الموازنة الجديدة.. انطباعات أولية
مجلس الوزراء أقر مشروع الموازنة العامة الجديدة. التصريح الصحفى لوزارة المالية يحاول التأكيد على انحياز الموازنة العامة للفقراء وغير القادرين، يحرص على إبراز الزيادة فى مخصصات برنامج إسكان محدودى الدخل وتطوير العشوائيات، والزيادة فى دعم التأمين الصحى والأدوية، والتوسع فى برامج الدعم النقدى المباشر ومعاشات الضمان للفئات الأولى بالرعاية، فضلا على عدم تطبيق الزيادة المنتظرة فى فواتير الكهرباء على الشرائح الدنيا للاستهلاك. طبعا نحن نصدق كل ذلك. الحكومة يتنازعها بالفعل عاملان أحدهما هو واجب العمل على تخفيف حدة الفقر للشرائح الأشد احتياجا، أما الثانى فهو الحب الجارف للأغنياء وكبار رجال الأعمال. المشكلة أن أداء الحكومة يثبت دوما أنها ضعيفة أمام حبها الكبير!
مشروع الموازنة العامة الجديدة يؤكد أن هناك زيادة كبيرة فى الإيرادات العامة. صحيح أن الارتفاع المتوقع فى معدلات النمو الاقتصادى يؤدى إلى زيادة الدخول وبالتالى زيادة الإيرادات الضريبية إلا أن المؤكد حتى الآن أنه لم يتم التراجع عن تخفيضات الضرائب التى قررتها الحكومة على الأغنياء وكبار رجال الأعمال، بالعكس أضافت الحكومة لمهرجان التخفيضات تأجيل العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة. إذن الزيادة المنتظرة فى الإيرادات يتوقع أن تأتى كالمعتاد من الضرائب على المؤسسات المملوكة للدولة ممثلة فى قناة السويس والهيئة العامة للبترول والبنك المركزى المصري، فضلا على الهيئات العامة وبنوك القطاع العام. معدلات الضرائب على قناة السويس والهيئة العامة للبترول 40% بينما لا يزيد الحد الأقصى للضريبة على الأثرياء ورجال الأعمال على 22.5%.
التصريحات الرسمية لوزارة المالية لا تعطى صورة واضحة بشأن دعم الطاقة والذى يمثل أحد البنود الرئيسية للإنفاق فى الموازنة العامة للدولة. حتى شهر مارس الماضى كانت الحكومة مراوحة بين الاقتصار على ترشيد استخدام المنتجات البترولية المدعمة من خلال الكروت الذكية وبين رفع أسعار تلك المنتجات. الآن تم الإعلان عن تأجيل العمل بالكروت الذكية فهل يعنى ذلك أنه سيتم رفع أسعار المنتجات البترولية؟ تصريحات وزير المالية لم تذكر رقم دعم الطاقة فى الموازنة العامة، إلا أن التصريحات المتناثرة لبعض المسئولين تقول إن هذا الرقم يدور حول 60 مليار جنيه وهو ما يقل بنسبة 40% عن موازنة العام الماضي، فهل يعكس ذلك انخفاض تكلفة المنتجات البترولية التى نستوردها أم يعكس قرارا حكوميا بموجة جديدة من رفع أسعار السولار والبنزين والمازوت والغاز الطبيعي، وبالتالى موجة جديدة من ارتفاع المستوى العام للأسعار؟
فى كل الأحوال ارتفاع المستوى العام للأسعار قادم لا محالة. التصريحات السابقة لوزير المالية توضح أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتخفيض دعم الطاقة سيؤديان إلى رفع معدلات التضخم بنحو ثلاث نقاط مئوية. وأخذا فى الاعتبار أن معدل التضخم حاليا يزيد على 13% فإن إضافة ثلاث نقاط مئوية يعنى أننا نتحدث عن معدل تضخم 16% ! مشروع الموازنة الجديدة يؤكد التوجه لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة كما يؤكد رفع أسعار الكهرباء. صحيح أنه سيتم الالتزام بعدم تطبيق تلك الزيادة على شرائح الاستهلاك حتى 200 كيلو وات، إلا أن الطبقة المتوسطة وخاصة الشرائح الدنيا منها ستتعرض حتما لمعاناة أكثر بشأن فواتير الكهرباء، وأسعار المنتجات المختلفة.
طبعا مشروع الموازنة العامة الجديدة يؤكد زيادة بند الأجور بنسبة 14%، وهو ما يوحى بأن أجور موظفى الحكومة ستزيد زيادة كبيرة، إلا أن مقارنة الزيادة فى الأجور بمعدلات التضخم المنتظرة تؤكد على العكس أن الدخول الحقيقية لموظفى الحكومة مرشحة للانخفاض أو البقاء عند نفس مستوياتها على أحسن الاحتمالات. والسؤال الآن هل سيتكفل دعم الخبز والسلع التموينية بسد الفجوة والحيلولة دون انخفاض مستويات المعيشة فى ظل ارتفاع الأسعار؟ مرة أخري.. الصورة غير واضحة. مشروع الموازنة العامة يوضح الزيادة فى رقم دعم السلع الغذائية بالمقارنة بموازنة العام الماضي، إلا أن التصريحات المتناثرة لبعض المسئولين تؤكد أن المنصرف الفعلى على هذا الدعم خلال السنة المالية الحالية وصل إلى 40 مليار جنيه فى حين أن المستهدف فى الموازنة الجديدة 38.4 مليار فقط.. فمن نصدق؟
أما فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم والصحة، فكلاهما لا يزال دون النسبة التى حددها الدستور. نحن نعلم أن الحكومة تفى بهذا الاستحقاق بالتقسيط على ثلاث سنوات لضيق ذات اليد. طبعا قد تتعجب من مهرجان التخفيضات الضريبية الذى أقامته الحكومة للأثرياء بينما هى فى حاجة لموارد إضافية، ولكن.. القلب وما يريد! إلا أن اللافت للنظر حقا أن الزيادة فى الإنفاق على التعليم لم تتجاوز 8.3% أى بما يقل كثيرا عن معدلات التضخم. بمعنى آخر القيمة الحقيقية للإنفاق على التعليم أقل من العام الماضي، وهو ما يعنى تراجعا حادا فى الإنفاق الحقيقى على بناء وترميم وتجهيز الأبنية التعليمية المتهالكة.
تتأكد الظاهرة نفسها عند الحديث عن الاستثمارات الحكومية فى مشروعات البنية الأساسية ككل. مشروع الموازنة يقول إن الإنفاق على هذا البند سيزيد بحوالى 11%، وهو ما يعنى وفقا لمعدلات التضخم الحالية والمتوقعة تراجعا فى القيمة الحقيقية للإنفاق على مياه الشرب والصرف الصحى وغيرها من مشروعات البنية الأساسية. فإلى أى مدى يمثل ذلك انحيازا للفقراء؟
(المصدر: الاهرام المصرية 2015-06-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews