تنظيم وإدارة مخاطر الائتمان في القطاع المصرفي الإسلامي
يلعب القطاع المصرفي (التجاري- الإسلامي) دوراً هاماً في تمويل الاقتصادات المعاصرة حيث في ظل اتساع تطور الدول وكبر حجم المشروعات محلياً وعالمياً يصبح من المتعذر تلاقي أصحاب فوائض الأموال المستثمرين مع أصحاب العجز المالي للقيام بأنشطتهم الاقتصادية فكان وجود المؤسسات المالية والاقتصادية وعلى رأسها القطاع المصرفي والتأميني والاستثماري والتمويلي وكل الأنشطة الضرورية والأهم التي تقوم بدور الوساطة بين المدخرين والمستثمرين فتقترض الأموال من المدخرين وتقرضها للمستثمرين وهي بنفس الوقت كلما كان الوسيط المالي القطاع المصرفي أكثر كفاءة كان التدفق المالي عن طريق الائتمان أكثر كفاءة وفعالية مصرفية غاية في الأهمية حيث إن العائد المتولد عنه يمثل المحور الرئيسي لإيرادات أي مؤسسة مالية مهما تعددت وتنوعت مصادر الإيراد الأخرى وبدونه يفقد المصرف وظيفته الرئيسية كوسيط مالي في الاقتصاد ولكنه في ذات الوقت استثمار تحيط به المخاطر متنوعة الأسباب والأنواع والصور بسبب التمويلات والتسهيلات المتعثرة والمتأخرات لذلك تواجه المصارف اليوم تحديات المنافسة التي أصبحت تتخذ طابعاً عالمياً نتجت عن مجموعة من المتغيرات على الساحة الدولية كالاتجاه نحو تحرير التجارة الدولية والخدمات وتكنولوجيا المعلومات واقتصاد السوق مع سياسية الانفتاح وإزالة قيود حركة التجارة والخدمات والتحرر المالي والاقتصادي فألزمت حكومات الدول المصارف المحلية بضرورة مواكبة التطورات وإعداد نفسها بالعمل دائماً على تدريب الموارد البشرية ونظم الإدارة الحديثة وتطوير الأنظمة المحاسبية والمالية وإدارات تنظيم المخاطر والجودة والحوكمة والسيولة والكفاية ومنها بصفة خاصة البنية التكنولوجية والبحث عن الوسائل الممكنة لتخفيض تكاليف الخدمات المصرفية وتحقيق عوائد مرتفعة للمصارف (ماديا - اجتماعيا) وهذا يؤدي إلى ضرورة الاهتمام بالوظيفة الائتمانية للمصارف على اعتبار أن المركز المالي لأيّ مصرف يتأثر بمتغيرات محفظة التمويل والاستثمار بشكل خاص التي تحتل موقعاً هاماً ضمن بنود المركز المالي فسلامة محفظته ونموها يؤدي إلى تحقيق عوائد مرتفعة للمصارف عند أقل مستويات ممكنة من المخاطر الائتمانية المصاحبة لقرارات منح الائتمان والتي تعتمد بشكل أساسي على أساليب التحليل الائتماني باعتباره أداة هامة للوصول إلى دقة في اتخاذ القرارات الائتمانية وبالتالي مواجهة المشكلات التي تواجهه في تخفيض الخسائر لا قدر الله وترشيد مستويات المخاطر التي قد تتعرض لها المصارف في عمليات منح الائتمان وطلبات التسهيلات الائتمانية في المصارف للتعرف على الجوانب الإيجابية وتعزيزيها وجوانب القصور والحد منها وتقديم المقترحات والتوصيات على تلافيها وبما يسهم في ترشيد عمليات البيوع الآجلة والتمويل والاستثمار والائتمان المصرفي وما يتبعه من إدارة وتنظيم المخاطر المصاحبة وتخفيض مستواها لأدنى الحدود وهو ما تشمله محاور التقرير:
أولاً: مفهوم الائتمان المصرفي ومخاطره
تتعامل المصارف الإسلامية وفق أحكام الشريعة الإسلامية وابتعادها عن التعاملات التي نركز على أسعار الفائدة لذا فإن الائتمان بمثابة التسهيلات المصرفية والمساهمات التي تقدمها للعملاء والمستثمرين في أشكال الصيغ الإسلامية كالمرابحة والمشاركة والإجارة وكل الصيغ المتنوعة وهذا يكون التوظيف الأساسي لأموالها وفقا لهذه الصيغ المتعددة وبطريقة غير مباشرة يكون في صور الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان لذلك عرفه خبراء المصـرفية الإسلامية بأنه القـدرة على الاقتراض وشـراء السـلع مقابـل وعد بالدفع في المستقبل وفي المقابل يعرضها ذلك لعدد من المخاطر الائتمانية في علاقته مع المتمولين بالاحتمالات المحيطة كفقدان الدخل الناشئ نتيجة تأخير الطرف المقابل في السداد بالوقت المحدد أو بالكامل أو بقدرة المدين على التسديد في الوقت المحدد للسداد ومماطلته بالشروط المتفق عليها في العقد في كل ما ينتج عنه لصيغ التمويل الإسلامية.
ثانياً: أنواع مخاطر الائتمان في قطاع المصرفية الإسلامية
(مخاطر التركيز على صيغة واحدة) حتى يتمكن المصرف من تلبية احتياجات العملاء المختلفة عليه أن يركز على صيغ التمويل المختلفة ويمكن قياس المخاطر عن طريق المعايير المقترحة كعدد الصيغ المستخدمة والأوزان النسبية للصيغ مقارنة لإجمالي حجم التمويل.
(تكلفة التمويل) تكلفة التمويل لا تستخدم لجميع الصيغ في المصارف الإسلامية موحدة فبعض الصيغ تعتمد على المشاركة في الأرباح والخسائر فالعميل لا يتحمل هنا تكلفة التمويل لأن الربح محاسبيا ليس التكلفة ومن الأهمية بمكان وجود أدلة إجراءات عمل للتمويل لضمان وجود أسس لمنح التمويل ووجود مراجعة دورية للسقوف الممنوحة للعملاء إضافة لوجود دورية للحكم على كفاءة المحفظة الائتمانية والعمل على تجنب المخاطر قبل وقوعها ويمكن قياسها عن طريق نظام قياس تكلفة التمويل ونظام منح التمويل ومتابعتها.
(محفظة التمويل) تتبع أهمية تنويع محفظة التمويل من وجود نظام لتوزيع المخاطر بين القطاعات الاقتصادية المختلفة داخليا وخارجيا إضافة لوجود موازنة تخطيطية للتمويل تمكن الموازنة بين مصادر التمويل واستخدامها ويمكن قياسها عن طريق وجود موازنة تخطيطية للتمويل والوزن النسبي لاستثمارات الداخلية من إجمالي حجم الاستثمار الداخلي والخارجي ووجود نظام لتوزيع المخاطر.
ثالثاً: مبادئ جودة إدارة وتنظيم المخاطر الائتمانية في القطاع المصرفي
ينبغي على المؤسسة المصرفية التعرف على طبيعة المخاطر الائتمانية التي يتضمنها كل نوع من المنتجات والأنشطة التمويلية التي يقدمها وكيفية إدارتها كما ينبغي أيضاً عدم الدخول في أي منتجات جديدة قبل الإدارة والتعرف على طبيعة مخاطرها ووضع الأنظمة والإجراءات لإدارتها وتشمل:
وضع الأنظمة والبرامج والأنظمة الملائمة للتعرف على المخاطر التي يتضمنها كل نوع من المنتجات والأنشطة التمويلية التي يقدمها وتحليلها وإدارتها بشكل جيد.
إدارة المصرف تتفهم بشكل دقيق طبيعة المخاطر التي تتضمنها المنتجات التمويلية المركبة والمعقدة مثل التمويل المقدم لبعض الصناعات وعمليات التوريث والمنتجات المرتبطة بحقوق الخيار وغيرها من المشتقات الائتمانية.
يولي البنك اهتماما خاصا بالتعرف على مخاطر تمويل المشروعات الجديدة وأن يتحقق من تفهمه لهذه المخاطر وقدرته على تحليلها وإدارتها ووضع الأنظمة والإجراءات الملائمة قبل أن يقرر الدخول فيها.
التحقق من القدرات والمهارات العالية للمسؤولين عن تقديم الأنشطة والمنتجات التمويلية ورفع الدراسات والتوصيات بشأنها خاصة المنتجات المركبة والمعقدة منها وكذلك إدارة المخاطر القائمين على تحليل مخاطرها ومراقبتها وتقييمها.
رابعاً: أسباب المخاطر الائتمانية في القطاع المصرفي الإسلامي
تواجه المصارف الإسلامية بالوقت الحاضر تحديات تمثل الديون والمماطلة بالمتأخرات الغالبية العظمى من أصولها لذلك فإن هذه المؤسسات تواجه مخاطر أعلى نسبياً من تلك التي تواجهها البنوك التجارية لأنها تفتقر إلى طرق معالجة مخاطر الديون ضمن نطاقها المباح نظراً لتقيدها بأحكام الشريعة في المعاملات المالية الإسلامية إلا أننا لا يمكن أن نقر أن نموذج المصرف الإسلامي يجب أن يواجه معدلاً أعلى من المخاطر ذلك النموذج الذي لا تشكل الديون فيه إلا جزءا يسيراً من جملة الأصول وتحوي محفظته الاستثمارية أنواع المشاركات وعقود التأجير والمضاربة، إن الإمكانات المتاحة ضمن نطاق الجواز الشرعي كافية لمواجهة مصادر الخطر وعلى سبيل المثال من هذه الأسباب:
صيغ التمويل القائمة على المشاركة في الأرباح والخسائر والعمل وفق الصيغة تنجم عنه مثل هذه المخاطر وذلك في حالة عدم سلامة المركز المالي للعميل أي عدم إمكانية من الوفاء بالتزاماته المستقبلية المترتبة عليه في مواعيدها تجاه المصرف وهو يعرض المصرف إلى مخاطر ائتمانية تقلل من نسب الربح ومعدل دوران رأسمال المصرف إضافة لعمليات القائمة على البيع والشراء كون الطرف الثاني لا يملك نظم معلومات متطورة ولا خبرة في مجال الأعمال وبالتالي يتعرض المشروع لمخاطر عديدة من احتمالية حدوث خسائر.
تحريم الفائدة حيث لا يسمح للمصارف الإسلامية بإعادة جدولة الديون على أساس التفاوض على أسعار فائدة إضافية وهذا يشجع العملاء على التعثر والمماطلة عن السداد ويعرف بعدم إمكانية زيادة الدين في ثبوته بالذمة.
منع المتاجرة بالديون أي بيع الدين لغيره قبل أجله بأقل من قيمته الاسمية غير معترف به في العمل المصرفي الإسلامي وهذا يغلق الباب على المتاجرة بالديون مما يعني أن المصارف الإسلامية لا تستطيع حسم الكمبيالات لأنه يؤول للربا أو حتى المتاجرة في بيع الديون في دفاترها لأي طرف.
لا يوجد لدى المصارف الإسلامية القدر الكافي من الأدوات والأساليب التي تساهم في التحوط من المخاطر بحيث إن معظمها ترتكز على الفائدة مثل البنوك التجارية مما يعني أن قدرتها على التعامل مع المخاطر الائتمانية محدودة جدا.
خامساً: خصوصية المخاطر الائتمانية في القطاع المصرفي الإسلامي
تواجه البنوك التجارية المخاطر الائتمانية في كل عملياتها لأن العلاقة بينها وبين عملائها هي علاقة دائن بمدين (قرض بفائدة) على الدوام مهما اختلفت التسميات للعقود والمعاملات وكذلك المصارف الإسلامية تواجه هذا النوع من المخاطر في أكثر صيغ التمويل التي تعمل بها هذه المصارف فمعلوم أن المرابحة والاستصناع وبيع التقسيط هي بيوع آجلة يتولد عنها ديون في دفاتر البنك والمخاطرة الأساسية فيها هي المخاطر الائتمانية والسلم يتولد عنه دين سلعي لا نقدي ولكنه يتضمن أيضا مخاطر ائتمانية والمضاربة والمشاركة عقد شركة لا تكون الأموال التي يدفعها المصرف إلى عميله ديوناً في ذمته ولكنها قد تتضمن مخاطر ائتمانية من طريقين في حال التعدي أو التقصير حيث يضمن العامل رأس المال فينقلب إلى دين في ذمته وعند إنهاء المضاربة والقسمة يصبح نصيب المصرف مضموناً على العامل كمثل الدين فكل ذلك يتضمن المخاطر الائتمانية والثاني إذا استخدمت أموال المضاربة أو المشاركة في البيع الآجل وهو ما يقع في أكثر المضاربات فيتحمل رب المال والمصرف مخاطر ائتمانية غير مباشرة متعلقة بقدرة عملاء المضاربة على السداد.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-08-02)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews