الاقتصاد السعودي وأزمتا النفط واليمن
من الواضح أن الأحداث الجارية في اليمن لم تؤدِ إلى ارتفاع لأسعار النفط. وربما يمكن القول إن الأزمة في اليمن وضعت حدا لتحدي هبوط أسعار النفط وهي الظاهرة التي بدأت في 2014.
لا غرابة، تعتبر أسعار النفط جوهرية لرفاهية الاقتصاد السعودي، حيث لا تزال المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم. يبلغ مستوى الإنتاج في السعودية نحو 9.8 مليون برميل في اليوم، ويتم تخصيص قرابة 7 ملايين برميل لأغراض التصدير. لكن يتوقع ارتفاع الطلب المحلي على المنتجات النفطية على حساب التصدير لأسباب تشمل النمو الاقتصادي خصوصا الصناعي فضلا عن النمو السكاني.
يشار إلى أن السعودية حظيت على شرف أكبر منتج للنفط في سنة 2013 من خلال إنتاج 13 بالمائة من الإنتاج العالمي. وجاءت روسيا والولايات المتحدة في المرتبتين الثانية والثالثة عبر المساهمة بنحو 12 بالمائة و11 بالمائة من الإنتاج النفطي على التوالي.
حقيقة القول، يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في الاقتصاد السعودي، حيث يشكل قرابة 85 في المائة من إيرادات الخزانة العامة ونفس النسبة فيما يخص لعائدات التصدير فضلا عن 50 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. تؤكد هذه الأرقام أن أمام اقتصاد المملكة طريقا طويلا لتحقيق التنويع الاقتصادي المنشود.
على أقل تقدير، توفر ظاهرة هبوط أسعار النفط فرصة للبحث عن بدائل واقعية تتناسب وواقع الاقتصاد السعودي. منطقيا، من الأفضل البحث عن البدائل في ظل أسعار مرتفعة نسبيا للنفط الخام.
لحسن الحظ، الظروف الاقتصادية في المملكة العربية السعودية على ما يرام بدليل كثرة وتنوع الأدلة. فوفقا لمصادر رسمية، بلغت النفقات الفعلية للسنة المالية 2014 نحو 300 مليار دولار.
يزيد هذا عن الرقم الذي تم اعتماده عند إقرار الموازنة العامة أي 230 مليار دولار ما يعد أمرا مثيرا ودليلا على رغبة الجهات الرسمية بتوفير الظروف لتحقيق أفضل نسب النمو الاقتصادي.
مؤكدا، يعد حجم الإنفاق العام في السعودية نوعيا قويا بدليل تشكيله 39 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. من الناحية السلبية، تكشف هذه الإحصائية عن التواجد النسبي الكبير للقطاع العام في الشأن الاقتصادي المحلي الأمر الذي من شأنه مزاحمة القطاع الخاص للحصول على الخدمات والتسهيلات المصرفية على سبيل المثال.
يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية قرابة 780 مليار دولار أي الأكبر بلا منافس بين الدول العربية بل ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يأتي ترتيب الناتج المحلي الإجمالي للسعودية ضمن قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم. وهذا ربما يفسر تمتع السعودية بعضوية في مجموعة العشرين، وهي الحالة الوحيدة بين الدول العربية قاطبة. تضم مجموعة العشرين كبريات الاقتصاديات العالمية مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وعدد من دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا فضلا عن البرازيل والهند وروسيا وجنوب إفريقيا.
من جملة الأمور، أسهم تعزيز الإنفاق في رفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 2.7 بالمائة في 2013 إلى 3.6 بالمائة في 2014. وقد تحقق هذا الأمر بشكل جزئي على خلفية غياب الضغوط التضخمية نتيجة أمور منها تراجع أسعار النفط. وكانت اقتصاديات دول مجلس التعاون قد عانت الأمرين ما بين 2007 و2008 فيما عرف بالتضخم المستورد عند تزامن ظاهرتي ارتفاع أسعار وتراجع قيمة الدولار. لكن في الوقت لا يوجد سبب لدى المستورد للنفط برفع أسعار منتجاتها المصدرة في ظل بقاء أسعار النفط متدنية.
بالنظر للأمام، تزايدت التكهنات في الآونة الأخيرة حول فرضية ذهاب السعودية لخيار الاقتراض لتغطية العجز المتوقع في موازنة 2015. يشار إلى أنه تم إعداد موازنة السنة المالية 2015 بنفقات قدرها 230 مليار دولار مقابل إيرادات بنحو 191 مليار دولار وبالتالي رصد عجز متوقع قدره 39 مليار دولار.
الحديث الآن حول إمكانية ارتفاع العجز لحد 106 مليارات دولار على خلفية انخفاض أسعار النفط وبالتالي العوائد النفطية. مصدر هذا التوقع هو شركة جدوى للاستثمار. وربما يكون الرقم أقل من ذلك بكثير في حال تحسن الأسعار لكن يوجد شبه اتفاق بأنه لن يكون أمرا مستغربا تبني السعودية لخيار الاقتراض للمرة الأولى منذ 15 عاما.
الخيار الآخر عبارة "ليس غير الاستفادة من الاحتياطي العام للمملكة". حقيقة القول، تتمتع السعودية برصيد ضخم من الثروة السيادية حيث تم تقديرها حسب آخر إحصاءات معهد الثروة السيادية بنحو 763 مليار دولار. يشكل هذا الرقم قرابة 11 بالمائة من حجم الثروة السيادية في العالم ما يعد ثروة ضخمة بكل المقاييس. يأتي ترتيب السعودية بعد الإمارات فيما يخص حجم الثروة السيادية حيث يبلغ رصيدها قرابة 1.1 تريليون أو نحو 15 بالمائة من الثروة العالمية.
وفي كل الأحوال، لا تسمح الأزمة اليمنية بفرصة الحد من النفقات وربما العكس تلزم زيادة المصروفات. وحتى في حال حصول مخرج سياسي لأزمة في اليمن، يتوقع من السعودية بأن تقود عملية إعادة البناء.
من جهة أخرى، يلزم استمرار تحد آخر أي البطالة في أوساط الشباب خيار الصرف لدى القطاع العام. في الواقع، ليس من الخطأ افتراض وجود صلة بين الحفاظ على نفقات القطاع العام ورغبة معالجة معضلة البطالة.
لا شك، تعتبر إحصاءات البطالة في أوساط الشباب مزعجة، فقد كشف تقرير متخصص صدر بنهاية 2014 بواسطة المنتدى الاقتصادي العالمي بأن معدل البطالة بين الشباب المملكة العربية السعودية في حدود 28 بالمائة.
تعتبر هذه الإحصائية الأسوأ في دول مجلس التعاون الخليجي، وتليها كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان. يعود الأمر لواقع حال الحقائق الديمغرافية، حيث يمثل الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة نحو نصف السكان من المواطنين.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-04-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews