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من هذا العام إلى 12.1 في المائة في عام 2021. هل يُعتبر هذا إفراطا في التفاؤل؟ من يعرف حقاً؟

مع ذلك، فإن الطلب أيضاً في موضع شك. لا يزال من المتوقع أن يتحوّل العجز المالي إلى فائض متواضع بحلول نهاية هذا العقد. وهذا له انعكاسات مهمة على القطاعات الرئيسية الأخرى في الاقتصاد.

مع توقع أن الحكومة ستكون في فائض "تعيش ضمن إمكانياتها"، كما قد يقول وزير المالية، وتوقعات صافي الاقتراض الأجنبي بنسبة 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 بشكل متفائل، بانخفاض عن أكثر من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الآن،، فإن القطاع الخاص في المملكة المتحدة يجب أن يُحقق عجزا يبلغ 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

العجز المالي المُفترض للأُسر والشركات (2.1 في المائة و1.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي) هما أكبر مما كانا على مدى أي فترة طويلة منذ عام 1980.

لذلك فإن الحكومة ستعيش ضمن إمكانياتها، لأن قطاع الأُسر أو الشركات لن يعيش ضمن الإمكانيات. البديل الوحيد سيكون أن تحذو المملكة المتحدة حذو ألمانيا وتُصبح بمثابة مُقرض كبير أجنبي صافٍ.

هذا يبدو أمراً غير محتمل،ومن وجهة نظر عالمية، غير مرغوب. إلى حد كبير، من المتوقع أن يرتفع الدين الإجمالي للأُسر، بالنسبة إلى الدخل، خلال الفترة المتوقّعة، ليصل إلى 163 في المائة في عام 2021. هذا أقل مما كان متوقعاً في تموز (يوليو) الماضي، لكنه لا يزال مرتفعاً بقدر ذروة ما قبل الأزمة البالغة 168 في المائة في عام 2008.

المملكة المتحدة لن تُصبح الاقتصاد الكبير الأكثر ازدهاراً في العالم. حتى تحقيق أداء جيد بقدر ما يتوقعه مكتب مسؤولية الميزانية، يتطلّب انتعاشا قويا في نمو الإنتاجية. القطاع الخاص يجب أن يُشغّل عجزا ماليا كبيرا بشكل استثنائي، في حين إنه تجب إزالة خطر الأزمات المالية أيضاً بنجاح.

إذا كان هذا سيحدث، فإن الفترة المُقبلة ستكون أفضل بكشل ملحوظ من الماضي القريب. في الواقع، ستكون كما لو أنها عودة إلى الوضع الطبيعي ما قبل الأزمة، لكن هذا أبعد ما يكون أمراً مؤكداً، فهناك كثير مما يُمكن أن يحدث بشكل خاطئ.

(المصدر: فايننشال تايمز 2015-12-04)