المشروعات الصغيرة والصندوق الاجتماعى
يدور فى الآونة الحالية الحديث حول إنشاء كيان جديد للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فى ضوء الرغبة فى إعادة الاهتمام بها وتعزيز قدرتها العالية على التشغيل وإيجاد فرص عمل لمحدودى الدخل وخاصة المرأة ،
وتعبئة المدخرات المحلية واستثمارها، خاصة انها تتميز بقدرة هائلة على إنتاج السلع والخدمات بأسعار مناسبة تتلاءم مع مستويات دخول كل الشرائح الاجتماعية خاصة الفقراء ومحدودى الدخل. وهى بذلك تعد من أهم القطاعات الواعدة والقادرة على النمو فى الوقت الحاضر. لذا يتزايد الحديث عن ضرورة الاهتمام بدعم وتنشيط هذه المشروعات ورفع كفاءتها بما يؤهلها للقيام بالمهام التنموية المنوطة بها. خاصة أن المشروعات الصغيرة هى بالفعل النمط الغالب للمشروعات فى مصر فوفقا للمسح الذى أجرى عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة فى مصر تبين أن معظم هذا القطاع يعمل فى تجارة الجملة والتجزئة (42% من الاجمالى) يليها الصناعات التحويلية (بنسبة 21%) ثم قطاع التشييد والبناء (بنسبة 11% ). هذا فضلا عن أن معظم تمويله يأتى من مدخرات الأفراد والصندوق الاجتماعى والجمعيات الأهلية، وقد بدأت البنوك أخيرا فى الدخول بقوة فى تمويل هذه الانشطة.
وللأسف الشديد فإن المتتبع لتطور الاقتصاد المصرى على مدى الحقب الماضية يلحظ أن الاهتمام بهذا القطاع يحظى بالأولوية والاهتمام لفترة معينة ثم مايلبث ان يقل هذا الاهتمام ويتوارى لمصلحة غيره من القضايا الأخرى، ولذلك سار القطاع بخطى بطيئة للغاية لاتتناسب مع مانصبو إليه، ومازال فى حاجة إلى المزيد من السياسات والإجراءات التى يمكن أن تساعد على النهوض به، ومواجهة التحديات الكبرى التى تواجهه وهى كثيرة ومتعددة يأتى على رأسها المنافسة الشديدة فى الأسواق المحلية، خاصة من جانب السلع المستوردة والمهربة، وضعف الإمكانات ونقص الخبرات الفنية والتدريبية والتسويقية للعاملين به. وضعف البيئة التنظيمية. فضلا عن تعقد الإجراءات والجهات الحكومية التى يتعامل معها هذا القطاع.
ولذلك فإن أى محاولة للتطوير يجب أن تسعى إلى تشجيع الاستثمار فى الطاقات الإنتاجية المتاحة لهذه المشروعات ومساندة المشروعات التصديرية عن طريق تشجيع المشروعات التى تملك قدرة على المنافسة ورفع كفاءتها وقدرتها على تقديم السلعة والخدمة بالجودة والكفاءة المطلوبة.وهو ما يتطلب بالضرورة وضع آليات جديدة للتعامل مع الجهات الحكومية بما يضمن تسهيل الإجراءات وتوحيدها.
من هذا المنطلق نتساءل هل نحن فى حاجة إلى جهة جديدة للمشروعات الصغيرة أم يكتفى بإجراء بعض التعديلات على الجهات القائمة ، ونقصد بها تحديدا الصندوق الاجتماعى، بحيث تمنح هذه المشروعات القدرة على الدخول فى دولاب عمل الاقتصاد القومى ؟
وقبل الإجابة عن هذا التساؤل تجدر بنا الإشارة إلى أن هناك العديد من القضايا المثارة فى هذا الشأن يأتى على رأسها تعريف المقصود بهذه المشروعات أو بمعنى آخر ماذا نقصد بالمشروع الصغير وهل المسألة ترتبط فقط برأس المال أو العمالة أم أن الأمر يرتبط بمجموعة من العوامل والمعايير الأخرى. وتأتى أهمية هذا التساؤل فى ضوء الواقع المصرى المعيش الذى يتسم بعدم وضوح ملامح لهذا القطاع وغياب تعريف مستقر عليه لمفهوم المشروع الصغير. إذ يذخر المجتمع المصرى بالعديد من التعريفات المعطاة لهذا القطاع بحسب الجهة المتعاملة معه، فالتعريف لدى الصندوق الاجتماعى يختلف عن تعريف الجهاز المصرفى له يختلف عن تعريف مصلحة الضرائب.. إلخ. وهناك العديد من الدراسات المهمة التى أجريت على هذا الموضوع.
وهنا يجب التفرقة بين «المشروع الصغير» و«المشروع الصناعى الصغير» إذ أن الأول يندرج تحت عباءته العديد من الأنشطة مثل تجارة التجزئة والبقالة والمخابز البلدية والمطاعم والمقاهى وقطع غيار السيارات... إلخ، ويهدف بالأساس إلى إيجاد فرص عمل وخفض نسب الفقر ورفع مستوى معيشة الأفراد وهى مشروعات بسيطة وقليلة العائد نسبيا وتقع معظمها ضمن القطاع غير الرسمى. أما النوع الثانى وهو عبارة عن الصناعات الخفيفة والمغذيةكما يتضمن أيضا العديد من الصناعات الزراعية كثيفة العمل كالصناعات الغذائية، صناعة الغزل والنسيج والملابس، صناعة الأخشاب. والتى تكتمل بها المنظومة الإنتاجية لذلك يعد وبحق الركيزة الأساسية للتنمية الصناعية، وذلك فى ضوء العلاقات التشابكية بين هذا القطاع والمشروعات الإنتاجية الكبرى، لهذا فإن هذا القطاع يمكن أن يحقق قيمة اقتصادية مضافة ويسهم فى التطوير التكنولوجى المطلوب.
وهنا نعرج إلى التساؤل هل نحن فى حاجة إلى كيان جديد أم ينبغى العمل على تطوير الكيانات القائمة أولا؟ إذ يرى البعض أن هذا القطاع فى حاجة إلى دفعة قوية تتجاوز مجرد تعديلات هنا أو هناك على المؤسسات القائمة بالفعل ، وبالتالى فهناك ضرورة قصوى لإيجاد جهة واحدة تتولى كل الأمور المتعلقة بهذا النشاط، الأمر الذى سيحقق وضوحا فى الرؤية ويسهل على أصحاب هذه المشروعات معرفة مالهم من حقوق وماعليهم من واجبات. وهذا يتناسب تماما مع طبيعة العاملين به. فإذا كان المطلوب هو تنظيم وتطوير وتحديث هذا القطاع فإن الأمر يتطلب بالضرورة وضوح الرؤية والسياسات الخاصة به وتوحيد جهة الإشراف والرقابة والمتابعة فى جهة واحدة. وهو مايتطلب بالأساس مشاركة كل المعنيين فى المجتمع من حكومة وقطاع خاص ومجتمع مدنى وأهلى فى صياغة ووضع الأطر المناسبة لتدعيم هذا القطاع.بينما يرى البعض الآخر ضرورة أن يكون الصندوق الاجتماعى للتنمية هو الجهة المنوط بها هذا الموضوع والاجدر بالقيام بهذا الدور، والعمل على تنقية القوانين الحالية مما يشوبها من عوائق تحول دون تفعيل دور هذا القطاع فى الاقتصاد القومى . حيث إن كثرة القوانين وتعددها يؤدى الى تعقيد الموضوع وليس تبسيطه، هذا فضلا عن أن المزايا والتسهيلات التى يمكن أن تمنح لهذا القطاع يمكن دمجها فى القوانين المعمول بها حاليا مثل قانون الضرائب والتأمينات.. إلخ. وبالتالى فلا توجد أى ضرورة لإنشاء كيانات جديدة تزيد الأمور تعقيدا وليس العكس.
لكل ماسبق فإننا نرى ضرورة العمل على إنشاء مجلس أعلى للمشروعات الصغيرة يضم ممثلى الوزارات المعنية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى الأهلى، ويناط به رسم السياسات المرتبطة بعمل هذا القطاع ووضع الأطر الملائمة للتعامل معه. والعمل على التنسيق والتكامل بين مختلف الجهات المعنية،على أن يكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء وتمثل فيه الوزارات المعنية وهيئاتها المختلفة والقطاع الخاص والمجتمع المدتى وكذا المهتمون والخبراء.
على أن يكون الصندوق الاجتماعى بفروعه ومكاتبه المختلفة هو الجهاز التنفيذى لهذا المجلس، نظرا لطبيعة عمل الصندوق وتوافر الخبرات والكوادر الفنية والبشرية لديه. وهو مايتطلب تحديث عمل الصندوق وتطويره بالدرجة التى تسمح له القيام بهذا الدور حتى لو تطلب الأمر إدخال بعض التعديلات الجوهرية على اتفاقية الإنشاء المعمول بها حاليا.
مع ضرورة العمل على وضع تعريف واضح وبسيط للمشروع الصغير وتوحيد جهة التعامل فى جهة واحدة، وإنشاء مراكز للدعم والمساندة. هذا فضلا عن ضرورة توفير أراضٍ لإنشاء أسواق وتخصيص مناطق لإقامة معارض دائمة ومؤقتة لمنتجات هذه المشروعات.يضاف إلى ماسبق ضرورة العمل على تقوية الروابط بالأجهزة البحثية بالجامعات والكيانات المؤسسية للجمعيات والاتحادات الأهلية.
(المصدر: الاهرام المصرية 2015-07-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews