الموازنة الجديدة وتعديلات قانون الضرائب
الحكومة فتحت باب الحوار المجتمعى حول الموازنة العامة الجديدة. المفروض طبعا أن تعرض تلك الموازنة على البرلمان كى يناقشها ويعتمدها. والمفروض أيضا فى غياب البرلمان أن يكون هناك حوار مجتمعى موسع يناقش فيه الشعب تلك الموازنة وتوجهاتها ويبدى ما يراه من ملاحظات وتعديلات،
وأن تستجيب الحكومة لتلك الملاحظات والتعديلات كى تكتسب الموازنة المقبلة مشروعية حقيقية. فى هذا السياق، وبعد أن أوشكت وزارة المالية على الانتهاء، أو ربما انتهت بالفعل، من إعداد الموازنة العامة للدولة تذكرت مسألة الحوار المجتمعي، وعلى عجل تم تنظيم مؤتمر دعيت إليه مجموعة من منظمات العمل الأهلي. المدهش أنه لم يتم دعوة الأحزاب السياسية، ولا النقابات العمالية والمهنية ولا أى تنظيمات ممثلة للفلاحين.. الأفراد القليلون الذين ينتمون لتلك القوى السياسية تم توجيه الدعوة لهم إما بصفتهم الشخصية أو كممثلين لبعض جمعيات العمل الأهلي. بالنسبة للحاضرين، كان هناك اعتراف بأن وزير المالية الحالى يتيح بالفعل درجة معتبرة من الإفصاح لم نعهدها من قبل، وأن الوزارة تتيح على موقعها الالكترونى العديد من المعلومات التى تعطى الفرصة للمواطن للتعرف على أدائها وعلى توجهات السياسة المالية فى مصر. ومع ذلك كان الشعور الغالب على الحاضرين هو أن الدعوة التى وجهت إليهم للمشاركة فى الحوار هى فى حقيقتها جزء من تمثيلية..مجرد تستيف ورق لإكساب الموازنة الجديدة المشروعية. الجزء الأكبر من الحوار والمناقشات دار حول الضرائب والدعم. الضرائب طبعا تمثل المورد الرئيسى الذى يوفر للحكومة الأموال اللازمة للإنفاق على الصحة والتعليم وجميع الخدمات العامة التى تقدم للمواطنين، فضلا عن الأمن والدفاع وسائر المهام والوظائف التى تقوم بها الدولة. توجهات الموازنة العامة الجديدة بشأن الإيرادات الضريبية تستند بالأساس إلى التعديلات الجديدة فى قانون الضرائب على الدخل، والتى لم تطرح لأى مناقشة مجتمعية حقيقية، فقد اكتفت الحكومة بالحوار مع رجال الأعمال، واعتبرت أن بقية شرائح المجتمع هم مجرد صفر فى المعادلة. مناقشة البيان المالى المبدئى للموازنة العامة الذى قدمته وزارة المالية فى المؤتمر أوضحت أن التعديلات الجديدة على قانون الضرائب على الدخل تمارس كرما حاتميا فى التعامل مع كبار رجال الأعمال وطبقة الأثرياء فى هذا البلد، بما يمثل تفريطا فادحا فى الموارد الأساسية اللازمة لتمويل الإنفاق العام، كما تمثل على الجانب الآخر إصرارا على تعويض الفرق من المشروعات الصغيرة والفئات محدودة الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة. تعديلات قانون الدخل تتضمن مبدئيا إلغاء ضريبة ال 5% الإضافية التى سبق فرضها على دخول المشروعات التى تزيد على مليون جنيه سنويا، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة إلى 22.5 % . التعديلات تنص على إلغاء مبدأ التصاعد بالنسبة للمشروعات وتوحيد معدل الضريبة على كافة المنشآت التى يزيد ماتحققه من أرباح على خمسة آلاف جنيه سنويا، يستوى فى ذلك الورشة الصغيرة و المشروعات الضخمة والاحتكارية، والشركات الأجنبية دولية النشاط. الحكومة التى صدعت رؤوسنا بأهمية مساندة وتشجيع المشروعات الصغيرة، التى عانت أشد المعاناة طوال السنوات الأربع الماضية، تفاجئنا باستكمال سحق تلك المشروعات و تحميلها عبء تعويض الموارد الضريبية التى تنازلت عنها طوعا لكبار المستثمرين المحليين والأجانب. الحوار مع وزارة المالية حول البيان المبدئى للموازنة العامة الجديدة أوضح أن الكرم الحاتمى فى التضحية بالموارد الضريبية لم يقتصر على المشروعات الضخمة، بل امتد أيضا إلى الأفراد الأثرياء وأصحاب الدخول العالية. التعديلات الجديدة لقانون الضرائب تنص على تخفيض الحد الأقصى للضريبة على دخول الأفراد إلى 22.5 % . الحاضرون تساءلوا عن المنطق فى عدم رفع الضرائب على الأثرياء والتى تقل عن نصف معدلات الضرائب فى أعتى الدول الرأسمالية. فإذا كان هناك من يرى أن الوقت الحالى وظروف الركود الاقتصادى تستدعى تخفيض معدلات الضريبة على المشروعات، فما هو المبرر لتخفيض الضريبة على دخول الأفراد الأثرياء؟ كيف يمكن تخفيض الحد الأقصى للضريبة على الشريحة العليا للدخول إلى 22.5 % فى بلد أصبح فيه لفظ ملياردير أمرا مألوفا، وفى حين أن معدلات الضريبة على شرائح الدخل العليا فى الدول الرأسمالية تصل إلى 40 % فى انجلترا وفرنسا وسويسرا، و إلى 45% فى استراليا وألمانيا ، وإلى 50% فى اليابان و57% فى السويد و62% فى الدانمارك. هذا الكرم الحاتمى فى التعامل مع الأثرياء قابله حزم شديد فى التعامل مع دخول عامة الشعب. البيان المبدئى لوزارة المالية حول الموازنة العامة للدولة أكد أن العلاوات الجديدة التى يحصل عليها الموظفون العاملون فى الحكومة لن يتم ضمها على الأجر الأساسي، ومع ذلك فإن العلاوات الخاصة التى قد تقررها الدولة لهم ستخضع للضرائب! الحكومة تحب الأثرياء فقط. طبعا القلب وما يريد.. ولكن المشكلة أن الأثرياء لا يزيدون على 5% من الشعب! ممثلو المجتمع المدنى أعلنوا رفضهم التخفيضات التى تضمنتها التعديلات الجديدة لقانون الضريبة على الدخل وطالبوا بعودة فرض ضريبة ال 5% الإضافية على دخول المشروعات التى تزيد على مليون جنيه سنويا، و تخفيض معدلات الضريبة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ورفع حد الإعفاء للضريبة على دخل الأفراد إلى مستوى الحد الأدنى للأجور أى بما يعادل 18 ألف جنيه سنويا. والسؤال الآن هل ستستجيب الحكومة أم تؤكد أن الحوار المجتمعى هو مجرد تمثيلية وتستيف ورق؟.
(المصدر: الأهرام 2015-03-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews