تسارع معدلات نمو الاقتصاد البريطاني
توقع العديد من التقارير والدراسات والمؤشرات والتي تمثل آخرها في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر حديثاً تحت عنوان "آفاق الاقتصاد العالمي"، بلوغ نمو الاقتصاد البريطاني هذا العام 2.7% مقارنة بمعدل 2.6% في العام الماضي، فيما لم يتجاوز 1.6% في عام 2013 في دلالة واضحة على فاعلية وتحسن سوق العمل البريطاني بالنسبة لبقية دول الاتحاد الأوروبي... وتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره كذلك عدم قدرة أي من الاقتصادات الكبرى في التفوق على معدل النمو الاقتصادي البريطاني في هذا العام أو العام المقبل باستثناء الاقتصاد الأمريكي الذي من المتوقع أن يحقق معدل نمو يزيد على 3%.
ويرى الكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أن أهم التحديات التي واجهت الحكومة البريطانية الحالية حين تولت السلطة بالبلاد في عام2010 قد تمثلت في ضعف الاستهلاك والطلب المحلي، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة وتوقف الكثير من المصانع والآلات عن العمل، مما اضطر هذه الحكومة لبذل جهود مضنية لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها وفي مقدمة ذلك توسعها في استخدام برنامج التيسير الكمي والتحفيز المالي وضخ المليارات بالأسواق وشراء الأصول والمديونيات.
ولقد أدت هذه الإجراءات بالفعل إلى ارتفاع معدلات الطلب الداخلي وزيادة الاستهلاك العائلي، ومن ثم تقليص فجوة الإنتاج من 3% إلى أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي.
ولطالما اعتمدت الحكومات البريطانية السابقة في سعيها لبناء اقتصاد قوي وبصفة أساسية على إحياء الصناعات التحويلية وزيادة الصادرات إلى الخارج، إلا أن ذلك لم يتحقق بالكيفية والمعدلات المرجوة، لذا تبنت الحكومة الراهنة واعتبارا من عام 2013 بديلاً آخر أكثر فاعلية تمثل في الاعتماد على الانتعاش الداخلي من خلال زيادة معدلات الإنفاق والاستهلاك والذي بدأ بالفعل في الزيادة بمعدل لا يقل عن 2% سنوياً، مدعوماً في ذلك باستعادة ثقة المستهلكين وتركيز الشركات البريطانية على الاستثمار في الداخل بدلاً من الخارج، وظهر أمام الحكومة والمستثمرين تحد (جديد – قديم) تمثل في انخفاض إنتاجية العاملين كأحد المعوقات الأساسية التي تحول دون تحقيق البلاد للانتعاش الاقتصادي المأمول.
ورغم انخفاض وتباطؤ الإنتاجية بغالبية دول العالم في أعقاب الأزمة المالية العالمية، إلا أن انخفاضها كان بصورة أكبر في بريطانيا، حيث انخفضت القيمة المادية لإنتاج كل ساعة عمل "وما زالت" بنحو 2% عما كانت عليه في فترة ما قبل الأزمة، فيما زاد متوسط هذا المعدل ببقية الدول المتقدمة الغنية بحوالي 5%، في الوقت الذي حقق فيه الإيطاليون إنتاجية أكثر بنسبة 9% وأنتج الفرنسيون أكثر من البريطانيين رغم اتخاذهم يوم الجمعة عطلة وهي غير مطبقة ببريطانيا، بما يعني أن المحرك الاقتصادي البريطاني مازال أقل فاعلية وكفاءة وفي حاجة إلى مزيد من خطوات الإصلاح.
وإن حاول البعض تبرير انخفاض إنتاجية العمال البريطانيين على اعتبار أن أجورهم هي الأقل على المستوى الأوروبي، إلا أن هذا التبرير لم يقنع مديري صندوق النقد الدولي الذين شككوا بأن بريطانيا لا تزال بعيدة عن حالة الانتعاش الاقتصادي الحقيقي المستدام، كما لم يقنع كذلك مسؤولي وكالة موديز للتصنيف الائتماني التي أشارت إلى استمرار ضعف نمو الاقتصاد البريطاني، بل خفضت من تقييم المديونية البريطانية من AAA إلى AA1، مما دفع حزب العمال الذي فقد جانباً كبيراً من مصداقيته الاقتصادية في تعامله مع الأزمة المالية العالمية، "خاصة في بدايتها"، إلى إعلاء مصلحة الوطن فوق مصالحه الحزبية الضيقة، والتعاون مع حزب المحافظين لسد تلك الفجوة وتحقيق أعلى درجة من الكفاءة الاقتصادية للبلاد.
ولقد أثمرت جهود التعاون المشترك بين حزبي المحافظين والعمال بجانب الإجراءات الاقتصادية الرشيدة للحكومة الحالية عن تحقيق أعلى معدل توظيف بالبلاد على مر عقود طويلة، ووفرت الحكومة أكثر من مليون فرصة عمل جديدة، ومن ثم تراجع معدل البطالة إلى نحو 5.7%، وهو الأمر الذي دعا مديرة صندوق النقد الدولي "كريستين لاجارد" إلى إعادة النظر بشأن الاقتصاد البريطاني والإشادة بالسلطة الحاكمة في بريطانيا ووصفتها بالقيادة البليغة والعاقلة والحكيمة.
ويؤكد الكثير من المحللين الاقتصاديين على أن حزب المحافظين البريطاني إنما يعمل على استثمار حالة الانتعاش الاقتصادي التي تمر بها البلاد لتحقيق مكاسب سياسية والفوز في الانتخابات المقبلة، وذلك في ظل استطلاعات الرأي الداخلية التي لم تركز على المشكلات الاقتصادية التقليدية من بطالة وفقر وغيرها، وإنما أظهرت قلق المستطلعة آراؤهم فيما يتعلق بقضايا الهجرة والرعاية الصحية.. وفي ظل الإشادة الدولية بحالة الاقتصاد البريطاني. ووصف صندوق النقد الدولي لبريطانيا أنها من أهم الدول التي تتمتع بنمو اقتصادي قوي نتيجة لاستفادتها بشدة من انخفاض أسعار النفط وأنها سوف تستفيد أكثر مستقبلاً مع تحسن ظروف الأسواق المالية المحلية والعالمية.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-05-27)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews