طوفان اللاجئين أم العمالة الوافدة؟
لم أتمكن وأنا أتابع طوفان اللاجئين إلى أوروبا الأسبوع الماضي أن أبعد عن تفكيري ملايين العمالة الوافدة التي تعمل لدينا. إذ بغض النظر عن المواقف المنفعلة التي سمعناها من وسائل الإعلام الأوروبية والتي سلطت الأضواء على الجوانب الإنسانية فإن جذور المسألة، على ما يبدو لي، هي اقتصادية. فنحن مثلما رأينا فإن القادة الأوروبيين قد انقسموا فيما بينهم حول الموضوع. وهذا الانقسام ليس مصادفة. فأوروبا تختلف عنا. لأن العالم هناك قد تأصل لديه، منذ قرون، التفكير الواقعي القائم على المصلحة. ولذا نجد القارة العجوز إنسانية عندما يكون ذلك مجديا لها اقتصادياً. ولكنها عدوانية ومستعدة لشن الحروب من أجل الحصول على المكاسب دون اكتراث إلى المآسي الإنسانية.
إنه بالفعل نفس التفكير الواقعي الذي حذا بالقادة الأوروبيين ليختلفوا فيما بينهم حول قبول أو رفض اللاجئين إلى بلدانهم. فالدول المصدرة للعمالة الرخيصة وعلى الأخص بلدان أوروبا الشرقية ليس لديها ما تستفيد من فتح حدودها للاجئين. لأنهم سوف يكونون عبئا عليها. وهذا على خلاف المانيا التي تعاني من نقص العمالة. فالتقديرات تشير إلى أن هذا البلد ربما يكون في حاجة إلى 800 ألف يد عاملة إضافية. وهذا ما عبرت عنه مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا التي اتهمت المانيا بالسعي لتشغيل مهاجري الشرق الأوسط كما العبيد بأجور متدنية.
ولذلك فإن الجدل حول اللاجئين الذي أثير الأسبوع الماضي يفترض أن نحوله في بلدنا إلى جدل حول طرق الاستفادة من العمالة الوافدة التي نحتاجها. وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تتسم بانخفاض العائدات النفطية. انه من المؤسف حقاً أن الدورة الاقتصادية لا تعمل لدينا كما تعمل في البلدان الصناعية. ففي هذه الأخيرة تعتبر الأزمات الاقتصادية مفتاحا لتجديد الإدارة والتكنولوجيا والتخلص من نقاط الضعف التي تثقل كاهل الاقتصاد. ولذلك فإنه يفترض، ان لم نتمكن عملياً فعلى الأقل من الناحية النظرية، أن نضع التصورات والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتفعيل الدورة الاقتصادية وتسخير تراجع العائدات النفطية لخلق اقتصاد لا يعتمد على تلك العائدات كل ذلك الاعتماد.
وأول ما يفترض ان نبدأ به هو تقليص الانفاق على ما يمكن أن نسميه الزوائد الاقتصادية. أي تلك الحلقات الاضافية التي لا ضرورة لها في الاقتصاد. ومن ضمنها شريحة الوسطاء والوكلاء. وتوجيه خادم الحرمين الشريفين-يحفظه الله- بفتح الأسواق للشركات الأجنبية في قطاع تجارة التجزئة والجملة بنسب ملكية تصل إلى 100% يفترض أن نجعله انطلاقة من أجل هندرة لكافة المنظومة الاقتصادية. فاقتصادنا قد تطور وأصبح الوسطاء والوكلاء عبئا عليه. مثلهم مثل الكفلاء الذين استنفذوا امكانيتهم مخلفين وراءهم ظاهرة التستر والعمالة السائبة والبطالة التي يعاني منها شبابنا.
ولذا فانه قد آن الأوان، على ما يبدو لي، لوضع آلية جديدة للاستقدام دونما مرور بتلك الشريحة الطفيلية التي منذ زمان وهي تقتات على الاقتصاد والمجتمع. فنحن نحتاج إلى آلية تشجع أصحاب الخبرة من غير السعوديين ليس فقط على القدوم إلينا وإنما تفتح المجال أمام الموهوبين منهم لاستثمار معارفهم ودرايتهم أحسن استثمار.
(المصدر: الرياض 2015-09-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews