الهند تعول على الفحم لدخول نادي القوى الاقتصادية العظمى
هناك لوحة كبيرة مرسومة وملونة معلقة على المدخل المؤدي إلى أعماق جهانجرا، أكبر منجم للفحم تحت الأرض في الحزام الواقع في رانيجانج في ولاية البنغال الغربية. يظهر الجانب الأيسر للرسم صناعة التعدين الهندية كما كانت في الماضي، بوجود شخصيات كرتونية مرسومة تستخدم معاول قديمة وتحمل سلال فحم منسوجة، يحملونها باتزان على رؤوسهم. أما الجانب الأيمن فيصور مشهدا أكثر حداثة، يضم آلات تعدين صفراء كبيرة، يشغلها فنيون مهرة.
حين تدخل في المصعد الشبيه بالقفص لتنزل مئات الأمتار إلى الظلام الدامس في الأسفل، ومن ثم تمشي قرابة ساعة عبر أنفاق ضيقة وفي حرارة خانقة، تظهر أمامك حقيقة الصورة الثانية فجأة، فترى أداة قطع بأسنان معدنية دوارة شرسة، تعرف باسم عامل المنجم المستمر بنيت من قبل شركة كاتربلر الأمريكية، تقوم بتمزيق أطنان من الصخور السوداء في منجم الفحم.
تكنولوجيات التعدين من هذا القبيل يمكنها أن تساعد الهند في درء خطر التعرض لأزمة طاقة تلوح في الأفق، كما يقول سوتيرثا بهاتاتشاريا، رئيس منجم الفحم الهندي المدعوم من الدولة، الذي ينتج ما يقارب 80 في المائة من الفحم في الهند. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة في الهند على مدى العقدين المقبلين، لكن الإمدادات المحلية من الفحم، التي تعد مصدر الطاقة المهيمن، بالكاد تشهد أي ارتفاع، ما يجعل الهند تواجه مستقبلا يُثقِل عليه انقطاع التيار الكهربائي والاعتماد على واردات الوقود المكلفة.
يقول بهاتاتشاريا، واصفا مهمته بشكل حماسي: "إن الهدف الأساسي لدولتنا هو أن ترتفع نسبة توافر الفحم، وأن تكون هناك طاقة متوافرة لكل شخص". ويعد ذلك وجهة نظر يشاركه فيها العاملون لديه. في الأعماق تحت الأرض يقول واحد من عمال المنجم إنه ليس قلقا لكونه فوَّت مباراة لفريق الكريكيت الهندي، الذي يعتبر الآن في منتصف الطريق في مسابقة حاسمة في كأس العالم الخاص بهذه الرياضة. ويقول أيضا، وهو يمسح العرق عن جبهته: "إذا لم ننزل نحن إلى هذا المكان تحت الأرض، لن يحصل أي من أبناء بلدي على الطاقة اللازمة لحضور لعبة الكريكيت (الرياضة الوطنية التي تشغف بها الهند). "بالنسبة لنا، يعتبر تعدين الفحم مهمة للأمة كلها".
الطلب والعرض
بالتأكيد سيوافق على ذلك ناريندرا مودي، رئيس الوزراء. يوفر الفحم أكثر من نصف الطاقة التي تحتاج إليها الهند ومن المنتظر أن يبقى المصدر الأهم من مصادر الوقود لعقود عدة، رغم الجهود المبذولة لتعزيز مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة.
سوف تتفوق الهند على الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر مستهلك للفحم في العالم بحلول عام 2025، وفي سبيلها لتحل محل الصين باعتبارها المَصدر الرئيسي للطلب العالمي الجديد على الفحم بعد ذلك بفترة قصيرة. لكن دون مزيد من الفحم، فإن آمال مودي في دفع بلاده نحو مكانة القوة الاقتصادية العظمى في خطر.
مع هذا، يعد سجل التعدين في الهند سجلا بائسا، تاركا محطات الطاقة في ضياع بسبب نقص الوقود، ما يجعل المواطنين يعانون انقطاع التيار الكهربائي. وصناعة الفحم فيها مشوبة بالفساد أيضا: ألغت المحكمة العليا في أيلول (سبتمبر) مئات من التراخيص التي أعطيت لشركات خاصة على مدى العقدين الماضيين، في سياق فضيحة الفحم التي تعرف على نطاق واسع باسم "فحم جيت" coal gate.
وتم إعادة بيع العشرات من تلك التراخيص في المزاد العلني خلال الأشهر الأخيرة. وهذا الأسبوع كان الموعد النهائي لكثير من هذه التراخيص ليتم تسليمها للملاك الجدد، ما يبشر بشيء من البدايات الجديدة لقطاع الموارد المحطم في البلاد.
مع هذا، تعد تلك المزادات العلنية الأولى فقط من ضمن عديد من التحديات الكبرى التي تواجه مودي وهو يحاول تكثيف إنتاج الفحم وإعادة تشكيل قطاع الطاقة في الهند، بادئا بهدف طموح هو مضاعفة إنتاج الهند من الفحم ليصل إلى مليار طن بحلول عام 2020. وإذا لم يتم تحقيق ذلك الهدف، فإن كثيرا من الأهداف السياسية العزيزة على رئيس الوزراء، بدءا من توفير الطاقة لمئات الملايين من مواطنيه، إلى تحويل الدولة إلى قوة تصنيعية، سوف تضيع معه. لكن في المقابل إذا نجح في تحقيق هدفه، فإن الهند قد تواجه مزيدا من التدهور في نوعية الهواء الموجود لديها.
الأسواق العالمية
سوف يكون للتقدم الذي يحرزه مودي آثار كبيرة في أسواق الطاقة العالمية. شركات الموارد العالمية، مثل ريو تينتو وبي إتش بي بيليتون، تأمل أن تفتح الهند قطاع التعدين خاصتها الذي تسيطر عليه الدولة والتعويض عن بعض الركود في الوقت الذي تحاول فيه الصين إبعاد نفسها عن الفحم وسط معركة أوسع نطاقا ضد التلوث. لكن من المهم أكثر بالنسبة للهند، حيث يستعد الانتعاش الاقتصادي التدريجي في وجود مودي ليشهد تجاوز النمو الصيني في العام المقبل لتصبح الاقتصاد الرئيسي الأسرع نموا في العالم - لكن فقط إذا كان بإمكانها العثور على كمية كافية من الطاقة للحفاظ على نموها.
يقول توم ألبانيز، الرئيس التنفيذي لشركة فيدانتا ريسورسز الهندية، والرئيس التنفيذس السابق لشركة ريو تينتو: "إنه طلب مبالغ فيه إلى حد كبير، ليس هناك أي شك في ذلك. إن تنفيذ ذلك بالشكل الصحيح يعد واحدا من التحديات الكبرى التي تواجه مودي والهند (...) الرهانات عالية جدا، لأن كل اقتصاد حول العالم يشهد أن تكلفة الطاقة تعد أمرا حاسما للنمو".
لا تفتقر الهند إلى الفحم، إذ تخفي تربتها 67 مليار طن من هذه المادة، وتعد الاحتياطي الخامس الأكبر في العالم، ولديها ما يكفي لتوفير وقود وفير ورخيص لعقود مقبلة. إلا أن مشكلتها تكمن في الحفر للحصول عليه بسرعة كافية.
هنا تتمتع شركة الفحم في الهند بسمعة سيئة، خصوصا أن الإنتاج تزحزح بالكاد خلال السنوات الخمس الماضية. وتشهد الشركة مشكلات في إيجاد أراض جديدة للتعدين، والفوز بموافقات بيئية لقطع الأشجار، وكذلك الطاقة الضعيفة للسكك الحديدية لتسليم الفحم للعملاء. لكن كثيرون يلقون اللوم على الشركة، المملوكة للحكومة بنسبة 80 في المائة ويديرها بيروقراطيون حذرون، لفشلها في تحسين الإنتاجية.
القطاع الخاص
مثل تلك المشكلات ليست جديدة. حتى إن السجل الباهت لشركة الفحم الهندية حفز الحكومة على تسليم تراخيص التعدين إلى عدد من أباطرة الصناعة المعروفين منذ نحو عقدين من الزمن. وكما هو الحال الآن، تم حظر صناعة التعدين التجارية البحتة، لكن الاعتقاد كان أن تلك الأعمال التجارية أو الشركات بإمكانها استخدام تلك المناجم لتزويد محطات توليد الكهرباء ومعامل الصلب بالطاقة التي تحتاج إليها - ما يقلل الاعتماد على الفحم المنتج من الشركة. مهما كانت النظرية جيدة، إلا أنها أثارت عملية التخصيص التي أدت إلى أحكام الإلغاء التي صدرت عن المحكمة العليا العام الماضي.
ورغم هذا، تبقى شركة كول إنديا مزود الوقود المهيمن في البلاد، وأوجه القصور لديها تمثل مشكلة خطيرة على نحو متزايد. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة بحلول عام 2040، ومعظم هذا الطلب سيتم تلبيته من الفحم. وما لم يرتفع الإنتاج المحلي بشكل جذري، سترتفع الواردات ثلاثة أضعاف خلال الفترة نفسها، ما يساعد على جعل الهند الاقتصاد الكبير الأكثر اعتمادا على استيراد الطاقة في العالم.
يقول آرونابها غوش، رئيس مجلس خبراء الطاقة والبيئة والمياه في نيودلهي: "أيا كانت الطريقة التي ستعمل بها على ذلك، الفحم سيكون في المقدمة وفي مركز مزيج الطاقة المستقبلي للهند، لذا ينبغي أن ترتفع الإمدادات".
وليس من الضروري أن يؤدي استخدام الفحم المرتفع إلى حدوث تلوث مريع، إذا ما استثمرت الهند أيضا بشكل كبير في مجال الطاقة المتجددة، كما يشير غوش، بينما يمكن معالجة الخطر القادم بسبب مشكلات نوعية الهواء في مدن مثل نيودلهي عن طريق الحد من عوامل أخرى، كحرق النفايات الزراعية وتقليل غبار البناء.
معوقات إنتاجية
حتى مع ذلك، خواص نظام الفحم في الهند تجعل من الصعب زيادة الإنتاج. فمعظم الاحتياطيات توجد شرقي البلاد، في مناطق كثيرا ما تغطيها غابات كثيفة، أو أنها متأثرة بجماعات تمرد ماركسية تنشط منذ فترة طويلة. وتوجد العديد من محطات توليد الطاقة والمصانع التي تحتاج إلى الوقود في مناطق الغرب الصناعية، ما يعني أن الطن المتوسط من الفحم يسير مسافة تقارب 650 كيلو مترا قبل أن يتم تحويله إلى كهرباء.
ولا يستطيع مودي فعل الكثير إزاء تلك المشكلات الجغرافية. بدلا من ذلك، تكمن آماله في تعزيز الإنتاج في إصلاح شركة كول إنديا، التي كانت في أيدي الجمهور منذ أن قامت رئيسة الوزراء إنديرا غاندي بتأميم صناعة التعدين في السبعينيات. وما أنشأته يعد الآن أكبر المناجم في العالم من حيث الإنتاج، مع وجود أكثر من 350 ألف موظف ورسملة سوق تقدر بحدود 38 مليار دولار.
إن شركة كول إنديا ليست شركة منفردة على الإطلاق، بل هي تكتل ثقيل جدا، يتألف من ثمانية أقسام إقليمية معظمها يتمتع بالحكم الذاتي، ويقارب إنتاجها لكل عامل نحو عُشر إنتاج الشركات الصينية المناظرة لها. وتوجد معظم مناجمها البالغ عددها نحو 500 تحت الأرض، وتميل لأن تكون مسببة للخسائر. وتعتبر مناجمها القطاعية أكثر ربحية، حيث توفر أكثر من 90 في المائة من الإنتاج. لكن تلك المناجم تعتبر أيضا أكثر تدميرا للبيئة، باستهلاكها للأراضي. يقول إيه كي سينجوبتا، نائب رئيس مشروع العملية المفتوحة في سونبار بازاري في ولاية البنغال الغربية: "إن نقل سكان القرية من أجل تفريغ الأراضي لتوسيع المناجم يعد أكبر جوانب التحدي الأول والثاني والثالث الذي يواجهنا".
ويقول رئيس شركة كول إنديا إن الإنتاج يمكن أن يرتفع بسرعة رغم هذا الوضع، من 490 مليون طن هذا العام إلى 908 ملايين طن بحلول عام 2020، وذلك ليس ببعيد عن هدف مودي. ويبذل هو أيضا قصارى جهده لإبعاد صور ظروف التعدين الهندية التي تشبه ما كان عليه الحال في القرون الوسطى. ويقول، مشيرا إلى استثمار نحو ملياري دولار العام المقبل في المعدات والبنية التحتية: "يعد هذا أسطورة، نحن عملية تشغيلية حديثة". يعد منجم جهانجرا تحت الأرض واحدا من الأمثلة: سيتضاعف الإنتاج على مدى العامين المقبلين مع إدخال آلة التعدين "ذات الجدار الطويل"، التي من المتوقع أن تصل على متن سفينة من الصين.
حتى مع ذلك، يعترف بهاتاتشاريا بأن هناك أشياء كثيرة خارجة عن سيطرته. ويلزم أن يتم تنفيذ أذون الحكومة لتوسيع نطاق المناجم بشكل أسرع، ويجب أن تقوم السكك الحديدية الهندية المملوكة للدولة برفع طاقتها، ولا سيما من خلال إنهاء ثلاثة خطوط جديدة للسكك الحديدية لنقل الوقود من مناطق إنتاج الفحم. وهذا هو مجرد البداية: تشير أرقام وكالة الطاقة الدولية إلى أن هناك حاجة إلى مبلغ 41 مليار دولار للاستثمارات ذات الصلة بنقل الطاقة بحلول عام 2035، جنبا إلى جنب مع مبلغ 53 مليار دولار في التعدين بشكل أعم.
خيارات مودي
كثير من الناس يشعرون بالتشكك. يقول سانجيف براساد، رئيس البحوث لدى شركة كوتاك للأسهم المؤسسية في مومباي: "كول إنديا شركة ميؤوس منها. هناك فرصة ضئيلة لتقوم بما يلزم".
بدلا من ذلك، يتنبأ بأن المنجم المدعوم من الدولة سيزيد من الإنتاج هامشيا، تاركا الهند في مواجهة فجوة إمدادات التي تقدر بـ 252 مليون طن بحلول عام 2020، أو خمس احتياجاتها الإجمالية من الفحم. وستكون النتيجة زيادة عالية في الواردات المكلفة، المؤثرة على الجوانب التمويلية للشركات الصناعية الكبرى، مع وجود آثار مدمرة على النظام المصرفي الذي يعاني بالأصل تحت وطأة الديون المعدومة.
ليس كل شيء يحدث يكون سببه شركة كول إنديا، بالطبع. ويخطط مودي حاليا لأن يبيع في المزاد العلني المزيد من تراخيص الفحم المأسورة، ما يسمح للمزيد من شركات القطاع الخاص بأن تزود منشآتها الصناعية، وهو ما يساعد على زيادة الإنتاج الكلي.
وأصدرت الهند الشهر الماضي تشريعا يمكن أن يسمح بالتعدين التجاري البحت. ويقول ألبانيز، مجادلا بأن شركات المناجم الأجنبية الربحية فقط يمكنها جلب التكنولوجيات الجديدة ورأس المال الذي يحتاج إليه قطاع الموارد في الهند: "إن الباب يفتح ببطء".
إن المأزق الذي تعرض له مودي قد يدفعه للنظر في خيارات أكثر جذرية، خاصة بالنسبة لشركة كول إنديا. فقد يتم تقسيم المناجم، ما يسمح لأقسامها المتنوعة بالتنافس ضد بعضها بعضا، أو القيام بعملية تخصيص تدريجية عن طريق بيع حصة الأغلبية للحكومة.
وحتى الآن، لم تُظهِر حكومته – الموجودة في السلطة منذ أقل من سنة - حماسة تذكر لتلك التدابير، خاصة في ضوء المعركة التي قد تترتب على ذلك بوجود اتحادات عمالية قوية. كن الكثيرون يعتقدون أنه لا يمكن تجنبها إلى الأبد.
ويقول براساد: "يجب تحويلها إلى القطاع الخاص، بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك. إن نظام الطاقة في الهند يعيش في حالة من الفوضى، والاقتصاد لن ينمو بنسبة 9 أو 10 في المائة مرة أخرى حتى يتم إصلاح هذا (...) لذا يلزم النظر في خطوات كبيرة".
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-04-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews