تطبيقات المصالحة والتحكيم في فـقـه المعاملات المالية الاسلامية
أصبح للمعاملات المالية والاسلامية كيان مستقل له سمات وخصائص مصرفية واستثمارية تختلف في مضمونها عن المعاملات المالية التجارية وتعاظم دورها، كماً وكيفاً ونوعاً، خلال الفترات الاخيرة ولكن بالرغم من تعددها وقوة وزنها المالي تندرج المؤسسات المالية الاسلامية تحت أنظمة قانونية قد ضعت أساسا لتنظيم الاعمال التجارية ولم يترجم تعاظم دورالمؤسسات المالية الاسلامية من ناحية الكيف الى صيغ وآليات تعكس خصوصة المنهج الاسلامي المتبع في التعامل فاذا كان من الافضل اجازة عقود المؤسسات المالية الاسلامية من قبل هيئات الرقابة الشرعية، تشكل ضمانة لصحتها من الناحية الشرعية فهذا لايمنع نشوب خلاف بين قراءة وتفسيرما اجيز في شكل فتاوي وما نفذ في الواقع وبالتالي لا تحول الاجازة الشرعية المسبقة للعقود والصيغ الشرعية دون امكانية رصد المحكمة وهيئة التحكيم لخلل في تطبيق العقود المجازة عمليا أو بعض شروطها فالواقع أوسع تطبيقا ونتيجة لهذا الاختلاف الفكري بين صناعة المعاملات المالية الاسلامية والتجارية ظهرت الحاجة لان يكون للصناعة المالية الاسلامية مؤسسات بنية تحتية ( تحكيمة - تنظيمية - اشرافية - الخ ) تنظم نشاطها بحيث يصبح له كيان مستقل ومتكامل وتأسيس سواء المراكز اوالهيئات المصالحة والتوفيق والتحكيم تندرج في اطار هذا المجال لفض وحل المنازعات في فقه المعاملات المالية الاسلامية وذلك بناء على أحكام ومبادئ الشريعة الاسلامية وبالسرعة والمهنية المطلوبة والحفاظ على حقوق الافراد والمجتمع ككل ومن اهم المظاهر القانونية المعاصرة ظاهرة الانفتاح على التحكيم واتساع آفاقه فقد عم الاعتراف بالتحكيم في كافة المجتمعات على اختلاف أنظمتها القانونية وأوضاعها الاقتصادية فقد اتسع نظاق ومجال التحكيم ليشمل مجالات تدخل تحت طائلة التحكيم باسم النظام العام او المنازعات التي تكون الدولة والاشخاص المعنوية اطرافا فيها وآليات فض المنازعات في المعاملات المالية الاسلامية متعددة منها مايتم عبر القضاء وهو الاصل ومنها مايتم خارج اطار القضاء والتحكيم اوالتحاكم بين الخصمين من الصيغ التي تتم خارج القضاء مثل المصالحة والتوفيق واذ كانت تطبيقات التحكيم تأخذ من الحكم القضائي الصفة الحكمية للقرارالصادرعن المحكمين وهو المطلوب كذلك من الناحية الشرعية لحل اي اختلاف يتم مستقبلا وعليه ستكون محاورالتقرير:-
اولا: الفكرة الاساسية لتطبيقات التحكيم
التحكيم طريقة خاصة لفض النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها أطراف النزاع مهمة البت فيها بموجب اتفاقية تحكيم دون اللجوء إلى القضاء النظامي ويكون التحكيم بهذا المفهوم صيغة تهدف إلى إيجاد حل ملزم لنزاع بين طرفين أوأكثرعن طريق محكم واحد أوأكثر يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص بين أطراف النزاع ويتخذون قرارهم على أساس الاتفاق المذكور دون أن يكونوا معينين من قبل الجهاز القضائي الرسمي لأدائها.
ثانيا: تعريف تطبيقات التحكيم
يعرّف مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة التحكيم بانه اتفاق طرفي خصومة معينة على تولية من يفصل في منازعة بينهما بحكم ملزم يطبق الشريعة وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد أم في مجال المنازعات الدولية وعرّفه المعيار الشرعي رقم (31) الصادرعن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين على أنه اتفاق طرفين أوأكثرعلى تولية من يفصل في منازعة بينهم بحكم ملزم لهما.
ثالثا : مفهوم المصالحة والتوفيق
لا يوجد بين المصالحة والتوفيق فوارق جوهرية من حيث الهدف والنتيجة ففي كلتا الحالتين يسعى الموفق والمصلح للوصول إلى حل النزاع دون اللجوء للقضاء والتحكيم ومع ذلك يمكن القول بأن هناك فرقا يكمن في كيفية إدارة العملية التصالحية والتوفيقية ففي التوفيق يسعى الموفق إلى التوصل لحل مرض للطرفين بإرادتهما وبتفاوضهما أما في المصالحة فالمصلح هو الذي يقترح الحل فالموفق يدفع للتفاوض للوصول إلى الحل أما المصلح وإن كان لا يستبعد حث الطرفين على التفاوض إلا أنه يسعى لإيجاد حل وعرضه على الأطراف فالمصلح له دورأنشط من الموفق.
رابعا : خصائص تطبيقات التحكيم
أثبتت تطبيقات التحكيم جدارتها وأثرها حتى أصبحت واقعا ملموسا قامت الدول بتنظيمه واعتماده بل أنشأت له المحاكم والهيئات والمراكز المحلية والدولية وأصبح التحكيم أهم الطرق والوسائل البديلة موازيا للهيئات القضائية يكون مرنا وسريعا لحل الخصومات والمنازعات بين الأفراد والدول والمؤسسات المالية والاقتصادية التجارية منها وإلاسلامية وبفضل هذه المزايا أصبح التحكيم نظاما قضائيا عالميا بجانب النظم القضائية الوطنية والعالمية حيث ينص نظامه على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالتراضي وفتح بابا واسعا لتطبيق مبادئه ومن اهم خائصه كالتالي :-
• يستند التحكيم إلى إرادة أطراف الخلاف لاختيارهذه الصيغة لفض نزاعهم دون أن تفرض عليهم.
• حرية أطراف النزاع في اختيارالمحكم أوهيئة التحكيم المخولة للبت في النزاع واختيارمكان التحكيم والقواعد الواجبة التطبيق على سير إجراءات التحكيم وغيرها.
• التحكيم يفترض نزاعا يقطع فيه المحكم أوهيئة التحكيم الخصومة بصدورحكم ملزم واجب التنفيذ.
• التحكيم أوله اتفاق ووسطه إجراء وآخره اصدارحكم.
خامسا : مزايا تطبيقات التحكيم في فقه المعاملات المالية الاسلامية
بالرغم من الخصائص المتقدمة لفقه المعاملات المالية والمصرفية الاسلامية وللعمليات والصيغ المرتبطة بها فإن هذه العمليات تخضع بحسب الأصل للقواعد الشرعية والقانونية العامة اولا سواء في إبرامها أوفي إثباتها أوتفسيرها ولكن ضمن ظروفاً خاصة طوعت هذه الخصائص بحيث جعلت لتطبيقها أسلوباَ خاصاً بها له مميزاته التي ينفرد بها كالتالي :
( مطابقة قرارات هيئة التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية ) تصدرألاحكام مطابقة للشريعة لمبادئ الإسلامية من متخصصين في المعاملات المالية الاسلامية بشقيها الفني والشرعي والمالي والقانوني مع توافر في نفس الوقت طاقات متمرسة في استيعاب خصوصيات القضايا المالية والمصرفية المعاصرة واقتراح الحلول الشرعية المناسبة تؤدي لحل وفض الخلاف
( الحد وتخقيض حالات المماطلة وعنصرالفائدة) الأصل في المؤسسات المالية الإسلاميةحرصها من غيرها من المؤسسات المالية على اختيارالتحكيم كصيغة لفض المنازعات لأن الضررعليها أكبر من المؤسسات التجارية فالمؤسسات المالية الاسلامية التي يحرم عليها تقاضي غرامات التأخير وفوائد تعويضا عن فرص الاستثمار التي ضاعت بسبب التأخيرتحتاج إلى صدورحكم في وقت وجيز لاسترجاع حقوقها وهذه الوظيفة تؤديها مراكزالتحكيم أما المؤسسات المالية التجارية التي تتقاضى غرامات تأخيرفسرعة البت في القضايا ليست لها أهمية بنفس الدرجة لأن في غرامات التأخيربالنسبة للمؤسسات المالية التجارية تعويضاً ولوجزئياً.
( معالجة المسائل المستجدة في مجال المعاملات المالية الاسلامية ) بعض المحاكم التيت نظرت في قضايا تخص المعاملات المالية الاسلامية يظهرعدم قدرتها على فهم طبيعة وأبعاد المعاملات المالية الاسلامية في مسائل تخص مدى تطابق معاملة مالية اومصرفية معينة مع أحكام الشريعة الاسلامية و تتطلب تعيين خبراء للإدلاء برأيهم في مسألة فقهية وقانونية ومن ثم لجوء التحكيم إلى اصحاب الخبرة لمسائل فنية لا يدركها إلا أهل الاختصاص الدقيق ( مالي – شرعي) لأن مقياس اختيار المحكم ي يشمل خبرتهم العلمية والعملية
( الجوانب الشرعية للمعاملات المالية الاسلامية كموضوع النزاع) الإلمام بالجوانب الشرعية للمعاملات المالية الاسلامية من المسائل التي يجب توفرها في المحكم الذي ينظرقضايا لها علاقة بفقه المعاملات من المسائل المهمة في قضايا الصناعة المالية الاسلامية من سوء فهم لأحكام فقه المعاملات الشىء الذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الحكم بصحة المعاملة من الناحية القانونية رغم بطلانها من الناحية الشرعية
( التقيد بالشروط والاحكام ) تقيد المحكمين المطلق بتطبيق أحكام الشريعة كما هو منصوص عليه في بند التحكيم وكما هو في لوائح مركزالتحكيم في التحكيم المؤسسي لأن المحكم يستمد نفوذه من اتفاق التحكيم أما المحاكم فحتى مع وجود النص على تطبيق أحكام الشريعة فقد لا تتقيد بها
( البيئة القانونية ) المحكم لا سلطان عليه ولا خلفية له إلا التقيد باتفاقية التحكيم خوفاً من تعرض حكمه للبطلان أما المحاكم فهي عادة ما تكون حريصة على عدم التناقض في إصدار أحكامها ومن ذلك إذا كان القانون يأخذ بمبدأ الفائدة أخذا وعطاء فلا يتوقع أن يلتزم القاضي بشرط تطبيق أحكام الشريعة المنصوص عليها في العقد وهذا ما يفسرالاجتهاد أحياناً في استبعاد أحكام الشريعة بالاستناد إلى إعادة التكييف حتى تنصهرفي منظومة القانون الوضعي أوالاحتجاج بالعرف أو بالنظام العام.
( صدارة مبادئ الشريعة علي القوانين الوضعية) التحكيم مجال لتطبيق أحكام الشريعة الاسلامية لأن الحرية التي يوفرها التحكيم في اختيارالقانون الواجب التطبيق علي النزاع تجعل تقديم تطبيق الشريعة الاسلامية واحكامها على غيرها من النظم القانونية أمرا واقعيا إذا ما أراد أطراف الخلاف
( الاسترشاد بسوابق المعاملات المالية الاسلامية ) وجود مركزتحكيم متخصص في فض المنازعات التي تخص المؤسسات المالية الاسلامية تطبيقا لأحكام الشريعة سيسهم في إيجاد رصيد من السوابق القضائية في مجال فقه االمعاملات المالية تستفيد منه الإدارات القانونية عند صياغة العقود أوعند صياغة هيكلة المنتج الجديد بما يضمن تفادي مواطن الضعف والهشاشة فإصدار الأحكام في فقه المعاملات قد يساعد على مراجعة بعض الشروط لتستجيب للضوابط الشرعية
( المحافظة على قوةالتصنيف) وجود نزاعات عالقة أمام المحاكم لفترة طويلة دون البت فيها يؤثر سلبيا على برامج المؤسسات المالية الاسلامية في استقطاب موارد إضافية عن طريق الصكوك مثلا فالبت في المعاملة في فترة وجيزة يؤدي إلى غلق ملف النزاع بصفة نهائية ويعطي للمؤسسة المالية الاسلامية آفاقا أوسع مما لو كانت مكبلة بحجم كبير من النزاعات العالقة أمام الهيئات القضائية
(العدالة التصالحية ) في المؤسسات المالية الاسلامية لايجب أن تكون الخصومة قطيعة بين الاطراف المتنازعة وإنما خلاف عابر يتم طيه بعد صدورالحكم ليستأنف التعامل من جديد إن لم يكن قد استأنف من قبل وهذا المناخ يوفره التحكيم بسرعته وسريته وثقة أطراف المناعات بالمحكمين وفي المركز الذي يدير عملية التحكيم أما التقاضي بما ايحمله من إجراءات نشرالقضايا في أروقة المحاكم وربما استغلالها من قبل الصحف والاعلام خشية المشاحنات والقطيعة واردة.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-07-20)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews