الأسواق الكبرى والأسعار
أشرت في مقالات سابقة إلى أن إحدى الأدوات التي يمكن من خلالها مقاومة ارتفاع الأسعار هو التفاهم مع السوبر ماركات الكبيرة بهذا الخصوص. ومثلما رأينا فإن وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة قد أكدت يوم الأحد الماضي سعيها لتثبيت أسعار 3500 صنف من السلع الغذائية والاستهلاكية وذلك من خلال الاتفاق مع غالبية الجمعيات والمراكز التجارية الكبرى على ذلك الأمر وتعليق قوائم بأسعار السلع المثبتة في مداخلها الرئيسية. وبهذا يرتفع عدد أصناف السلع المثبتة هذا العام في الامارات، بالمقارنة مع العام الماضي، بنسبة 30%.
ونحن في هذا المجال سباقون. ففي عام 1996، على سبيل المثال، عندما صارت الناس تشكو للجهات المسؤولة حالها، جرى التفاهم مع المحلات التجارية الكبرى للتقليل من غلوى الأسعار. الأمر الذي أدى وقتها إلى الحد من شهية الطمع للاستفادة من ميزانية الدولة التوسعية. فنحن نعرف أن الإنفاق الحكومي عندما يزداد فان كافة فئات المجتمع تطمح في الحصول على نصيبها من الكعكة. ولكن كما هي العادة فإن من يحصل على حصة الأسد هم فئة قليلة قد لا تتعدى نسبتهم 5%.
بالطبع إن الإدارة اليدوية للاقتصاد أمر غير مرغوب فيه. ولكن ذلك قد يكون مبرراً في بعض الحالات. فالسوق، مثلما نعلم، لا يمكن التعويل عليها باستمرار لتوزيع الكعكة الوطنية بشكل عادل. أي بصورة تتناسب مع قدرات الناس وكفاءتهم. خصوصاً عندما يعاني الاقتصاد من ظاهرة الاحتكار ويكون هناك توسع في الإنفاق الحكومي. فالمشتريات الحكومية، التي تشكل نسبة لا بأس بها من الناتج المحلي الإجمالي، تستقطب حولها، في جميع البلدان، أصحاب المصالح.
والعقود الحكومية ليس هي وحدها القناة التي يجري من خلالها إعادة تقاسم الثروة الوطنية. فعندما تكون ميزانية الدولة توسعية، خصوصاً في ظل ظروفنا التي تستنزف النفقات الجارية الحصة الكبرى من الإنفاق الحكومي، فإن بقية المشاركين في العملية الاقتصادية يحرصون هم أيضاً على ألا تفوتهم الفرصة السانحة. وأسهل طريقة يجدونها لاقتطاع "نصيبهم" من ذلك الإنفاق هو رفع الأسعار. فمن خلال هذه الطريقة السهلة يشاركون موظفي القطاع الحكومي المداخيل والزيادات التي قد يحصلون عليها. وهكذا ينالون، بشكل غير مباشر، جزءاً كبيراً من مال غير مخصص لهم.
وأعتقد أنه مع التوسع المخطط في الإنفاق الحكومي لهذا العام فإن ارتفاع الأسعار أمر أكثر من محتمل. ولذلك وحتى لا تتحول مداخيل فئة الموظفين والزيادات التي قد تطرأ عليها إلى أرباح غير مبررة لفئة أخرى يفترض أن يتم التفاهم مع المحلات التجارية الكبرى. فما تستحوذ عليه هذه المحلات يشكل أكثر من 85% من إجمالي الحصة السوقية للسلع الغذائية والاستهلاكية. وعلى هذا الأساس فإنه إذا ما تم التحكم في أسعار هذه المحلات فإن أصحاب البقالات، الذين لا يستحوذون على أكثر من 15% من إجمالي تلك السوق، سوف يكونون مضطرين لمسايرة التوجه العام. فالأسعار في المحلات الصغيرة تحوم دائماً حول المستوى الذي تبيع به الواجهات الكبرى بضائعها.
(المصدر: الرياض 2015-01-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews