فضيحة «فولكسفاجن» تكلف ألمانيا أكثر من خروج اليونان من اليورو

معظم الفضائح تُنسى، لكن بعضها يتضخم. وفضيحة "فولكسفاجن" ستكون من النوع الثاني. العقوبات والأضرار الناجمة عن تلاعب الشركة باختبارات الانبعاثات يُمكن بسهولة أن تصل ألى أكثر من 100 مليار يورو. وإجمالي التكاليف الاقتصادية سيكون ضعف ذلك، وأكثر مما كانت ستواجهه ألمانيا من خروج اليونان من منطقة اليورو.

الأهم من ذلك أن فضيحة "فولكسفاجن" تملك القدرة على تشويش الأنموذج الاقتصادي الألماني الذي يعتمد كثيراً على صناعة السيارات، تماماً كما تعتمد صناعة السيارات فوق الحد على تكنولوجيا الديزل.

من جانبها، برلين تُدلّل هذه الصناعة وتُمثّل مصالحها في الخارج. ما يعرف بـ "قانون فولكسفاجن" يحمي في الواقع الشركة من عمليات الاستحواذ العدائية. وكان عضو سابق في مجلس إدارة "فولكسفاجن"، بيتر هارتز، هو من كتب الإصلاحات العمالية في العقد الماضي.

في المقابل، تُسهم الصناعة في استقرار التوظيف الإقليمي. وقواعد التصويت في المجلس الإشرافي تضمن أن الإنتاج لا يُمكن نقله إلى خارج ألمانيا إلا بموافقة صريحة من النقابات. بعبارة أخرى، لا سبيل إلى ذلك.

من حيث إدارة المخاطر الاقتصادية الكلية، هذه استراتيجية سخيفة - على غرار الاعتماد المُفرط في المملكة المتحدة على القطاع المالي. مثل هذه الاستراتيجيات تعمل بشكل جيد إلى أن تتوقف عن العمل تماماً.

لقياس التأثير الاقتصادي على نطاق أوسع، يحتاج المرء إلى الشعور بحجم الصناعة. إنها أكبر كثيرا مما تُشير إليه الإحصائيات الرسمية، لأنها لا تأخذ في الحُسبان الاعتماد المتبادل بين الصناعات ـ صناعة السيارات هي المشتري الوحيد الأكبر على الإطلاق للبضائع والخدمات من القطاعات الأخرى. ووفقاً لدراسة نشرتها جامعة مانهايم عام 2008، كانت صناعة السيارات تُمثّل 7.7 في المائة من إجمالي القيمة المُضافة لكامل ألمانيا في عام 2004 - أعلى نسبة في أي بلد في العالم. الثانية كانت كوريا الجنوبية بنسبة 5 في المائة. ومعظم البلدان الأوروبية الأخرى كانت في حدود 2 ـ 4 في المائة. وظل أداء صناعة السيارات، وقطاع التصنيع الألماني ككل، جيداً منذ ذلك الحين. ولا أتوقع أن تكون الأرقام مختلفة جداً اليوم.

هناك طرق عديدة يُمكن من خلالها لهذه الأوضاع أن تتفكك. وأفضل نتيجة للصناعة ستكون فترة من التعديل التدريجي، فالحياة عادةً ليست لطيفة إلى هذه الدرجة. والأكثر احتمالاً سيكون التعديل المُتسارع.

حاليا، "فولكسفاجن" تفوّت طفرة مبيعات في الولايات المتحدة، لذلك هناك خسارة منذ الآن. وعندما تتراكم، يُمكن أن تتفوّق الخسائر التجارية بسهولة على تكاليف أي أضرار قانونية. وللحفاظ على الحصة السوقية، سيكون على "فولكسفاجن" إعطاء حسم: مزيج من الأسعار المنخفضة والكميات المنخفضة يُبشّر بفترة من انخفاض الأرباح.

هناك سيناريو ثالث أكثر حدّة سيكون بيع الأصول بأسعار متدنية للغاية من أجل دفع التعويضات والغرامات. هذا من شأنه أن يكون أمراً صعباً لأن مجموعة "فولكسفاجن" تعمل كشبكة كبيرة تتعامل مع المخزون والمواد فقط وقت الحاجة. شركتا سيات الإسبانية وسكودا في جمهورية التشيك، وكلتاهما من الشركات التابعة لـ "فولكسفاجن"، تستخدمان تكنولوجيا مشتركة لـ "فولكسفاجن". كذلك، على اعتبار أن النظام السياسي الألماني دائماً ما ينزعج من فكرة عملية استحواذ أجنبية، ناهيك عن الإفلاس، يغلب على ظني أن "فولكسفاجن" ستبقى حيّة من خلال مزيج من مساعدات الدولة الخفية والعلنية.

هذا قد يُصبح تدريجياً أكثر تكلفة على مر السنين، وأقل شعبية سياسياً. في الوقت نفسه المواقف البيئة العالمية تتحرّك على نحو مناهض لتكنولوجيا الديزل؛ والمواقف الاجتماعية تتحرك ضد السيارة نفسها. أرى بعض التشابه بين الانتقال من النظام التماثلي إلى الرقمي في أواخر السبعينيات، عندما كان الألمان لا يزالون يعملون على تطوير وتحسين سنترالات الهواتف التماثلية. لقد نجحت. وكانت تعمل بشكل أفضل من الجيل السابق. وكان لها ناد من المُتحمّسين المُعجبين، إلا أن الزبائن ما عادوا يريدونها.

البلدان التي هي أقل اعتماداً في ناتجها الاقتصادي على قطاعات فردية يكون ردها فعلها أقوى عندما تأتي الصدمة. بإمكانها تحمّل سياسة الإهمال الحميد لبعض القطاعات طالما كان الاقتصاد مرنا. لكن في ألمانيا ليس هناك كثير من المرونة بين القطاعات. لن يعود مهندسو السيارات إلى العمل في صناعة التكنولوجيا الأحيائية، مثلا، أو في قطاع الخدمات. اعتماد ألمانيا على عدد قليل من الصناعات هو أحد الأسباب لكون الرأي الخارجي عن ألمانيا مُتقلّب جدا.

كان الأمر مختلفاً تماما قبل عشرة أعوام. كان الناس يتحدّثون عن ألمانيا كأنها رجل أوروبا المريض. بعد بضعة أعوام المُراقبون أنفسهم رفعوا ألمانيا باعتبارها مثال الاقتصاد التنافسي. عصا الرجل المريض الآن تقبع في مكان آخر إلى الغرب، في فرنسا، أو في الجنوب، في إيطاليا. هناك تقلّب في المراقبين بقدر ما يوجد تقلب في الشيء الذي يراقبونه. لكن من الواضح أن هذا الشيء مُتقلّب.

لهذا السبب الفضيحة مهمة، لأن لديها القدرة على إثارة واحد من تلك التحوّلات التي يُمكن أن تُغيّر الواقع الاقتصادي. فعندما تتباطأ ألمانيا، كذلك تفعل منطقة اليورو التي تُعيد تشكيل نفسها حسب الشروط الألمانية.

(المصدر: فايننشال تايمز 2015-10-06)