الإنتاج من خارج «أوبك» .. الرابحون والخاسرون

على الرغم من انخفاض أسعار النفط بنحو 50 في المائة على مدى الاثني عشر شهرا الماضية، إلا أنه لا يزال هناك زخم كبير لدفع إنتاج النفط إلى أعلى. حيث من المتوقع أن يستمر الإنتاج من خارج منظمة أوبك في الارتفاع خلال العام أو العامين المقبلين لكن دائما هناك رابحون وخاسرون. بلا شك انخفاض أسعار النفط يضع قيودا على عمليات الحفر، الاستثمار، والموافقة والإنفاق على جميع المشاريع الاستخراجية، لكن هذا سوف يبطئ فقط من نمو الإمدادات في الأشهر المقبلة ولن يوقفها نهائيا. أسباب هذا الزخم التصاعدي في الإنتاج تعود إلى الانخفاض الكبير في تكاليف عديد من المشاريع، الحاجة إلى إكمال الآبار المحفورة سابقا ورغبة المنتجين في تعظيم الموارد المالية في ظل انخفاض الأسعار عن طريق دفع الإنتاج إلى أقصى ما في وسعهم.

وأخيرا، تأثير خفض الاستثمار سوف يستغرق وقتا طويلا ليسهم في إحداث تغيير في مستويات الإنتاج الفعلية، كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي. كل هذا يعني أن إنتاج النفط من خارج دول أوبك سوف يبقى في اتجاه تصاعدي تدريجي حتى عام 2017، الخاسر الأكبر في الإنتاج هي المناطق الناضجة الكبيرة من خارج أوبك مثل الصين، بحر الشمال وروسيا.

إن انهيار أسعار النفط ليس فقط حول سياسة أوبك في الحفاظ على حصة السوق ورفع الإنتاج. ولا، في هذا الشأن، استجابة الإمدادات إلى انخفاض الأسعار هي مجرد مسألة مراقبة لما يحدث لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. في الواقع، حتى مع انخفاض الأسعار، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة بصورة كبيرة بنحو 1.6 مليون برميل في اليوم خلال العام منذ بداية تراجع الأسعار في تموز (يوليو) 2014. النمو القوي في الإمدادات استمر أيضا في البرازيل وكندا، ما ساعد في دفع الإنتاج من خارج "أوبك" إلى أعلى – هذه المكاسب عززت بارتفاع مفاجئ غير متوقع في إنتاج النرويج والمملكة المتحدة.

إنتاج النفط في البرازيل وكندا سوف يستمر في النمو على مدى السنوات القليلة المقبلة، بعد أن أضافا أكثر من 400 ألف برميل في اليوم خلال الاثني عشر شهرا حتى تموز (يوليو). وحتى المملكة المتحدة والنرويج سوف تحققان مكاسب في هذا العام والعام المقبل، قبل العودة إلى اتجاهاتهما الهبوطية البنيوية. حيث إن الحقول الصغيرة التي سوف تبدأ في الإنتاج وإعادة تشغيل حقول أخرى – جزئيا نتيجة رد فعل إيجابي لتغيير النظام الضريبي - أدى إلى تعزيز إنتاج النفط في الدول المنتجة الرئيسة في بحر الشمال. وقد تمكنت خمس دول أخرى خارج "أوبك" من الصمود في وجه انخفاض الأسعار وتمكنت من المساهمة بأكثر من 50 ألف برميل في اليوم من النمو المتوقع لهذا العام ونحو 140 ألف برميل في اليوم في العام القادم. جزء من هذا النمو يعود إلى معالجة مشكلات سابقة في الإنتاج، كما هو الحال في كولومبيا، أو زخم بعض المنتجين الجدد مثل غانا، أو بدء تشغيل مشاريع مخطط لها منذ فترة طويلة، كما هو الحال في سلطنة عمان.

أما أكبر الخاسرين فهم من المناطق الناضجة، بقيادة الصين، المكسيك وروسيا، وذلك بسبب الانخفاض الطبيعي Decline Rate المطرد في إنتاج الحقول الحالية وندرة التطورات الجديدة لتحل محلها. على الرغم من اختلاف معدلات تراجع الإنتاج لهذه الدول، من المتوقع أن ينخفض إنتاج هذه الدول مجتمعة بنحو 370 ألف برميل في اليوم هذا العام ونحو 690 ألف برميل في اليوم أخرى في عام 2016. في حالة روسيا، تراجع الإنتاج سوف يتفاقم بسبب معوقات تطوير حقول جديدة في أجزاء المنطقة القطبية الشمالية والشرقية من البلاد - وذلك جزئيا بسبب العقوبات. في الصين ونتيجة لانخفاض أسعار النفط تم دفع إنتاج حقل داتشينج العملاق إلى أقصى مدى، لذلك من المتوقع أن يتراجع إنتاجه بشكل حاد لعدد من السنوات. إضافة إلى ذلك، بدأ عديد من الحقول البحرية الكبرى تعاني التقادم، مع عدم وجود دعم من الحقول الجديدة الواعدة في غرب البلاد. في المكسيك، منطقة كانتارل Cantarell البحرية في خليج كامبيتشي منتهية وتتجه إلى الهبوط النهائي. تحاول المكسيك الانفتاح على شركات النفط العالمية، لكن هناك إقبال محدود على حقول المياه الضحلة أو البرية، في حين أن الاستفادة من إمكانات المياه العميقة في خليج المكسيك لا تزال بعيدة المنال. المنتجون الآخرون خارج "أوبك" الذين يعانون مشكلات في الإنتاج هم اليمن، سورية، أوكرانيا، أذربيجان والكونغو (برازافيل)، حيث من المتوقع أن يتراجع إنتاجهم بنحو 200 ألف برميل في اليوم هذا العام.

في عام 2017، من المتوقع أن يتسع تأثير انخفاض الأسعار على إجمالي إنتاج الدول من خارج "أوبك"، عندما تنعكس طفرة النمو الأخيرة في عديد من المنتجين خارج المنظمة، ومن المحتمل أن يعود هذا بالفائدة إلى دول أوبك. تراجع الإنتاج في الصين والمكسيك سوف يهيمن على المشهد، ومكاسب الإنتاج البسيطة التي ستحققها الدول من خارج "أوبك" في عام 2016 سوف تتحول إلى السالب في العام التالي.

في عام 2017، إنتاج المملكة المتحدة والنرويج سوف يتراجع مرة أخرى والنمو في الولايات المتحدة يمكن أن يتراجع إلى 45 ألف برميل في اليوم فقط، نتيجة انخفاض عدد منصات الحفر واستنزاف تشكيلات النفط الصخري عالية الجودة. بعد ذلك نمو الإمدادت من خارج "أوبك" سوف يعتمد على ما إذا تمكنت موارد الرمال النفطية في كندا وتطوير موارد النفط الصخري غرب البلاد من أن تحقق تقدما حقيقيا، ولا يمكن اعتبارهما أمرا مفروغا منه نظرا لعدم وجود منافذ تصديرية، ناهيك عن التحديات البيئية.

(المصدر: الاقتصادية 2015-09-09)